خبر د. جمعة: السلفية المتشددة أقرب للعلمانية منها للإسلام

الساعة 07:20 ص|20 أكتوبر 2010

د. جمعة: السلفية المتشددة أقرب للعلمانية منها للإسلام

فلسطين اليوم  : أون إسلام

 اعتبر الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية أن السلفية المتشددة أقرب إلى العلمانية منها إلى الإسلام، وأن الفكر السلفي المنغلق هو الوجه الآخر للفكر العلماني، شارحا أنه إذا كانت العلمانية تريد أن تعزل الدين عن سير الحياة، فإن السلفية تسعى إلى أن تنعزل بالدين عن الواقع.

ونفى المفتي في المقابل أن تكون ثقة جموع المسلمين في الأزهر قد اهتزت في السنوات الأخيرة، مشددا على أن المنهج الأزهري الوسطي "كالهرم، يتجاوز الزمان والمكان.. وسيظل هرمًا".

 

 

وقال إنه مطمئن لكل الفتاوى التي أصدرها خلال ثمانية أعوام تقريبا قضاها في منصبه، ولا يعتقد أنه بحاجة لأن يراجع أيا منها؛ لأن كل ما صدر كان جهدا مؤسسيا "عدنا فيه دائما لـ (أهل الذكر).. ولم يكن اجتهادا فرديا".

وفي حواره مع "أون إسلام" -والذي أجري في مقر دار الإفتاء الذي يتسم بعمارته الإسلامية المميزة بمنطقة الدراسة في العاصمة المصرية، والذي لا تفصله عن نقابة الأشراف إلا أمتار معدودة- حرص الشيخ علي جمعة على أن يدافع عن قوة الدفع التي يتمتع بها التيار الصوفي في مصر حاليا قائلا إن "التصوف علم مُشيد بالكتاب والسنة، وإن أعداءه وأدعياءه هم الذين يلحقون به أشد الضرر"، وعن منهج الأزهر الوسطي والذي يعتقد كثيرون في مصر والعالم الإسلامي أنه بات أقل حضورا مقارنة بقرون بل عقود مضت، وذلك مقابل صعود رؤى أخرى أكثر تشددا وانغلاقا، تهيمن على مواقع الإنترنت وعلى فضائيات يتابعها الملايين.. عن هذا المنهج بدأ الحوار.

 

 

سألنا في البداية عن المعوقات التي تحول دون بروز المنهج الأزهري، وعن سعي التيارات الأخرى لملء الفراغ، فرد فضيلة المفتي أولا بتحديد سمات ست رآها سببا لبقاء هذا المنهج المصري في فهم الإسلام طيلة قرون، فقال "هذا المنهج أثبت وجوده عبر التاريخ؛ لأنه كان منهجا علميا، وسطيا بعيدا عن الأهواء، وكان شاملا، ومنفتحا وليس مغلقا، وكان له وجوه تعددية ولم يكن مقتصرًا على الوجه الواحد والرأي الواحد، وكان كذلك منهجا مركبا من توائم العقيدة مع الفقه مع الأخلاق.

 

بفضل هذه السمات -يقول المفتي- ازداد اهتمام العالم بالمنهج المصري عندما انتقلت الخلافة بعد هجمات المغول من بغداد إلى القاهرة، وظلت هكذا فترة طويلة من عصر المماليك إلى الدخول العثماني وحمل الخليفة إلى الأستانة.

 

ثم أضاف أن هذا المنهج "تجاوز الزمان والمكان، وتجاوز الأشخاص والأحوال، وأنا أراه كما أرى الأهرام، هرم موجود وواقع محسوس، فإذا ما أُهمل ورُميت القمامة حوله، وحاول بعضهم أن ينشئ حوله شيئا مما لا يليق بهذا الهرم، ودلالته، وعلومه، فإن الأمر سهل، وسيظل الهرم هرمًا.

 

ومضى يقول لقد حاول "المسكين" نابليون أن يضرب الهرم، وأن يكسر أنف أبو الهول، لكنه لم يستطع أن يزيل الهرم، ورأى أن الذخيرة سوف تنفد.. هذا هو حال الأزهر، الذي لم يعد جامعًا ولا مؤسسةً ولا حتى جامعة.. الأزهر بات منهجا.

 

ولذلك فكل هذه المحاولات الصبيانية التي تحاول اختراق هذا المنهج، تلف حول نفسها ويتبين لها بعد حين أنه يترتب على ممارستها أخطار على الأمن الاجتماعي، وعلى الأمن الفكري، وعلى الفطرة الإنسانية، ولذلك فإنها تعود مرة أخرى إلى المنهج الأزهري.

 

مفتي الديار المصرية يرى أن المصريين ومنذ أكثر من ألف عام وقفوا لصد محاولات "التلاعب" بالمنهج الوسطي، عندما كان الفاطميون يكتبون: من لعن وسب فله دينار وإردب، يقصدون من لعن أبا بكر وعمر وسب الصحابة؛ فلم يسب المصريون ولم يلعنوا.

 

بين الماضي والحاضر.. كما وكيفا

 

اختار فضيلته أن يبدأ بأرقام رأى أنها تبرهن على التقدم وليس التراجع، قال المفتي "إذا قارنا الوضع مثلاً بين عامي 1950 و2010م، كنا 14 مليون مصري، والآن أصبحنا 75 أو 80 مليونا، يعني العدد مضروبا في خمسة. فالأشياء إذا صارت بطبيعتها ينبغي أن تكون باقي الأعداد الخاصة بالمدارس والمعاهد والجامعات مضروبة في خمسة أو ستة، وهذا ما حدث بالفعل مع الجامعات.

 

لكن في هذا الزمن كان هناك 10 معاهد أزهرية، لم تصبح 50 أو 60 معهدا، ولكنها أصبحت 8 آلاف معهد. ولم يكن الطلاب في هذه المعاهد الأزهرية يزيدون عن 6 آلاف أو 7 آلاف، ارتفعوا الآن إلى ما يقرب من مليون ونصف مليون طالب.

 

فقلنا يا فضيلة المفتي هذا عن الكم، فإلى أي مدى ترضون عن الكيف؟

 

رد قائلا: "أظن أننا نتكلم عن كم تجاوز التعليق، هذا الكم ليس مضروبا في 10، لكنه مضروب في 100، فالقضية لم تعد هنا كمًا وكيفًا، القضية أصبحت مؤسسة باقية في ظل ظروف غير مواتية إقليميًّا وعالميًّا في ظل تطور رهيب، وما زالت معطاءة.

 

والجامعة الأزهرية كانت عبارة عن 3 كليات فأصبحت 65 كلية.. إذا كنت تسألني عن الكيف، فيجب أن نضع معيار هذا الكيف، ثم نقارن بالتعليم في مصر، وفي العالمين العربي والإسلامي، ونقارن الأزهر بهم".

 

قلنا يا فضيلة المفتي في نهاية الأمر في ذلك الزمن كانت ثقة رجل الشارع البسيط في إمام مسجده من خريجي الأزهر كبيرة فيستفتيه ويخرج مطمئنا، لكنه الآن يذهب بفتواه إلى منابر أخرى مثل الفضائيات.

 

هيا بنا نبحث عن الخلل –يقول المفتي– "ففي عام 1950م كان لدينا في مصر كلها 10 آلاف مسجد كانت الوزارة تختص بـ 3 آلاف منها، والآن نحن عندنا 120 ألف مسجد.. والمسئولية باتت كبيرة".

 

العلمانية والسلفية المتشددة

 

ويضيف فضيلته "بعض الناس لا تريد أن تذهب للأزهر لهوى في نفسها، ولاتجاهات سلفية متشددة، ولمشارب أخرى لا علاقة لها بالأزهر وكينونته وكفاءته، فالناس أرادت أن تذهب إلى هذا الغير، فالذي حدث ليس في علم مشايخ الأزهر وفي قدرتهم، بل الذي حدث هو ما جرى في الثقافة العامة، والثقافة العامة تتعرض لهجمات علمانية، والسلفية المتشددة أقرب ما تكون إلى العلمانية منها إلى الإسلام".

 

سألناه كيف؟

 

رد د. علي جمعة بأن د. عبد الوهاب المسيري المفكر المصري الراحل هو أول من شرح هذا وهو يصف السلفية بأنها أقرب إلى العلمانية، وباختصار شديد يمكن القول إن العلمانية لا تنكر الدين، لكنها تنحي الدين عن سير الحياة، والسلفية المتشددة تريد أن تنعزل بالدين عن سير الحياة.

 

وأضاف موضحا "العلمانية تؤمن بالخصوصية، ولذلك تدعو إلى اختصاص كل قوم بلغتهم، بثقافتهم، بفلكلورهم، بتاريخهم، بمصالحهم، فهي تؤيد انفصال الأكراد والتركمان والعرب والشيعة من السنة والأقباط من المسلمين، العلمانية تريد هذا. ولذلك تريد خريطة أخرى للعالم. وبدلا من 200 دولة يصبح 400 دولة".

 

وتابع "والسلفي المتشدد يريد الخصوصية، يريد أن تتركه في حاله، يلبس كما يشاء ويصلي كما يشاء منعزلاً في مسجده. ولذلك تجد هذه السلفية التدميرية تبني برنامجًا كثير الجزئيات حتى يعيش فيه الإنسان بعيًدا عن ممارسة الحياة، إذن فالسلفية تقبلها العلمانية؛ ولذلك رأينا العلمانية وهي تبارك السلفية إلى أن لُدغت منها في المصالح، ولكن الفكر السلفي هو الوجه الآخر للفكر العلماني وهو لا يدري".

 

ويستطرد المفتي شارحا رؤيته "عندما يسمع السلفيون هذا الكلام يغضبون، يقولون لا.. نحن مؤمنون والعلمانية كفر. أبدًا، العلمانية أصلا لم ينكروا الدين، هم يريدون أن يخصصوا الدين أو يعزلوا الدين، وأنتم تريدون أن تنعزلوا بالدين، وهذه هي المشابهة".

 

وتابع "كان بعض دعاة السلفية يقول: إن هؤلاء الناس يدعون إلى الإسلام المتميع، لكننا ندعو لإسلام غير متميع، هو يراه على هذا النحو لأن به جزئيات كثيرة، يقول للفرد افعل، افعل، افعل، ولا تفعل، لا تفعل، لا تفعل. وهذه الجزئيات كلها مختصة بالخصوصية وبالهوية، ومختصة بالاعتزال لا بالتفاعل، ومن هنا كانت هناك مشابهة، مشابهة أستطيع أن أقول إنها مؤلمة لكنها حقيقية".

 

ورأى الشيخ علي جمعة أن انتشار السلفية جاء كردة فعل على موجات العلمانية التي تكتسح المجتمعات الإسلامية، وقال "عندما تريد هذه المجتمعات أن تتمسك بهويتها، فلا يكون عندها قدرة على التفكر والوسطية والاعتدال والانفتاح والترقب، فتُلقي نفسها في أحضان السلفية؛ لأن السلفية حينئذ ستمثل لها هُوية محددة".

 

تركنا بعض المثقفين وليس الناس

 

قلنا لفضيلته إن السؤال لم يزل قائما "لماذا أقبل البسطاء على الفضائيات ذات التوجهات السلفية وتركوا إمام المسجد"؟

رد الشيخ علي جمعة "هيا بنا إلى الإحصاء حتى نعرف هل ترك الناس الأزهر. الإمام محمد عبده، جلس في الإفتاء 6 سنوات من 1899م إلى 1905م، أجاب في هذا الوقت على ما كان يرد إلى الدار من أسئلة فكانت 944 سؤالا فقط في السنوات الست، أما اليوم فدار الإفتاء المصرية تُجيب عن 3500 سؤال يوميًّا؛ ما يعني أننا نفتي يوميا ما كان يعادل 24 سنة منذ قرن مضى؛ وعليه فالناس لم تتركنا".

 

ثم يشير إلى أنه تبين لهم في دار الإفتاء بعد دراسة بسيطة في هذا الشأن، أن كثيرا من الأسئلة التي ترد إليها تأتي بسبب بلبلة تصيب الناس بسبب ما يسمعونه في بعض الفضائيات، فيتوجهون إلى الدار ليسألون هل هذا صحيح أم لا.

 

ويقول "يمكن القول إن الذي تركنا هم بعض المثقفين.. الناس تثق في الأزهر، وتريد العودة إليه؛ لكن البعض يكلفه بما لا يطيق، وكأن الأزهر مسئول عن فساد العالم وصلاحه، وكأن على الأزهر أن يوفر لكل مواطن شيخا".

 

الصوفية.. حلا!

 

الحوار الذي أجري بعد أيام من مشاركة د. علي جمعة في وضع حجر الأساس لمبنى مشيخة الطرق الصوفية الجديد، والذي أعلن المفتي خلاله تبرعه له بمبلغ 100 ألف جنيه مصري (18 ألف دولار تقريبا) من ماله الخاص، دفعنا لسؤال المفتي عن قوة الدفع الكبيرة التي يتمتع بها التيار الصوفي في مصر، وإذا ما كان هذا يروج -بطريقة أو بأخرى- لـ "دين منزوع الاهتمام بالمجال العام، وبحياة الناس وبمشاكلهم".

 

في رده دعا المفتي، وهو ينتمي للطريقة الجعفرية، إلى التفريق بين الصوفية والمتصوفة وأدعياء الصوفية؛ "لأن التصوف يقع حاليا ضحية ما بين الأعداء والأدعياء، وكل منهما يضر بمفهوم التصوف الصحيح.. التصوف علم، له أركانه، له أدلته، له ممارسته العملية عبر القرون، مشيد بالكتاب والسنة كما قال أبو التصوف الإمام الجنيد".

 

وضرب المفتي مثلا بتجربة "الطريقة الأخية" التي نشأت في تركيا قبل ثمانية قرون والتي عنيت كثيرا بالمهن المختلفة كصناعة الزجاج والخزف والنجارة، فكتبت دساتيرها وأسانيدها، ودربت الأتباع على فنونها وأخلاقياتها، ونصت تلك الدساتير على العقوبات التي يتعرض لها المتعلم في حال تقصيره في أدائها.

 

ومضى د. علي جمعة يقول "المتصوفة.. هم الذين نشروا الدعوة في إفريقيا، وصدوا عدوان المغول.. ولهم تاريخ طويل في هذا".

 

الحوار مع الأنا والآخر

 

"نحن لسنا بين ثنائية حتى نختار، بل يجب أن نفعل هذا وهذا"، هكذا رد فضيلة المفتي على سؤالنا حول مساهماته المتزايدة في حوارات دولية الطابع بشأن مسائل تتعلق بحضور بالأديان في قضايا مختلفة، في وقت يرى البعض أن الأولوية يجب أن تكون للحوار الداخلي وللحوار الإسلامي- الإسلامي.

 

ويقول "يجب أن نمارس الحوار الإسلامي- الإسلامي، وحوار الثقافات والحضارات، ونمارس محاولة للتعايش مع سائر الأديان.. يجب أن نفعل كل هذا فكل له فوائد".

 

وهو يرى أن هذه الحوارات -التي قال إنه منشغل بها منذ أكثر من 20 سنة- كانت لها فوائد جمة، وساهمت في تصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة عن الإسلام في الغرب، وفي تحسين صورة الإسلام والمسلمين.

 

وشرح أنه ينخرط فيها إيمانا منه بأن "علينا نحن المسلمين أن نتعاون كبشر في عمارة الدنيا. فقد تعاونَّا في مجال البيئة مع جهات كثيرة ومن ضمنها الأمم المتحدة. وأنجزنا الكثير حتى صياغة الخطة السبعية التي أقرتها الأمم المتحدة في لندن سنة 2009م، والتي خرجت بمبادئ تتواءم مع الأديان كلها. وحينها قيل إن المسلمين ساهموا مساهمة فعالة في قضية البيئة".

 

ويشارك المفتي في عدة مبادرات للحوار أبرزها مبادرة "كلمة سواء" التي أطلقت قبل 3 سنوات، بمشاركة الفاتيكان والإنجليكان، ومنظمات وجامعات غربية وأمريكية.

 

ومضى يقول انه في ظل عالم يموج بظاهرة الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) ويموج بكراهية المسلمين "لا يمكن التراجع عن مثل هذه الحوارات.. كيف يأتي أحد الأشخاص ويقول اترك كل هذا لأن الحوار الإسلامي الإسلامي أولى.. نحن لسنا بين ثنائية، والاثنان على نفس الدرجة من الأهمية".

 

في التوتر الطائفي.. نرفض الظلم والاستعلاء

 

كان واضحا منذ بداية الحوار أن مفتي الديار المصرية لا يود أن يخوض كثيرا في قضية التوتر بين الطرفين الإسلامي والمسيحي، والتي تصاعدت إعلاميا في مصر بعد تصريحات الأنبا بيشوي -الرجل الثاني في الكنيسة القبطية في سبتمبر الماضي- التي اعتبر فيها أن المسلمين ضيوف على المسيحيين في مصر، ثم أعقبها بكلمة أمام مؤتمر قال فيها إن بعض آيات القرآن تعرضت لتحريف، داعيا إلى مراجعة آيات تنفي صلب المسيح عليه السلام.

 

لكن عندما سألناه عن رأيه فيما جرى، وإذا ما كان يعتقد أن كل طرف قام بواجبه، قال جمعة "نحن في مصر شعب واحد، وكل هذه الفُقاعات التي تظهر على السطح ستؤول في النهاية إلى الفشل، وكما يقول الدكتور أحمد كمال أبو المجد (المفكر الإسلامي)، نحن لا نرضى الظلم لأحد، ولكن أيضًا لا نرضى تجاوز الخطوط الحمراء، والاستعلاء، ولذلك فنحن نتعامل بموجب الدستور الذي هو العقد الاجتماعي لهذا البلد على أننا شعب واحد، هذا هو المدخل الصحيح الذي سندوم عليه دائمًا في معالجة أي مشكلات".

 

"أنا أرى أن المجتمع المصري نموذج فريد، وقد شرحناه للأيرلنديين عندما سألونا كيف تعيشون سويًّا؟ كيف يسير الإنسان في المجتمع المصري فلا يرى فرقًا بين مسلم ويهودي ومسيحي، وإن كان اليهود لا يتعدون 70 شخصا.. ولا يعرف أبدًا أحد كينونة من أمامه. نحن وصلنا إلى هذا النموذج الذي نسميه التجربة المصرية باقتدار".

 

سألناه عن كيفية استرداد هذه التجربة المصرية. فقال كما أشرت أن نتعامل بعقد اجتماعي ودستور، كشعب واحد، ليس هناك تمييز، وأن نؤمن بالتعايش والحوار الذي ينزل لواقع الناس بالمشاركة والمعايشة، ولا يقتصر على النخبة، ولا على الأنا والآخر، وأن نؤمن بفعل الخير وآثاره التنموية، وبالعلم وأدواته.

 

العمل المؤسسي في الإفتاء

 

ولم يكن ممكنا أن نختم حوارنا مع فضيلة المفتي، دون أن نعرج –سريعا لضيق وقته- على تجربته في الإفتاء منذ أن تولى منصبه في عام 2003، ونسأله عن إذا ما كان يود الآن أن يراجع أيا من الفتاوى التي أصدرها.

 

صمت د. علي جمعة برهة قبل أن يجيب: "لا".

 

وقد أرجع ذلك لسببين أولهما: إنه حرص منذ بداية توليه منصبه، كما يقول، أن يكون العمل في الدار بطريقة مؤسسية وليس شخصية، وأن تعود الدار للخبراء في المجالات المعنية قبل إصدار الفتوى، وأشار في هذا الإطار إلى أن دار الإفتاء أبرمت اتفاقات مع جامعات، ومراكز بحثية، ومع البنك المركزي وغيرها من المؤسسات، من أجل مساعدتها على فهم الواقع جيدا ومعرفة المصالح والمقاصد والمآلات قبل أن تصدر الفتوى.

 

وأضاف "هذا كله مكننا من أن نتجنب التردد أو أن نقول شيئا ثم نعود عنه.. لأن الرأي الذي نقدمه يكون نتاجا لمجموعة من العقول، وبعد عملية نظر وتأن".

 

أما السبب الثاني: فهو أنه كان حريصا أن يكتب هذا المنهج، كي يبين "صناعةً الفتوى" التي شدد على أن من يرغب في ممارستها فعليه أن يتعلمها ويتدرب عليها، وأن يعرف أخلاقياتها، مضيفا "كتبت هذا والحمد لله واختصرته في كتاب اسمه (صناعة الإفتاء) على أمل أن يستفيد منه من يريد الاستفادة ممن بعدنا، وهذا أول صفات المؤسسية أن تتجاوز الزمان".