خبر « الاستقلال »... إعلامٌ ينبض مقاومة! ..توفيق السيد سليم *

الساعة 08:23 ص|23 أكتوبر 2010

"الاستقلال"... إعلامٌ ينبض مقاومة! ..توفيق السيد سليم *

في غمرة انشغال فريق التسوية الفلسطيني بالترويج لمشروعه التصفوي للقضية الفلسطينية إبان التوقيع النكد والبخس على اتفاق "أوسلو" مع كيان العدو، وما رافقه من ترويج إعلامي مبرمج لتضليل البسطاء من أبناء الأمة، لتسويق ذلك الاتفاق على أنه إنجاز وطني كبير له ما بعده.. كان لا بد من صرخة صادقة ومدوية في دنيا الإعلام لتنير الطريق للتائهين والحيارى وتأخذ بعقولهم وقلوبهم ووعيهم إلى حيث يجب أن تكون.. فكانت "الاستقلال"..

 

وبما أن الأفكار العظيمة لا تنبع إلا من عظماء.. جاءت "الاستقلال" استجابة طبيعية لنداء "تغليب الواجب على الإمكان" الذي نادى به المفكر الإسلامي العظيم الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، الذي كان يدرك طبيعة المرحلة وخطورتها على مستقبل خيار الجهاد والمقاومة في فلسطين والمنطقة، في ظل تدافع وتسابق الأنظمة العربية للانخراط في "تطبيع" علاقاتها مع الكيان الغاصب، وفتح عواصمها لسفرائه وعملائه وجواسيسه ليتسنى له العبث والتخريب عن قرب في الجسد العربي الرسمي المترهّل ببركة الجاثمين على صدره من زعماء ومسؤولين عافتهم كراسيّهم وألقابهم..!!

 

ففي الحادي والعشرين من تشرين أول/ أكتوبر 1994م، كانت صحيفة "الاستقلال".. صوت فلسطين إلى الأمة وصوت الأمة إلى فلسطين.. تشق طريقها رغم "قلة الإمكان" و"زحمة المكان"، ببركة ثلة من المخلصين والمبدعين.. لتضع حجر الأساس لإعلام فلسطيني مقاوم نابع من الفكرة "الشقاقية" الواعية، لتقف جنباً إلى جنب مع الرصاصة والشظية وانفجارات الغضب... وهو ما شكّل حالة فريدة في الساحة الإعلامية الفلسطينية المعاصرة، سرعان ما بدأ القتلة والمأجورين في توجيه سهامهم صوبها للنيل منها!!..

 

فقد كانت أولى تلك السهام، في الثاني من تشرين ثاني/ نوفمبر 1994 حيث أصابت صدر محررها المسئول الشهيد القائد هاني عابد الذي كان يرأس في حينه إدارة تحريرها، والذي تم استهدافه بعبوة ناسفة أتت على السيارة التي كان يستقلها، ولكنها لم تنل من روحه التي لا زالت تسري في الذين حملوا الراية من بعده وما بدلوا تبديلا..

 

فما أروعها من بدايات تلك الممهورة بدم الشهداء.. وما أروعها من كلمات تلك المشفوعة بقسم الشهادة والعشق الأزلي لفلسطين الإسلام والهوية والوطن، لذلك كان لا بد لهذا الفكرة "المشروع" أن تنمو وتكبر وهي تحمل في ثناياها بذور الصبر على المحنة والابتلاء من "الأخوة" والأعداء.. وهو ما شهدت به السنوات الخوالي..

وتوالت الضربات والطعنات في صدر "الاستقلال" الحُلُم، ولكن هذه المرة من "الإخوة" الذين أرّقتهم الحقيقة التي كشفت زيفهم وخداعهم، فما كان منهم إلا محاولة "بائسة" لكتم صوتها الهادر بالحق ووصايا الاستشهاديين.. حيث تعرضت "الاستقلال"، للاعتقال والاعتداء وقرارات الإغلاق المتتالية من أجهزة "أوسلو" المسكونة رعباً وخوفاً من انكشاف سوءتها وسوءة مشروعها الانهزامي على صفحات صحيفة المقاومة الأولى في فلسطين، التي ومنذ انطلاقتها تعمل على توجيه البوصلة باتجاه فلسطين، وتشكيل وعي الجماهير نحو خيار المقاومة والشهادة..

 

ولأنها مشروع شهادة منذ النشأة والتكوين.. فقد شرُفت "الاستقلال" باحتضان كوكبة من الإعلاميين والعاملين المجاهدين الذين كانوا فرساناً لكلمة الحق وبندقية المقاومة، فاستحقوا الشهادة عن جدارة، أمثال المؤسس هاني عابد، وناهض كتكت، ومقلد حميد، وعثمان الرزاينة، ومنير مرسي، وحسن شقورة.. فكانت دماؤهم حبرا سرياً تكتب به "الاستقلال" تاريخها النابض بالجهاد والمقاومة، لتواجه به الإعلام المضلل المتماهي مع مشاريع الهيمنة والاستكبار العالمي والذاهب حتماً إلى زوال، وصولاً إلى ترسيخ ثقافة المقاومة (إعلاماً.. وفكراً.. وأدباً.. وعلماً.. ومشروع حياة).

 

ونحن نحتفل اليوم بانطلاق شعلة "الاستقلال" السابعة عشرة، نجدد العهد والبيعة مع الله أولا، ثم شهداء الكلمة ثانيا، أن تظل كلماتنا رصاصاً ينفجر في وجه باعة الوهم وسماسرة الخيانة.. تصوّب البوصلة، وتشد الهمم، وتدافع عن الحق والمظلومين، وتعبئ الأمة والشهداء والمقاومين نحو فلسطين..

 

بوركت "الاستقلال" في ميلادها المتجدد مع كل كلمة حق.. وبورك صاحب الفكرة.. وبورك كل السائرين نحو تدعيم بنيان مشروع.. "الإعلام مقاومة"!!..

 

*صحفي فلسطيني مقيم في غزة