خبر الثمن الباهظ لاطلاق الكلمات .. اسرائيل اليوم

الساعة 02:58 م|24 أكتوبر 2010

بقلم: يوسي بيلين

        (المضمون: نتنياهو يطرح الاقتراحات فقط كي يتملص من المفاوضات. ابو مازن يطلق التهديدات العابثة التي لا يمكنه ان يطبقها. اوباما يتطلع الى دولة فلسطينية وكأن حماس لا تسيطر في غزة. كل الكلمات العابثة التي ستدفع المنطقة الى التدهور نحو المواجهة - المصدر).

        "لا جمرك على الكلام"، يقول المثل العربي. مثل الكثير من الامثلة الاخرى، يعاني هذا المثل ايضا من نقص الدقة، وغير مرة ثمن الكلام يكون أعلى بكثير من الجمرك. وعلى الرغم من ذلك، فان الاشخاص الجديين أيضا يتعاطون، في احيان قريبة مع كلماتهم بقدر كبير من الاستخفاف. الاقوال الاخيرة عما قد يحصل على المستوى الاسرائيلي – الفلسطيني هي دليل على ذلك.

        لجنة المتابعة في الجامعة العربية منحت الولايات المتحدة شهرا لاستئناف التجميد الجزئي في المناطق والسماح باستمرار المفاوضات مع الفلسطينيين. أثمة احد ما لا يفهم بان الحديث يدور عن فترة زمنية تتضمن الانتخابات القريبة للكونغرس، كي لا يصل اليها اوباما مع انهيار تام في السياق الشرق اوسطي؟

        مر اسبوعان في هذه الاثناء، وفي كل يوم توجد انباء عن بناء في القدس وفي اماكن اخرى خلف الخط الاخضر. وماذا سيحصل في نهاية الشهر؟ هل ستقطع مصر والاردن علاقاتها مع اسرائيل؟ هل سيهدد أحد ما بالعنف؟ وماذا سيحصل اذا ما رضيت حكومة اسرائيل بعد شهر ونصف، وعندها فقط ستستأنف التجميد. هل عندها ستأتي الجامعة العربية لتقول انه كون اسرائيل لا تفي بالجدول الزمني الذي وضعته لها، فلم يعد معنى للتجميد المتأخر؟

        بالتأكيد لا. من اللحظة التي تقرر فيها تأجيل المحادثات، لم يعد ممكنا وقفها، ووقفها يمكن ان تكون له العقوبة الوحيدة لعدم الايفاء بشهر الانذار. من هنا – الحديث عن شهر هو بالضبط مثل الحديث عن سنة ومن الصعب ايجاد اناس جديين يأخذون على محمل الجد قرار الجامعة العربية.

        ليس هناك أي احتمال

        في بداية دورة الكنيست أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بانه مستعد لان يطرح على الحكومة اقتراحا بشأن التجميد الجزئي في الضفة، شريطة ان يعترف الفلسطينيون باسرائيل كدولة يهودية.

        نتنياهو بعيد عن أن يكون غبيا، وهو يفهم بانه لا يوجد أي احتمال ان يقبل الفلسطينيون (الذين في الاتفاق الدائم سيقبلون أغلب الظن الصيغة التي تقول ان اسرائيل وفلسطين هما الوطنان القوميان للشعب اليهود والشعب الفلسطيني)، سيسحبان من المباحثات على التسوية الدائمة بالذات هذا البند، وسيتبنوه مقابل تجميد لستين يوما آخر.

        موضوع الاعتراف الفلسطيني سيقف امام اعتراف اسرائيل بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين، واعترافها بان اقامتها ساهمت جدا في هذه الضائقة، حتى لو لم يكن هذا هو السبب الوحيد لذلك. كما أن امورا تقال بمزحة جدية وفي محفل احتفالي يمكن ان تكون عليلة تماما وان تتضمن اقتراحات عابثة، حتى في نظر مقدميها. اذا كان نتنياهو مستعدا لان يواصل التجميد، فمن المجدي له أن يجد رفا فلسطينيا أدنى قليلا. واذا كان لا – فمن المجدي أن يجد معاذير اذكى بقليل.

        تهديدات الفلسطينيين

        تعرض م.ت.ف سلسلة من الخيارات لوضع لا يكون فيه تجميد ولا تستأنف المحادثات. هم أيضا يعرضون ذلك كامكانيات عملية، الخيار فيها هو، ظاهرا، بيد الفلسطينيين. خيار واحد هو رفع الموضوع لحسم مجلس الامن. وماذا سيكون عندها؟ الولايات المتحدة لن تستخدم الفيتو على حل مفروض؟ حتى لو اتخذ مثل هذا القرار في مجلس الامن، فماذا سيحصل في اعقابه؟ أأحد ما يفكر بجدية انه يمكن تحقيق حل بدون استعداد اسرائيلي؟

        الخيار الثاني هو اقناع الولايات المتحدة باتخاذ قرار خاص بهم بالنسبة للحل الدائم. هذا عملي بالضبط مثلما سيتخذ مجلس الامن مثل هذا القرار. اذا حصل، فلن يكون لهذا تأثير على الارض.

        الخياران الاضافيان اللذان طرحهما عباس على الجامعة العربية كانا حل السلطة واستقالته شخصيا من منصب الرئيس. حل السلطة هو التهديد الفلسطيني المطلق. معناه – احالة كل عبء الحكم على اسرائيل، وتشديد الضغط الامريكي على اسرائيل بالوصول الى حل مع الفلسطينيين، وذلك لان هذا سيكون عودة الى الفترة التي سبقت اتفاقات اوسلو. المشكلة هي التنازل عن عشرات الاف الوظائف، الامتيازات والمكانة الدولية، ومن الصعب التصديق بان هذا التهديد هو مثابة مسدس مشحون. التهديد الوحيد الذي فيه، ربما، ما يؤثر، وهو عملي، هو استقالة محمود عباس من منصب الرئيس.

        احد لا يعرف من سيحل محله، وماذا ستكون عليه عملية انتخاب الرئيس القادم، حين يكون قطاع غزة في يد حماس. من المريح للعالم الحديث مع حكم فلسطيني معتدل، حتى لو كان الاجراء الديمقراطي الفلسطيني بعيدا عما يريد العالم أن يراه.

        وماذا عن الرئيس اوباما؟ في خطابه في الجمعية العمومية للامم المتحدة أعرب عن الامل في ان في السنة القادمة ستشارك ايضا الدولة الفلسطينية في الجمعية. هل هذه خطة عمل أم اطلاق لامل؟ اذا كانت الدولة الفلسطينية هي جزء من الاتفاق الدائم بين م.ت.ف واسرائيل، فلا يمكنها أن تقوم في السنة القريبة القادمة، ولو فقط لانها لن تتضمن غزة، الممر الامن بين غزة والضفة الغربية والاراضي السيادية لاسرائيل التي ستعوض الفلسطينيين عن الاراضي التي ستضمها اسرائيل في الضفة الغربية والتي توجد في معظمها بمحاذاة قطاع غزة.

        الامكانية الاكثر عملية هي اقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، وفقا لخريطة الطريق التي التزم بها الطرفان. غير أن في هذه اللحظة اسرائيل، م.ت.ف والولايات المتحدة لا يطرحون الا خيار التسوية الدائمة، وكأن نتنياهو مستعد لان يدفع الثمن الضروري، وكأن ليس للفلسطينيين مشكلة في غزة، وكأن اوباما اصغر بسنتين، يحظى بتأييد غير مسبوق، وقادر على فعل كل ما يقرره.

        تقليص قدرة العمل

        هزيمة الديمقراطيين في الكونغرس ستكون مسجلة على اسم اوباما. الاحتمال في أن تسمح الخسارة، التي ستقلص قدرة عمله في الشؤون الداخلية، له في أن يكون رجلا متشددا في الشؤون الخارجية، ليس كبيرا. اساسا لان احساسه بعد فشله سيكون عسيرا، ولن يسمح له بالتوجه الى التحولات الكبرى على المستوى الدولي. ضياع الفرصة الاولى في بداية ولايته لتقدم السلام في الشرق الاوسط أليم جدا. خلافا لبوش، اراد أن يكون نشطا والا يكتفي بان يسفك الطرفان الواحد دم الاخر. ولكن اوباما اخطأ في الطريقة التي حاول فيها جلب الصقور الى طاولة المفاوضات.

        إذن ماذا سيكون؟ نتنياهو سيضمن ان يتفاجأ الجميع، وفي هذه الاثناء سيحاول كسب الوقت. وهو لن يأسف بفشل اوباما، وسيفهم بانه بعد الانتخابات قدرته على استعراض العضلات ستكون أقل بكثير: ابو مازن قد يستقيل؛ الحجارة التي ترشق في سلوان قد ترشق ايضا في اماكن اخرى في الضفة. ثمة هناك غير قليل ممن يتوقعون ذلك، وبدون قيادة كابحة للجماح، من شأن الاحباطات ان تتفجر. نحن سنشرح للعالم بانه لا يمكن المرور مرور الكرام عن ذلك، وصور الماضي القريب ستصبح الحاضر الجديد. لا يدفع جمرك على الكلمات العابثة، ولكن قد يكون لها ثمن آخر.