خبر أمور تعلمتها في قيادة المنطقة الجنوبية .. هآرتس

الساعة 09:49 ص|22 أكتوبر 2010

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: عملية واسعة في جنوب القطاع في رصاص مصبوب كانت بالفعل تحتاج الى اشهر عديدة من المكوث العسكري في الميدان، وهذا كان ينطوي بالتأكيد على خسائر كثيرة للجيش. الانسحاب السريع سمح لاسرائيل بتثبيت الردع بعدد قليل نسبيا من الخسائر – المصدر)

بعد أقل من اربعة اشهر سيتسلم اللواء يوآف غالنت منصبه الجديد، كرئيس الاركان العشرين للجيش الاسرائيلي. أمس ودع قيادة المنطقة الجنوبية، حيث حل محله اللواء تل روسو. في الاشهر القريبة القادمة سيجلس رئيس الاركان المرشح في مكتب جانبي في وزارة الدفاع، ليهتم بأمر انتقال السلطة مع الفريق غابي اشكنازي وليعد نفسه للولاية التالية.

ما الذي تعلمه يوآف غالنت من الوقت الذي قضاه في قيادة المنطقة الجنوبية؟ رغم الانشغال الاعلامي الواسع برئيس الاركان المرشح في الاشهر الاخيرة، القليل جدا كتب عن مواقفه في مواضيع عسكرية وسياسية. وشغل غالنت منصب قائد المنطقة الجنوبية لخمس سنوات تقريبا، وهي فترة نادرة في طولها وفي اثنائها وقعت في حدود قطاع غزة، الجبهة العملياتية الاساسية لقيادة المنطقة الجنوبية، تحولات جوهرية.

حل غالنت محل اللواء دان هرئيل في تشرين الثاني 2005، بعد وقت قصير من فك الارتباط عن غوش قطيف. في وقت لاحق جاء اختطاف جلعاد شليت وحملة "رصاص مصبوب" وبينهما بادرت قيادة المنطقة وقادت سلسلة من العمليات على نطاق متوسط ("امطار الصيف" و "شتاء ساخن" وغيرها). وكانت الفترة مفعمة بالتصعيدات المحلية، بالاف الصواريخ التي اطلقت نحو النقب ومئات الهجمات الاسرائيلية في اراضي القطاع.

رمز يميني

يترك غالنت قيادة المنطقة الجنوبية وفي جعبته عدة دروس اساسية. ويدل الربط بين ثلاثة منها، التي تعنى بالاحداث الكبرى – فك الارتباط، الاختطاف ورصاص مصبوب – على مذهب فكري مركب، لا يتطابق بالضرورة والمفاهيم القائمة، التي تحبها وسائل الاعلام. رئيس الاركان التالي ليس الصقر المجنون الذي وصف في احدى الصحف مع القرار بتعيينه. بالمقابل واضح ايضا انه لن يكون منفذ كلام وزير الدفاع ورئيس الوزراء بشكل طائع.

فك الارتباط لم يكن مصيبة أمنية. موقف مقبول جدا في الرأي العام الاسرائيلي يقول ان اخلاء غوش قطيف في صيف 2005 ظهر كخطأ. صحيح أنه لم يسبق ان كان هناك اجماع حول الاستيطان في غزة، ولكن منذ الخروج احادي الجانب احتدمت نار الصواريخ من النقب، تحسن مدى وسائل القتال التي لدى الغزيين وحماس استكملت سيطرتها على القطاع. في السنوات الاخيرة بدا الكثير من الضباط الكبار يتحدثون بشكل مشابه.

من جهة، رافق غالنت عن كثب رئيس الوزراء ارئيل شارون كسكرتيره العسكري وهو مدين له بدين لا بأس به. من جهة اخرى، فهو الذي كلف بعد ذلك بحماية الجنوب، بمعنى، طلب منه ان يأكل العصيدة التي طبخها شارون.

رئيس الاركان التالي لا يتجاهل تعزز قوة حماس عقب خروج الجيش الاسرائيلي من القطاع ولا مما يعتبر في الجانب الفلسطيني كهرب اسرائيلي. بالمقابل، يعتقد أنه توجد ميزة كبرى في الوضع الناشيء، حيث انسحبت اسرائيل من آخر ميلمتر في القطاع وهي الان منتشرة في خطوط دفاعية مستقيمة وبسيطة، حول القطاع. من الاسهل جدا الدفاع عن جدار فاصل مرتب، يفصل بين مواطنيك وبين العدو، من الانتشار في طرق ملتوية حول المستوطنات المتناثرة داخل الاراضي الفلسطينية. مهمة الدفاع عنها كانت تنطوي على احتكاك يومي عسير وضرر دولي. اما التعاظم التدريجي لحماس فقد حصل في الماضي ايضا. منذ أن كانت اسرائيل تسيطر على محور فيلادلفيا، الرواق الحدودي مع مصر في رفح، كانت تجد صعوبة في منع التهريب الى القطاع.

اختطاف يستوجب ردا اقوى. رغم القلق من تسلح حماس، يتذكر غالنت جيدا ان في الماضي ايضا امتنعت اسرائيل عن المبادرة في حروب عقب تعاظم قوة العدو وانه الى جانب ذلك، يتحسن الجيش الاسرائيلي ويتدرب هو الاخر. بالمقابل، يعتقد أنه محظور على اسرائيل التسليم باختطاف آخر، بعد قضية شليت. مع ان حماس لا تبدو في هذه اللحظة كمعنية في مواجهة عسكرية فورية، فان من شأن المنظمة أن تقرر انه مقابل الربح المتوقع من احتجاز مخطوف اسرائيلي آخر، فان المخاطرة مجدية. ورغم الردع الذي تحقق بعد رصاص مصبوب، في الجيش الاسرائيلي يفهمون بان اسرائيل تجد صعوبة في ايضاح موقفها لحماس في هذه المسألة.

غالنت، مثل مسؤولين كبار آخرين، يعتقد بان الرد على اختطاف آخر يجب أن يكون حادا وواضحا، بما في ذلك دخول واسع الى قطاع غزة. في نظرة الى الوراء، يحتمل أن يكون هذا خطأ ان اسرائيل مرت مرور الكرام عن محاولة جريئة وواسعة النطاق لحماس لاختطاف جنود في معبر كرم سالم في نيسان 2008. المحاولة احبطت واسرائيل اكتفت بذلك.

لم يكن معنى لتوسيع رصاص مصبوب. "رصاص مصبوب" التي خطط لها لتفاصيل التفاصيل غالنت وقائد فرقة غزة حتى موعد قريب من الحملة، العميد تشيكو تمير، كانت الحملة المركزية في ولايته. اسرائيل استخدمت في القطاع قوة شديدة، تكبدت خسائر قليلة نسبيا وثبتت الردع تجاه حماس. لا يمكن تجاهل الهدوء، حتى لو كان مؤقتا. الامن الشخصي عاد بقدر معين الى حياة سكان سديروت وعسقلان، عدد الصواريخ هبط الى الحد الادنى المحتمل وحتى اسعار الشقق في بلدات غلاف غزة ارتفعت الى الاعلى.  في الجانب الاخر من المعادلة يوجد تقرير غولدستون وآثاره. في اعقاب التقرير الحاد، ستفحص كل عملية اسرائيلية بسبعة عيون في الجولة القتالية التالية.

من التقارير في وسائل الاعلام نشأت صورة حادة لخلافات في القيادة الاسرائيلية، قبيل الحملة وفي اثنائها. غالنت كان الرمز اليميني: اللواء قائد المنطقة مارس ضغطا للشروع في حملة، وفي وقت لاحق اعتقد بانه محظور وقفها. كان وزير الدفاع ايهود باراك ورئيس الاركان اشكنازي هما اللذان اقنعا في النهاية اولمرت بالتوقف، رغم أن الاحساس الداخلي لرئيس الوزراء قال خلاف ذلك.

لا يأسف

        كل هذا صحيح، ولكن يوجد للامور سياق أوسع. غالنت سعى الى الحملة لان هذه كانت مهمته. فقد كلف باعداد القوات وحماية السكان. واذا كانت هناك حاجة الى كبح جماح، فقد كانت هذه مهمة القيادات فوقه، وباراك واشكنازي بالفعل داسا على الكوابح، حتى النقطة التي دفعتهما صواريخ حماس الى الرد.

        بعد نحو اسبوع من الحملة، بدأ التردد بشأن نهايتها. حكومة اولمرت، للمرة الثانية في غضون سنتين، شرعت في قتال دون نقطة نهاية مقدرة ودون خطة خروج سياسية. ولا في أي مرحلة من مراحل اعداد الحملة لم يجرِ الحديث عن اسقاط حكم حماس في القطاع كهدف. ولكن السهولة النسبية التي سيطر فيها الجيش الاسرائيلي على قسم هام من مدينة غزة، اثارت شهية اولمرت. هنا نشب جدال حاد بين اولمرت وباراك واشكنازي. فرئيس الوزراء طلب توسع عملية الجيش الاسرائيلي الى جنوب القطاع، عمليا على امل دفع حماس الى الانهيار. اما وزير الدفاع ورئيس الاركان فاقترحا وقف الحملة بالسرعة الممكنة.

        اولمرت استند الى فتوى غالنت، ولكن عندما طال الخلاف، اطلق قائد المنطقة الجنوبية تحفظا ايضا. خطوة جنوبية، كما اوضح، ستتطلب جهدا من اشهر اضافية. وهذه على ما يبدو هي النقطة التي حسم فيها النقاش. لاولمرت، قبل لحظة من اعتزاله المفروض، لم يكن هناك اسناد من الوزراء لمزيد كبير من الدم، العرق والدموع.

        في نظرة الى الوراء، لا يأسف غالنت على الفرصة التي فوتت. يحتمل جدا أن يكون الحق مع باراك واشكنازي. عملية واسعة في جنوب القطاع كانت بالفعل تحتاج الى اشهر عديدة من المكوث العسكري في الميدان، وهذا كان ينطوي بالتأكيد على خسائر كثيرة للجيش. الانسحاب السريع سمح لاسرائيل بتثبيت الردع بعدد قليل نسبيا من الخسائر. من الصعب أن نعرف متى على الاطلاق سيكون ممكنا الخروج من القطاع لو اتسعت الحملة الى منطقة رفح.