خبر ما هو تراث رابين .. معاريف

الساعة 08:55 ص|20 أكتوبر 2010

بقلم: ابراهام تيروش

 (المضمون: ثمة الكثير مما يُجلّ ويُقدّر في سيرة رابين الذاتية، وكثير مما يُتعلّم منها لكن تراثه المُتحدَّث عنه كثيرا لا ينبع من حياته بل من موته. لانه كان رجل فعل لا رجل تفكير - المصدر).

إنقضى اليوم 15 سنة منذ مقتل اسحق رابين، بحسب التاريخ العبري، وكلما ابتعدنا عن ذلك المساء الفظيع، أخذ النطاق ينحل. ما كان محظورا في الماضي غير مقبول وما لم يكد أحد يجرؤ على قوله، غدا شرعيا مقبولا الآن وسيصبح أكثر شرعية في المستقبل، عندما يصبح الجيل الذي لم يعرف ولم يُجرب القتل أكثرية في هذه البلاد.

اليوم، بعد 15 سنة، غدا من المباح الشك في صوت عالٍ فيمن قتل رابين حقا، برغم أنه واضح تماما؛ ومن المباح اجراء نوع من المنافسة الراديوفونية المخجلة تتعلق بمؤامرات قتله؛ ومن المباح معارضة تخليده الواسع النطاق؛ ومن المباح لعضو كنيست من العمل أن تطلب أن يُستبدل بصورته الكبيرة ("للرجل الذي يرمز عند كثيرين الى إضاعة فرصة وتفويتها") في مركز غرفة الكتلة الحزبية، صورة بن غوريون والغاء مسيرة الذكرى السنوية؛ ومن المباح التساؤل ما هو تراثه المُتحدَّث عنه كثيرا؛ ومن المباح أن يُسأل علنا ما هو الأفظع: أأب يقتل أبناءه الثلاثة أم غاليا متطرفا يقتل رئيس الحكومة؛ ومن المباح أن تُقال اقوال تؤيد إعطاء القاتل حقوقا وظروفا مختلفة؛ أصبح كل هذا اليوم من السلامة السياسية.

ما جاء استعمال كلمة "مباح" لتسويغ كل هذه الاقوال والأفعال. كلا على الاطلاق. فقد جاء لتحديد الانقلاب الذي أخذ يتشكل في علاقة الجمهور بذكرى اسحق رابين. ومع ذلك ينبغي أن نعترف بوجود شيء حقيقي في عدد من هذه التساؤلات والخواطر. وفي مسألة التراث قبل كل شيء. اجل، ما هو تراث رابين حقا؟ أيوجد أصلا شيء كهذا؟ وما هو التراث بعامة؟.

التراث كلمة كبيرة. مشحونة. وهي أخت الميراث الذي ينتقل من جيل الى جيل. "أمرنا موسى بالتوراة وهي ميراث لجماعة يعقوب"، ورد في تحية وداع موسى لشعب اسرائيل. يتصل التراث اتصالا حسن بظواهر تاريخية، ونظريات وأديان ("التراث اليهودي")، والحركات ("التراث الصهيوني")، والتيارات الفكرية ("التراث الاشتراكي") وأناس ذوي رؤيا انشأوا هذه الاشياء. لكن عندنا ميلا الى إلصاقه ايضا بزعماء "عاديين" مضوا على عالمهم، تعريف التراث أكبر من عملهم مهما كان مهما مجديا.

ينطبق هذا ايضا على اسحق رابين. يوجد الكثير مما يُجلّ في سيرته الذاتية ويُتعلم منه. فاسهامه في استقلال اسرائيل وبقائها واضح. ومن تجنيده نفسه للبلماخ، الى خدمته الطويلة في الجيش الاسرائيلي، ورئاسته للاركان واعداد الجيش لحرب الايام الستة الى عمله في المجال السياسي. كان السعي الى السلام عنصرا مركزيا في نشاطه إذ كان رئيس حكومة وهو يستحق أن يُحتذى عليه، وإن كان قد جرّه بيرس وجماعته الى اوسلو كما يجب أن نتذكر. وبقدر لا يقل عن هذا ينبغي أن نحترم استقامته ونزاهته وصدقه، وتواضعه وطريقة حياته. هل ينشيء كل هذا تراثا؟ لا خاصة.

لم يكن رابين رجل رؤيا، ولا مفكرا مثقفا، أو راسم طريق فكري. لم يكتب. فقد كان رجل عمل يجب أن تُقدّر اعماله في أكثرها وأن تكون مثالا. لكنها لا تبلغ أن تكون نظرية مبلورة وتراثا. فلولا أنه قُتل، ولنعترف بهذا، لما ألصقوا به "التراث".

اذا وُجد مع كل ذلك "تراث ما لرابين" فلا ينبع للأسف الشديد، من حياته بل من موته وقتله خاصة. وما أتى ليورثه الأجيال أنه لا يجوز في الديمقراطية حل الخلافات بالرصاص. وأن الرأي الآخر شرعي. وأن الحكومة المنتخبة يحق لها أن تقرر سياسة وأن تنفذ اجراءات لتحقيقها، حتى لو كان يُخيل لشخص ما انها كارثة. وأن الحسم في صندوق الاقتراع لا بمنظار بندقية.

يجب الحفاظ على هذا التراث وإنماؤه وتوريثه. يُحتاج من اجل ذلك الى الاستمرار على تذكر ايام ذكراه، وملئها بالمضمون وجعلها يوما لتعزيز الديمقراطية بنشاطات مختلفة. كلما مرت السنين وزال عن هذه الارض اولئك الذين كان القتل عندهم ذكرى شخصية مضعضعة سيكون الامر أهم. لا ينبغي أن نخطيء، فخطر القتل السياسي ما زال موجودا اليوم ايضا. وما زال يوجد أشباه ليغئال عمير. تحدث رابين فقط ولم يستطع أن يفعل كثيرا في الطريق الى السلام. فتخيلوا ما قد يحدث لرئيس حكومة، وليكن من كان، يضطر الى إعادة مناطق يهودا والسامرة واجلاء عشرات آلاف المواطنين الاسرائيليين عن بيوتهم هناك. ليحفظنا الله.