خبر الشهيد « الشقاقي » في عيون من عاصروه

الساعة 08:37 ص|22 أكتوبر 2010

الشهيد "الشقاقي" في عيون من عاصروه

د. العوا: "الأمين العام" صاحب فكرة ساطعة نورها يضيء ما بين السماء والأرض

الغنوشي: "الدكتور" نقل المشروع الإسلامي من مستوى إلى آخر

سيد أحمد: "الشقاقي" أوصى تلامذته بضرورة الحفاظ على فلسطين "قضية مركزية"

مورو: "الشهيد الأمين" صنع تجسيداً لجدلية العلاقة بين الإسلام

الحسن: فكر "الشقاقي" برز لحظة تراجع العمل الفدائي الإسلامي في المنطقة

موسى: "مؤسس الجهاد" ربط بين فلسطين والكفاح المسلح و"الإسلام"

ياسين: "المفكر" الإسلامي تغلب على اليساريين لشده تثقفه واطّلاعه

فلسطين اليوم - الاستقلال

لم يكتف الأمين العام الدكتور المفكر الشهيد "فتحي الشقاقي" بخلق فكر قيّم وتلامذة أكْفاء يحملون هذا النهج من بعده، ويكملون المشوار الذي رسمه في مسيرة أعوام طويلة من الكفاح والدعوة للجهاد المسلح ضد الصهاينة الأعداء، بل ترك أيضاً وراءه شريحة عريضة من المفكرين والأدباء والمثقفين ورجال السياسة المحللين والدوليين، الذين اعتنقوا فكره ووصفوه بمميزات لم ينلها "مفكر" من بعده، وخطوا بأقلامهم كلمات أجمعوا أنها رغم الجهد الكبير الذي بُذل لتوظيفها قدر الإمكان في وصف هذا الرجل الكبير، فإن مكانتهم العلمية وخبرتهم في الأدب لم تسعفهم في تحقيق ذلك.

صاحب فكرة ساطعة

ويوضح الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين العالمي "محمد سليم العوا"، أن الشهيد "الشقاقي"  كان معْلما بارزا من معالم الجهاد والمقاومة العربية، مشيراً إلى أنه أفنى حياته في سبيل دعوته وجهاده وما كان يصنعه لاستعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال: "هو ليس مؤسس لحركة الجهاد الإسلامي فقط، بل هو صاحب فكرة ساطعة نورها يضيء ما بين السماء والأرض، وهي: أن الحق لا يموت طالما وراءه مُطالب، وأن صاحب الحق هذا لا يجوز له أن يسكت عنه، وأن الذي لا يستطيع أن يدركه كله يجب عليه أن يسعى لإدراك بعضه، وأن يثقف الأجيال في سبيل الحصول عليه كله".

وبيّن العوا أن كل من التف حول المفكر الشهيد وعرفوه عن قرب وتشرفوا في الجلوس معه، كانوا يرون فيه دائماً حكمة حقيقة مستلهمة من دينه غير مصطنعة ولا مفتعلة، موضحاً أن الشقاقي ترك من بعده إخوانا أكْفاء يحملون فكرة الجهاد الإسلامي، ويستمرون في الدعوة والنصيحة التي دعا إليها الشقاقي والمبنية على المقاومة، ويكملون المهمة التي نذر نفسه لها. واستدرك بالقول: "ولكنه ترك ما هو أكبر من ذلك وأهم، وهي الفكرة والعمل الذي قام به والطريق الذي سار عليه، والدرب الذي بدأه ولم ينته منه، وهو تحرير فلسطين الذي لم ولن يتحقق إلا بالجهاد جيلا بعد جيل".

واختتم الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين العالمي حديثه بالقول: "كلما ذكرت فتحي، أذكر احتلال بيت المقدس نحو 88 عاماً في يد الصليبيين، ثم تحريرها على يد البطل الكردي صلاح الدين الأيوبي، وأقول أن أرض فلسطين التي مر على احتلالها 64 سنةً، ستحرر كما تحررت سابقاً، وسيكون ذلك هو اليوم الذي يفرح فيه المؤمنون بنصر الله".

مشروع إسلامي قويم

أما المفكر والداعية الإسلامي "راشد الغنوشي"، فقد اعتبر في هذه المناسبة الشهيد الدكتور "الشقاقي" بمثابة "رمز من أهم رموز جهاد العصر الحديث"، وقال: "إن المجاهدين في الأمة ليسوا قليلين، وكان الشقاقي هو أحد أولئك المجاهدين الذين ضحوا بأرواحهم فداء لفلسطين، ولكنه تميز بمميزات نوعية، فهو صاحب انتقال المشروع الإسلامي من مستوىً إلى آخر".

وفسّر الغنوشي ما تحدث به سابقاً بأن الحركة الإسلامية التي خلفها الشقاقي "هي حركة تربية وتنظيم ودعوة إلى الله"، وقد عمل الشقاقي على استكمال هذا المشروع بإعلان الكفاح والجهاد المسلح؛ لذلك وصفه كل من عرفه بأنه رائد الجهاد المقدس في فلسطين وهذا ليس بالأمر الهيّن.

وأوضح أن الأمين العام للجهاد الإسلامي أسس جهادا قائما على ثقافة إسلامية معتدلة وسوية ومتحضرة، وأضاف: "لم يكن الجهاد عند الشقاقي كما هو عند بعض الجماعات الجهادية في العصر من عمل غير منظم وقتل عشوائي، بل كان جهاده يتأسس على ثقافة إسلامية معتدلة وسطية تتجه مباشرة إلى تحديد العدو وهو الاحتلال، ولم يتطرف فكراً ولا عملاً في مواجهات داخلية في الصف الإسلامي، لأن فكره كان متجهاً لمقاومة العدو الحقيقي، في زمن كان الجهاد يكاد يرتبط في فكر التكفير والتشدد والغلو".

وأكمل حديثه بالقول: "إن الشقاقي لا يزال حيّا بيننا بعد أن جسد فكره من جاء بعده، واتخذوا من نصائحه منهاجاً قويماً مبنياً على خطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، معتبراً بأنه -الشهيد الشقاقي- كان ولا يزال مجدداً للفكر الجهادي في فلسطين.

"المتن وفقه الهوامش"

في حين ذلك، يتحدث الكاتب والمفكر الإسلامي "رفعت سيد أحمد" من القاهرة حول علاقته بالدكتور الشهيد "الشقاقي"، قائلا: "إن الشقاقي هو أنبل ظاهرة إسلامية عشتها ورأيتها، كان لي حظ في اللقاء به في أيامه الأخيرة عندما كان في ليبيا، عندما جاء لينهي قضية المبعدين وتصادفت مقابلتنا معاً في أحد فنادق طرابلس".

وأوضح سيد أحمد أن "الشقاقي" وفي الأسبوع الأخير من حياته، أوصى المفكرين والمثقفين الذين كانوا مقربين منه بأن تظل فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وبالعمل على استمرار الدعوة إلى ذلك، مشيراً إلى أن معظم نشاطات الشهيد، كانت تنصب في محور هذه القضية".

وقال: "إن الشقاقي كان يصر على أنه ومع هذا العدو ينبغي أن نصرّ على "اللاءات الدائمة"، وهي: لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، لأنه عرف جيداً طبيعة هذا الصراع مع الصهاينة، وهو صراع بقاء ووجود وليس صراعا على قطعة أرض، وهذا إن دل على شيء يدل على أن الشقاقي كان قارئا متميزا للمستقبل"، مؤكداً على ضرورة أن يتوقف "هذا العبث الذي يستمر الآن في الساحة الفلسطينية باسم المفاوضات أو في الساحات العربية باسم دعم هذه المفاوضات".

"وقد أوصى "الشقاقي" الذي دعا إلى الوحدة بين الفصائل لمواجهة الاحتلال، بالحفاظ على ذلك الصلح الذي ينبغي أن يكون قائماً بين قوى الأمة التي تؤمن بالقضية الفلسطينية سواء اليساريين أو الإسلاميين أو القوميين، وكان يدعو دائماً إلى وجود نقطة التقاء بين التيارات السياسية على اختلافها، كان رجل حوار إلى حد لم تجمع الساحة العربية بتياراتها المختلفة على رجل تحترمه مثلما اجتمعت على الشقاقي كرجل حوار"، وفق قول المفكر الإسلامي.

وبيّن "سيد أحمد" أن الشهيد المفكر كان يصرّ على أن تكون اللقاءات بين الفصائل، بهدف توحيد الصفوف تجاه فلسطين. وأضاف: "لم يكن يؤمن بفقه الهوامش -والمقصود المشكلات الصغيرة بين الفصائل- بل عمل على اجتماع الأمة على المتن، وهو وحدة الأمة ومركزية فلسطين؛ لذلك كان يشغل باله المعارك الكبيرة والجهاد والقدس.

فلسطين والإسلام

أما المفكر والكاتب الإسلامي المصري محمد مورو، قال بدوره: "إن صاحب هذه الذكرى العطرة الشهيد "الشقاقي" كان تجسيداً لجدلية العلاقة بين الإسلام وفلسطين انطلاقا من معادلة المقاومة، التي لا يمكن تحرير فلسطين إلا بها".

وأوضح أن المفكر "الشقاقي" عدّل الهرم المقلوب حول القضية الفلسطينية؛ "حيث أن الإسلاميين كانوا يتعاملون معها أنها إحدى قضاياهم، ولكنه اعتبرها قضية مركزية للحركة الإسلامية، حتى انتهى الأمر لدى جميع الحركات الإسلامية بالاقتناع بهذه الرؤية واعتبروا فلسطين قضيةً مركزية، وقضية الأمة الإسلامية وكل المستضعفين في العالم"، وفق ما قال.

وبيّن المفكر الإسلامي أن الأمين العام "الشقاقي" هو الامتداد الحقيقي للشهيد المقاوم الذي جاء من سوريا للدفاع عن فلسطين "عز الدين القسام"، ولحركة الكفاح الإسلامي دفاعاً عن فلسطين باعتبارها قلب الأمة، وأضاف: "لقد كان ينطلق من فلسطين والقرآن معاً في دعوته وفكره وجهاده، لذا كان محط أنظار أمام الكثيرين".

مُشعل العمل الفدائي

بدوره، أوضح "بلال الحسن" -الكاتب السياسي الفلسطيني المستقل- أن الدكتور المفكر الشهيد "الشقاقي" أفنى عمره في سبيل السعي لتكوين نظام جهادي قويم في وقت تراجعت فيه فكرة المقاومة، وبرزت خلاله أفكار محاولة حل الصراع بالمفاوضات والتسويات.

ووفق تجربة "الحسن" مع الشهيد "الشقاقي"، فقد وصفه بالتواضع والعطاء الدائم والخلق السمح، وقال: "كان متعاوناً مع الجميع وانعكس ذلك سياسياً في علاقاته مع الفصائل المتعددة؛ لذا أعتقد أنه استحق لقب القائد لأنه كان يعرف كيف يتعامل مع الناس وكيف يمارس القيادة ويتعامل مع القوى الفلسطينية".

وبيّن الكاتب المستقل أن فكر الشقاقي برز في لحظة تراجع العمل الفدائي، فجاء ليكرس فكرة المقاومة". واستطرد بالقول: "عندما غاب الشقاقي عنا، ثبت جدياً أن ما فعله وبناه، قائم على الأرض حتى هذه اللحظة، وهذه هي إيجابية القائد، أن يذهب ويبقي ما بناه، و"الشقاقي" استطاع بناء تنظيم فعال، وبغيابه استلم تلامذته وزملاؤه زمام الأمور واستطاعوا إكمال الطريق على نفس النهج، وهذه هي الكفاءة الحقيقية للقائد".

"الوحدة" ثم "الوحدة"

أما حلمي موسى -محرر الشؤون الإسرائيلية في صحيفة "السفير" اللبنانية- أكد أن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الشهيد "الشقاقي" كان أول من دمج وربط بين عناصر ثلاثة لم تدمج سابقاً في فلسطين، وهي: "فلسطين" و"الكفاح المسلح" و"الإسلام".

وأوضح أنه بهذه المعادلة كان سباقاً بأن جعل القضية الفلسطينية فريضة دينية على المناضلين والمجاهدين، ورأى في فلسطين بوصلة ثابتة بموجبها ووفق إشارتها يجب أن يكون العمل. وأضاف: "لقد قرأ كثيراً من المعطيات الدولية والإقليمية؛ لذلك كان يخالف كثيرين لأنه كان يدعو دائما إلى الوحدة بين الفصائل في مواجهة الاحتلال، ورأى أنه يجب ألا يختلف الفلسطينيون فيما بينهم، بل مع عدوهم، وهذه النقطة التي ميزت الجهاد الإسلامي وجعلته أقل التنظيمات تورطاً في إشكالات على الصعيد الفلسطيني".

وبيّن موسى أن الشقاقي كان "نموذجاً إلى حد كبير في الجمع بين القيادة والفكر بعيد المدى، ورؤية عملية يومية، وأنه كان يجعل من نفسه شريكاً لأصغر المناضلين عندما يلتقي بهم؛ لذلك أصبح بين الناس متميزاً وأكثرهم تركاً للأثر والانطباعات على كل من التقوه، سواء كانوا متدينين أو علمانيين". وفق وصفه.

مسلم غلب اليساريين

أما عبد القادر ياسين -الكاتب السياسي اليساري- أوضح من القاهرة أنه التقى بالشقاقي لأول مرة عندما كتب الأول دراسة كبيرة عن الشهيد عز الدين القسام وذلك في شهرية الطليعة القاهرية في نوفمبر 1969. ويقول: "لقد أعجب الشقاقي بي عندما علم أن يسارياً يكتب عن القائد الإسلامي عز الدين القسام، بسبب ما يشاع أن اليساريين ليس لديهم علاقة بالدين".

وأكمل بالقول: "بعد ذلك التقيت الشقاقي في دمشق عندما رحّلته سلطات الاحتلال مطلع عام 1988، وسكنّا متجاورين في مخيم اليرموك وقضينا ساعات وساعات متقطعة مع بعضنا البعض، وعندما كنت أمين سر لجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية نظمنا ندوة عن العلمانية والأصولية، وكان من نصيب الشقاقي أن يتحدث حول العلمانية وتأثيرها، ولاحظنا أنه أكثر من الاستشهاد بمفكرين يساريين، أما المحاضر الثاني الذي كان يسارياً لم يستشهد مطلقاً بأي مفكر يساري فكانت مفارقة غريبة أعجبت الجميع".