خبر الاحتلال يشن حرباً على « موسم الزيتون » الفلسطيني

الساعة 06:23 م|23 أكتوبر 2010

الاحتلال يشن حرباً على "موسم الزيتون" الفلسطيني

فلسطين اليوم: رام الله

شكل موسم قطف الزيتون في الوعي الثقافة الفلسطيني طقوسا حافظت عليها أجيالا متعاقبة  ارتسمت بتفاصيل لم يستطيع "تغير الزمن" و نمط الحياة المتقدمة تغيرها....فبقى موسم الزيتون عمل جماعيا يشترك به الكبير و الصغير و المرأة و الرجل...وبإحساس عال بالاحتفالية و البهجة.

فمع انتصاف أكتوبر تبدأ الأسر الفلسطينية بتحضير عدتها للتوجه إلى بساتين الزيتون فتبدو القرية في ساعات الظهيرة خاوية على عروشها إلا من المسنين و الأطفال الصغار، و كأنه رحيل جماعي إلى "الخير" كما يصفه الفلاحون.

وما أن تميل الشمس إلى شروقها حتى تدب الحياة من الجديد في هذه القرى...يعودون يحملون على ظهر دوابهم ما جنوا من ثمار الزيتون و الكل يتحدث عن قدرته في جني اكبر قدر ممكن من هذه الثمار المباركة و كل ما فيها من "خير ورزق".

تقول أم كريم من قرية تل إلى الجنوب الغربي من مدينة نابلس:" في الفترة الأخيرة انحصر العمل في الأرض على فئة قليلة من أبناء القرية، و لكن في موسم الزيتون الأمر مختلف، فالجميع يعود للعمل في الأرض و جني الزيتون، الطلاب و الموظفين و النساء في المنازل، الكل يخرج الجميع يملك أرضا مزروعة بالزيتون و ان اختلفت النسب".

و بحسب أم كريم فإن شوارع القرية تمتلئ بالمواطنين و دوابهم من الساعة الخامسة صباحا و حتى السابعة و كأنه نظام عمل معروف بشكل تلقائي:" عمري الآن 54 ومنذ وعيي و أنا أرى الناس في موسم الزيتون على ما هم عليه الآن و كأنه نظام عمل محدد في أذهانهم و عقولهم بشكل تلقائي".

و كما في الصباح، تكون العودة في المساء من الساعة الرابعة عصرا و حتى السادسة، الجميع عادوا ليتفقدوا ما استطاعوا جنيه من ثمار، فذلك يفرز الورق عن الحب، و آخر يرتب دوره ليتمكن من عصره، و النساء يكملن عملهن في اختيار الثمار الصالحة لتصنيعها زيتونا مخللا.

تعلق ام كريم:"بموسم الزيتون نعمل من الصباح و حتى المساء المتأخر، فحينما نعود إلى المنازل الكل يواصل مهامه في تصنيف الزيتون و نقله إلى المعصرة و فرزه و تنظيفه".

ورغم اليوم الطويل يبقى الزيتون بتعبه و خيره من أفضل المواسم لدى الفلاح الفلسطيني و خاصة بعد ارتفاع أسعار الزيت و تحوله إلى دخلا سنويا "ممتاز" لمن يملك ما يفيض عن حاجته السنوية و يبيعه في نهاية الموسم.

حربا استيطانية على موسم الخير

هذا الخير كله الذي يعيشه الفلاح الفلسطيني بدأ يتحول تدريجيا ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى 2000 الى موسم من العذاب وخاصة تلك القرى و البلدات المتاخمة للمستوطنات.

حيث بدأ المستوطنين حربهم لسرقة التراث و الثقافة الفلسطينية من أوسع أبوابها "شجرة الزيتون" وخاصة في هذا الموسم، حيث يشن المستوطنين حربا ضارية ضد الفلسطينيين وبشكل منظم، و خاصة في منطقة شمال الضفة الغربية.

ومع بداية موسم الزيتون وزعت منشورات في عدد من مستوطنات الضفة الغربية، تدعو إلى إفشال موسم قطف الزيتون في الأراضي القريبة من المستوطنات.

ودعت المنشورات إلى الاستعداد لمنع أي فلسطيني من العمل في الأراضي القريبة من المستوطنات لقطف الزيتون، وكذلك إلى مواجهة نشطاء السلام الأجانب ومنعهم من مساعدة الفلسطينيين والتصوير وتدعوهم لسرقة كاميراتهم، وسرقة ثمار الزيتون قبل أن يجنيه المزارع الفلسطيني.

يقول مسؤول الشؤون القروية في محافظة نابلس غسان دغلس أن اعتداءات المستوطنات ارتفعت هذا العام بشكل كبير و ملحوظ، و انتقلت هذه الهجمات من حوادث عشوائية إلى حرب منظمة يشنها المستوطنين بحماية جيش الاحتلال.

وتابع دغلس أن حجم الخسائر ارتفعت و خاصة بعد حرق مساحات واسعة من أشجار الزيتون و سرقة محاصيلها، وسلبها و الاعتداءات على المواطنين أثناء القطف، الأمر الذي جعل التحرك الفلسطيني لمواجهة ذلك على نفس الدرجة من الخطورة.

فالمحافظات في مختلف مدن الضفة الغربية وضعت خططا لمواجهة المستوطنين في نقاط التماس يقول دغلس:" رفعنا جاهزيتنا هذا العام بشكل كبير، وقمنا بإعداد خطة شاملة بالتعاون مع كافة المجالس القروية و البلديات لتحديد تواريخ محددة لبدء المواسم في المناطق التماس و الخروج بشكل جماعي إلى هذه المناطق".

كما قامت المحافظات و الإغاثة الزراعية بتوزيع معونات عينية على المجالس البلدية في تلك المناطق من أدوات زراعية و ومفارش لمساعدة المزارعين و تم التنسيق مع كافة الجامعات و المعاهد في الضفة الغربية لتجنيد المتطوعين من الطلاب الى جانب اراد الأجهزة الأمنية لمساعدة المواطنين و تشكيل قوة بشرية في تلك المناطق.

ولم يتوقف الجهد الفلسطيني على التحرك الشعبي، بل تعدى ذلك الى الجهد الشعبي من خلال الحملات الطلابية و التنظيمية التي ساعدت في تخفيف من وطأه الخوف الذي يعيشه المواطنين خلال قطفهم للزيتون.

كما برز دور المتضامنين الأجانب في هذا الجهد من خلال نداء وجهته حركة التضامن الدولي للمتطوعين للمشاركة في حملة حصاد الزيتون 2010 في المناطق المحاذية للمستوطنات والجدار الفاصل.

أوله خير و أخره خيرات...

ورغم هذه المخاطر يبق الفلسطيني بفطرته الطبيعية متمسكا بشجرة الزيتون بالرغم من كل المخاطر التي يتعرض لها، كما يقول المزارع "محمد عودة" من قرية حواره إلى الجنوب من نابلس:" كل عام نتعرض للاعتداءات من قبل المستوطنين الذين يلاحقوننا و يضربونا بالحجارة و يسرقون المحصول، على أمل أن نترك الأرض و نهجرها".

كما أن تلك المخاطر لا تمنع الفلسطيني من الاحتفال بنهاية الموسم بنتائج عمله بعد عصره الزيتون الذي جناه، في طقوس تقليدية متوارثة.

تقول الحاجة أم جمال ياسين من شمال نابلس:" حين انتهاء قطف الزيتون يتم تجميع الثمار في أكياس و نقلها إلى المعصرة لعصرها، و يتم حفظ "مؤنه" العامين المقبلين، و ما تبقى بعد توزيع كميات لفقراء القرية و محتاجيها، يتم بيعه".

كما تقوم العائلات الفلسطينية بالغالب بتأمين جزء من الزيت لشحنه إلى الدول العربية لأبنائهم المغتربين الذين ينتظرون زيت بلادهم من عام لأخر.

ومن الطقوس المرتبطة بانتهاء موسم الزيتون و عصره إعداد المأكولات الشعبية و التي يشكل الزيت المكون الرئيس لها، مثل المسخن و "الفطير" حيث تقوم العائلات بتوزيعه على الجيران و الأقارب و الفقراء لزيادة بركة المحصول.

تقول أم جمال:" عندما يشرف موسم الزيتون على الانتهاء تفوح من كل القرية رائحة الزيت و التي تميز القرى الفلسطينية في تلك الفترة، و التي تمتزج برائحة الأرض بعد مطر بداية موسم الشتاء، فكل عائلة تنتهي من جني محصولها و عصرها تبدأ بإعداد المسخن بزيت الزيتون الجديد، و غالبية العائلات تقوم بإعداد الفطير " حلوى تعد الطحين و الزيت السكر" و توزيعها عن "أرواح موتاهم" و عن عائلاتهم للجيران و الأقارب زو الفقراء".