خبر حقيقي من أجل التغيير -هآرتس

الساعة 09:07 ص|21 أكتوبر 2010

 

حقيقي من أجل التغيير -هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

 (المضمون: لا يمكن التحدث عن تراث لرابين كما أخذنا نسمع مؤخرا لكن كان عند رابين صفة تميزه عن غيره من الساسة ألا وهي الصدق والتلقائية والأصالة - المصدر).

        عظّم قتل اسحق رابين شخصيته فأصبح أسطورة. هذه طبيعة الامور. فهنالك ما لا يُحصى من الشوارع والمشافي والمدارس والمفارق ما كانت لتُسمى باسم رئيس الحكومة الخامس (والعاشر) لاسرائيل لولا أن قُتل؛ ولكان يوم ذكرى موته يُتذكر بتواضع مثل كل رئيس حكومة منسي آخر، وما كان ليجري على حاله مهرجان الذكرى السنوية الذي يمتد بضعة اسابيع، أكثر من يوم ذكرى ضحايا الجيش الاسرائيلي ويوم المحرقة معا.

        تم تعظيم تراث رابين حتى لم يعد يُعرف. كان رابين رئيس حكومة متوسطا في الولاية الاولى وجيدا في الثانية لكن ما صلة هذا بالتراث؟ علامَ ولمَ؟ لم تكن له نظرية اجتماعية مميزة، وفضّل ديمقراطيته بغير محكمة العدل العليا و"بتسيلم"، ولم تعنه حقوق الانسان والقانون الدولي قط، وجُرّ الى عمل صنع السلام، في البدء على الأقل، ونظرية أمنه هي نظرية  أمن اسرائيل، وهي دين الدولة غير الرسمي، معه أو بغيره. كذلك فشلت اتفاقات اوسلو، وهي فخر انجازاته، ومن جملة اسباب ذلك أنه لم يتجرأ لا هو ولا شمعون بيرس على مد أيديهما الى تنور اخلاء المستوطنات، الذي لا يوجد من غيره أي خطوة حقيقية. لهذا لم يكن ايضا محارب سلام عظيما، برغم خرقه الشجاع للطريق.

        لكن ثمة شيء واحد تميز به رابين، ربما أكثر من كل أسلافه وورثته، وهو الذي يجب أن يكون تراثه الحقيقي الذي يجب أن يورث لجميع الساسة الاسرائيليين. كان رابين رجلا حقيقيا، حقيقيا وأصيلا. إن مشاهدة عشرات ساعات رابين، إذ صحبته عدسة التصوير التي يحبها منذ سن صغيرة، تُبيّن شخصا حقيقيا في كل لحظة ولحظة من حياته الخاصة والعامة. انه حقيقي في التعبير عن الاشمئزاز الذي غشي وجهه في كل مرة اضطر الى الجلوس الى جانب بيرس في جلسات الحزب؛ وحقيقي في مصافحته المتحفظة لياسر عرفات في المرجة في واشنطن. رأيناه عشية حرب الايام الستة ينهار لحظة، وقد كان انسانيا جدا في انهياره؛ وفي "إكسروا أيديهم وأرجلهم" وهي مقالته الشهيرة رأينا الغضب والدهشة اللذين أصاباه إزاء وقاحة الفلسطينيين في التجرؤ على الثورة على الاحتلال؛ وسمّى المستوطنين "مراوح"، لا "طلائعيين" ولا نعلين، عندما وطيء هؤلاء أعصابه حقا (هل تتخيلون بيرس يفعل هذا؟)؛ وفي غرفة الاولاد في الطبقة الثانية من البيت الابيض في واشنطن رأيناه يستحيي، أجل يستحيي، أن يطبع قُبلة تحية المساء على وجه إيمي، إبنة الرئيس جيمي كارتر، الذي طلب اليه فعل ذلك.

        لا يصعب أن نُخمن كيف كان ورثة رابين، شمعون بيرس أو بنيامين نتنياهو يسلكان في ذلك المقام. كان بيرس سيقول للبنت: "أبرزي عضلك"، كما اعتاد أن يقول لكل ولد عرض له في طريقه في جولاته الانتخابية، وكان نتنياهو سينثر واحدة اخرى من ابتساماته البلاستيكية الآلية والمتكلفة. لكن الخجول الاشقر سلك سلوكا مختلفا. كان حقيقيا. لم يخشَ التعبير عن مشاعر انسانية  أصيلة. أن يحمر وجهه غضبا، وأن يخجل خجلا شديدا، وأن يُعبر عن اشمئزاز وقرف وأن يقول الحق. لم يرَ بخلاف أكثر الساسة ضعفا في التعبير عن المشاعر الانسانية. فهي خاصة منحته القوة – فبفضلها صدّقوه أكثر من أكثر الآخرين.

        كان يجب اجراء امتحان الصدق هذا لكل سياسي. تذكروا ألعاب كليشيهات بيرس الذي لا يُبيّن ألبتة عن مشاعره الحقيقية حتى لو أيقظتموه في الهزيع الآخِر من الليل. عندما زللت ذات مرة في أمر ما في عملي معه، قبل عشرات السنين، توسلت اليه أن يغضب وأن يصرخ أو أن يوبخني على الأقل. أين. ونتنياهو بطبيعة الأمر مثله، فهو آلة لا تقل تطورا. فكل تفضل عنده وكل نظرة وكل لفظ مبرمج الى حد الرعب، فلن تضبطوه أصيلا ألبتة. فمتى تصدّقونه؟ وكيف يمكن ذلك؟ فكروا في الابتسامات القسرية لشاؤول موفاز، وطاحون كلمات اهود باراك، والكلام المتلو لبوغي هرتسوغ وفي دان مريدور الذي يحتج عن نتنياهو. انه حفل أقنعة كامل. لا نُصدق أحدا منهم لكننا صدّقنا رابين.

        صحيح أن الزعيم يُقاس قبل كل شيء بأعماله وانجازاته، لكن الصدق شيء ما ايضا. هذا الاسبوع، في ذروة ايام الذكرى، أفكر في اشتياق في رابين. شخص حقيقي من اجل التغيير.