خبر غروب الشروق .. هآرتس

الساعة 09:45 ص|22 أكتوبر 2010

بقلم: سافي رخلفسكي

(المضمون: يجب على اسرائيل اذا أرادت البقاء أن تُخلّص نفسها من العنصرية وعدم الديمقراطية وعدم المساواة التي تهدد نظامها - المصدر).

لنظم حكم كثيرة، مصابة بالعنصرية والفاشية، فترة يُخيل فيها لها أن الامور تجري على ما يُرام. وتأتي الفترة السيئة عندما يتبيّن أنه برغم المخاطرة الأساسية التي تُسببها سياسة النظام لقدرة المجتمع على البقاء – تتابع السلطة ضلالها. تتابع بل تزيد، مخالِفة مخالَفة تامة غريزة البقاء الأساسية.

من المعلوم أن ما هو مرفوض يظل مرفوضا ايضا عندما يبدو انه ناجح ايضا، وينبغي أن نحذر التفكير النفعي، برغم أنه هيمن على "ديكتاتورية الخلاصة" الاسرائيلية، لكن عندما يُفضي غير الأخلاقي الى خطر وجودي حقيقي – يدخل دوار السلطة مرحلة جديدة.

ٍتدخل اسرائيل الآن هذه المرحلة عامة، وفي مواجهة التهديد الايراني خاصة. لان أصحاب السيناريوهات وحسابات آخر الزمان، واليأجوجيين المأجوجيين من الداخل والخارج، لا يعملون من غير منطق، بل العكس يُخطط تخطيطا جيدا لحسابات مُستعجلي الخلاص.

دقق باروخ غولدشتاين عندما افترض أن عمله "المقدّس" سيُشعل نارا تضر بمسيرة اوسلو. وقد بدأت عمليات الحماسيين الانتحارية رداً على المجزرة. وكذلك دقق قاتل اسحق رابين. فالرصاصات الثلاث في ظهر الاسرائيلي الذي قاد مسيرة السلام غيّرت الشرق الاوسط سنين. وكذلك لم يُخطيء المخططون للحادي عشر من ايلول. فقد أفضت عملياتهم الى موجات ارتدادية جرى في نهايتها انتخاب ادارة امريكية بدت لهم تحاول الامتناع عن التورط مع الاسلام المتطرف. إن العناصر المسيحانية – صاحبة رؤيا آخر الزمان تخطط تخطيطا عقلانيا، لكن أهدافها في المجال المسيحاني.

وكذلك ايضا محاولة نسبة عدم العقلانية الى نظام احمدي نجاد المسيحاني مخطوءة. ومخطوء أيضا افتراض أنه سيكون من السهل ردعه عن اجراء غير تقليدي. اعتمد "ميزان الرعب" بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على عوامل كثيرة – منها دول ذات كِبر مشابه، وقدرة واضحة على ضربة ثانية وثالثة، وعدم وجود عداوة سحيقة في الأساس. فلم يُعلن أي روسي (أو امريكي) بارادته إبادة العدو. وجميع هذه العوامل غير موجودة في العلاقات الاسرائيلية – الايرانية.

الى ذلك، اذا أحرزت ايران بلا عائق قدرة ذرية تحت حكم احمدي نجاد، فستشعر، وبحق من جهتها بأن ردعها قد نجح. أرادت اسرائيل أن تعرقل على خططها وأحجمت بسبب الثمن المتوقع.

وهكذا، بعد بضع سنين، اذا أصبح لايران قدرة ذرية ذات شأن تشمل القدرة على ضربة ثانية صادقة، فسيواجه نظامها المسيحاني – المتطرف (اذا بقي على حاله) إغراءً عقلانيا من وجهة نظره. ليس الحديث عن هجوم صاروخي شامل لإبادة "الكيان الصهيوني"، من المعقول افتراض أن يُفضي الى القضاء على ايران. لكن اذا هوجمت اسرائيل على نحو محدود، وعلى يدي منتدب، وعلى نحو غير تقليدي لا بواسطة الصواريخ خاصة، وقُتل في تل ابيب آلاف الناس – فستواجه القيادة الاسرائيلية معضلة صعبة.

حتى لو اتضح أن ايران وقفت من وراء العملية (وليس من المؤكد أن يكون من الممكن التأكد من ذلك)، فمن المعقول افتراض أن يُرد على عملية رد ذري كثيف في ايران بهجوم ذري ايراني، يصيب ملايين الاسرائيليين. ومن المنطقي اعتقاد أن تفترض ايران أن تُحجم اسرائيل عن ذلك ولا تختار خيار "لتمت نفسي مع الايرانيين". في هذا السيناريو المسيحاني – العقلاني، ستُصيب اصابة غير تقليدية محدودة لتل ابيب المجتمع الاسرائيلي على نحو يصعب معه عليه أن ينعش نفسه منها. وهذا انجاز استراتيجي ومسيحاني مذهل.

قد لا تسكت اسرائيل عن اصابتها "المحدودة" وتحاول أن تصيب ايران بقدر لا يُفضي الى رد ذري شامل. لكن الطرفين قد يخطئان الحساب ويُجرّان الى حرب إبادة ذرية.

لا ينبع من هذا ضرورة ضربة استباقية بل الضرورة مختلفة. إن اسرائيل التي تُجذب الى عالم عنصري، غير ديمقراطي، ليست كارثة أخلاقية "فقط". إن كيانا عنصريا كهذا يعزل نفسه عزلا، ويجعل نفسه غير شرعي، على نحو يسلبه القدرة الحقيقية المطلوبة للردع وللدفاع عن النفس.

إن جميع السبل لمضاءلة خطر سيناريو رؤيا آخر الزمان المسيحاني تقتضي أن تخرج اسرائيل من العزلة التي تفرضها عليها سياستها العنصرية – وأن تكون مجتمعا شرعيا مُرادا في الجماعة الدولية.

هكذا الامر بالنسبة لمظلة الحماية الاستراتيجية من الغرب مع ضم اسرائيل الى حلف شمال الاطلسي – وهو مسار مشروط باتفاق سلام اقليمي بهدي من اقتراح الجامعة العربية في 2002 – وبالنسبة لكل محاولة احباط في آخر لحظة لحصول ايران على القدرة الذرية، كان ذلك بمقامرة عسكرية اسرائيلية خطرة، أو بعملية تشجع تغيير نظام الحكم، أو عملية أعنف من الغرب.

وهكذا فان السياسة الاسرائيلية الضرورية من جهة أخلاقية - نقض الحكم الذاتي الديني الذي يهدد بابتلاع اسرائيل، والعودة الى حدود نهاية حرب الاستقلال وضمان اعلان الاستقلال بـ "مساواة الحقوق الكاملة دون فرق ديانة وعِرق وجنس" – قد أصبحت ضرورة وجودية مطلقة.

إن ركل هذه الضرورة بقدم قاسية يشهد بأن النفوس العنصرية والفاشية في اسرائيل قد بلغت مرحلة تسمح لنفسها فيها بالعمل على مخالفة حتى غريزة البقاء. وهذه المرحلة تنتهي في الأكثر الى نهاية آخر الزمان.