خبر « قتلى مرمرة ليسوا شهداء ».. فتوى نفاها فتح الله كولن

الساعة 07:23 ص|20 أكتوبر 2010

"قتلى مرمرة ليسوا شهداء".. فتوى نفاها فتح الله كولن

فلسطين اليوم- وكالات

نفت مصادر من داخل جماعة الداعية والزعيم الإسلامي التركي، فتح الله كولن، الفتوى المنسوبة له في عدد من وسائل الإعلام بأن الأتراك التسعة الذين قتلتهم البحرية الإسرائيلية في الهجوم على أسطول الحرية مايو الماضي ليسوا شهداء لأنهم ألقوا بأيديهم في التهلكة، ولم يأخذوا التدابير اللازمة لحماية أرواحهم.

 

وقد أنكر عدد من علماء الدين الترويج لمثل هذه الفتوى المنسوبة، معتبرين أن من يروج لها دون يقين "يساعد العدو الإسرائيلي على تثبيط همم المسلمين عن الدفاع عن حقوقهم وإخوانهم في غزة وغيرها".

 

وقالت المصادر من داخل جماعة كولن - رفضت التصريح بهويتها-  لـ"أون إسلام" إن صحيفة "زمان" التركية في عددها الصادر بتاريخ 3-6-2010 نشرت تعزية للشيخ في مقتل هؤلاء الأتراك، وصفهم فيها بأنهم شهداء. وقد اطلعت شبكة "أون إسلام" على نص التعزية في الصحيفة.

 

وعما تناولته مواقع تركية مثل موقع "وكالة أهل البيت"، و"خبر 5" و"إصلاح خبر" من أن الشيخ قال إن "قتلى سفينة مافي مرمرة (السفينة التركية التي كانت ضمن أسطول الحرية) ليسوا شهداء"، قالت المصادر إنه تفسير خاطئ من الصحفيين الذين حضروا لقاءاً مع كولن تحدث فيه عن الهجوم الإسرائيلي على الأسطول.

 

وكان عدد من الصحفيين الأتراك- معظمهم يعملون في وسائل إعلام علمانية- اجتمعوا مع فتح الله كولن في منزله بولاية بنسلفانيا الأمريكية، وتحدثوا معه في عدة مواضيع، من ضمنها أسطول الحرية، وأشار كولن فيما يتعلق بهذا الصدد إلى أن من كان ينوي الذهاب في أسطول الحرية لمجرد طلب الشهادة يكون قد ارتكب خطأً، ولكنه لم يقل أن معنى هذا أنه إذا قُتل لن يكون شهيداً.

 

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ"أون إسلام" فإن الصحفيين الذين حضروا اللقاء معظمهم ذوو توجه علماني، وبعد اللقاء قالوا لوسائل الإعلام ما فهموه هم من حديث الشيخ؛ حيث فهموا أن هذا يعني تلقائياً أن هؤلاء الأتراك الذين ذهبوا إلى غزة في أسطول الحرية لمجرد طلب الشهادة رغم علمهم بالمخاطر ليسوا شهداء. ومن بين الصحفيين الذين حضروا اللقاء: جونيت إزدمير وفرحات بوراتاو وسردار تورجوت وبيجان ماتور.

 

تفسير "افتراضي"

 

وبحسب المصادر المقربة من كولن أيضاً، فإنه يبدو أن هؤلاء الصحفيين بنوا تفسيرهم على الموقف الشهير لفتح الله كولن من تسيير أسطول الحرية إلى قطاع غزة، فقد سبق وأن صرح لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية برفضه ذهاب النشطاء إلى غزة لفك الحصار وهم يعلمون بالمخاطر الجمة التي تنتظرهم، مطالباً إياهم بأن يحصلوا على تصريح إسرائيلي في البداية لتوصيل المساعدات إلى غزة قبل تعريض أنفسهم للخطر.

 

غير أن الشيخ بعد الهجوم أعلن عن أسفه الشديد لمقتل هؤلاء النشطاء، معتبراً إياهم "شهداء كانوا يسعون لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة"، سائلاً الله تعالى "أن يتغمدهم في رحمته، وأن يتقبلهم بنواياهم النبيلة".

 

وأسطول الحرية كان عبارة عن 6 سفن، ممولة من تركيا والجزائر والكويت ومنظمة غزة الحرة العالمية، كانت تحمل على متنها مواد إغاثة ومساعدات إنسانية لقطاع غزة المحاصر، بالإضافة إلى نحو 750 ناشطا حقوقياً وسياسياً وبرلمانياً وصحيفاً. وغادر الأسطول الشواطئ التركية في 29 مايو الماضي باتجاه غزة، إلا أن قوات البحرية الإسرائيلية شنت هجوماً يوم 31 مايو على سفينة "مافي مرمرة"- كبرى سفن الأسطول- التي كان على متنها أكثر من 500 شخص؛ ما أسفر عن استشهاد 8 أتراك، وأمريكي من أصل تركي، وإصابة العشرات.

 

وفي الأسبوع الماضي قدم "ائتلاف أسطول الحرية" الذي يضم عدداً من النشطاء الناجين من الاعتداء الإسرائيلي على الأسطول ومحامين من 20 دولة شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لملاحقة المسئولين الإسرائيليين عن الهجوم بتهمة انتهاك القانون الدولي، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ حيث استهدف الجيش الإسرائيلي أشخاصاً عزل من السلاح في المياه الدولية.

 

والداعية الإسلامي فتح الله كولن، هو زعيم جماعة "النور" التي أخذت على عاتقها عملية إصلاح المجتمع التركي من القاعدة؛ بمعني التركيز تقديم مستويات راقية من التعليم الحديث، وخاصة ما يتعلق بالرياضيات والعلوم الطبيعية والتكنولوجية والإدارية، بالإضافة إلى التربية الدينية الروحية والسلوكية، لتخريج أجيال متسلحة بالمهارات التي تمكنها من إصلاح ما أفسدته العلمانية الأتاتوركية التي فرضها على تركيا الحديثة مؤسسها، مصطفى كمال أتاتورك، بعد إلغاءه نظام السلطنة العثمانية.

 

وعلى هذا الأساس تنتشر المدارس التي تحمل هدي هذه الجماعة في كافة أرجاء تركيا وعدد من دول العالم الإسلامي، ويحصل طلابها على مراكز متقدمة في المسابقات الطلابية العالمية. وعلى خلفية عدة مشاكل تعرض لها بسبب ملاحقة العلمانيين الأتاتوركيين له في تركيا، غادر كولن البلاد إلى منفاه الاختياري في الولايات المتحدة الأمريكية التي يعيش فيها الآن منذ نحو 13 عاما.

 

الشهادة والتهلكة

 

ويثار من حين لآخر جدل حول هل يجوز أن يوصف بالشهيد من يلقي بنفسه في التهلكة حتى لو حسنت نيته في مواقف خارج ميدان المعركة، ويقول في ذلك الدكتور محمد فؤاد شاكر، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس: "مدح الإسلام من يدافع عن أخيه لينصره بالحق تحقيقا لحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (انصر أخاك ظالما أو مظلوما)، وهؤلاء (أهل غزة) ظلموا وحرموا من حقوقهم؛ فإذا جاء أحد ليقدم لهم الزاد ويكسر حصارهم ويفك قيدهم فالغاية هنا نبيلة، والمخاطرة مشروعة، والإسلام أرحب من أن يضيق بهذا المدافع عن أخيه بما يملك وما يستطيع، ولهم إن شاء الله أجر شهيد".

 

وحذر شاكر في حديثه لـ "أون إسلام" من أن هؤلاء "الذين يحاولون أن يروجوا لأن قتلى أسطول الحرية وأمثالهم ليسوا شهداء بدعوى أنهم ألقوا بأيديهم في التهلكة، يستخدمهم العدو ليفُت في عضدنا ويثبط هممنا".

 

وبصورة أعم قرر شاكر أنه من المعلوم عند المسلمين أن الإنسان الذي يقدم نفسه فداءا لمعتقده أو عرضه أو للحفاظ على دينه أو ماله أو للدفاع عن أهله وإخوانه وتعرض لإصابة تنقله من الحياة إلى الموت فهو شهيد، وذلك مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد".

 

وحول ذات الموضوع سبق وأن أصدر الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتوى مطولة بعنوان: (شرعية العمليات الاستشهادية في الأراضي المحتلة)، اعتبر أن الذين يموتون في العمليات الاستشهادية– رغم تيقنهم من مقتلهم فيها- يعدون شهداء في سبيل الله، بذلوا أرواحهم وهم راضون ما دامت نياتهم لله، وماداموا مضطرين للشهادة لإرهاب أعداء الله". وذكر أن عمل هؤلاء "الأبطال" لا يعد من الإلقاء باليد إلى التهلكة، وإنما هو من أعمال المخاطرة المشروعة والمحمودة في الجهاد بقصد النكاية في العدو، وقتل بعض أفراده، وقذف الرعب في قلوب الآخرين وتجرئة المسلمين عليهم.