خبر الفرق بين «وطن قومي» و«دولة يهودية»؟ ..عاطف الغمري

الساعة 08:36 ص|19 أكتوبر 2010

الفرق بين «وطن قومي» و«دولة يهودية»؟ ..عاطف الغمري

قليلة هي الوثائق عن تاريخ الشرق الأوسط، التي كانت لها نتائج وانعكاسات ممتدة زمناً طويلاً، مثلما هو الحال بالنسبة لوعد بلفور الذي كان الأساس لقيام دولة "إسرائيل"، وهو الوعد الذي لا يزال وسيبقى عنصراً حاكما للنزاع العربي - الإسرائيلي.

 

وهذا الوعد كان صريحاً في نصه، وفي مضمون المفاوضات التي دارت من أجله بين بريطانيا وممثلي اليهود، في أنه لا يمنح "إسرائيل" حين تقوم حقاً في دولة يهودية الهوية.

 

والوعد كان عبارة عن تصريح موجه من لورد أرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا في حكومة ديفيد لويد جورج، مكتوباً في بيان من 67 كلمة، إلى حاييم وايزمان ممثل الجانب اليهودي في المفاوضات، في 2 نوفمبر 1917 تعلن فيه بريطانيا تأييدها لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.

 

وينص الجزء الثاني من التصريح على أنه لا يتم عمل شيء يجور على الحقوق المدنية والدينية، للمجتمعات غير اليهودية الموجودة هناك.

 

وشرح بلفور ولويد جورج فيما بعد أي في عام 1921 لوايزمان، أن التصريح كان يعني، دولة ل"إسرائيل" في النهاية.

 

ولم تكن هناك نية لقيام دولة يهودية وحيدة في فلسطين، بل أن يقيم اليهود وطناً قومياً إلى جانب الفلسطينيين وغيرهم من دول مجاورة.

 

وجاء إعلان بلفور، وعداً بوطن قومي وليس بدولة يهودية. بينما لا تزال "إسرائيل" حتى اليوم تنسب إلى وعد بلفور عام 17 وإلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 47 نطقاً لم يصدر عن أي منهما.

 

وحيث خلا قرار الأمم المتحدة، من أي شيء ينطق بصفة يهودية الدولة.

 

ولم تكن الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد بنت قرارها على اعتراف دولي بأي حق تاريخي لليهود في فلسطين، وهي الوثيقة الدولية التي تمنح "إسرائيل" صفة الدولة.

 

لقد باءت بالفشل كل محاولات الحركة الصهيونية، للحصول على مثل هذا الاعتراف من أي منظمة تمثل المجتمع الدولي أو من أي دولة.

 

ويوم أن استقرت الحكومة البريطانية على النص الأخير لوعد بلفور في 2 نوفمبر عام 1917 والذي تعلن فيه تأييد بريطانيا لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين فقد سارع في الحال حاييم وايزمان المفاوض الصهيوني مع الحكومة البريطانية، إلى إعلان أسفه لخلو وعد بلفور من أي إشارة، للحق اليهودي بفلسطين الذي طالبوا به، أو أي إشارة للصلة التاريخية لهم بأرض فلسطين، والتي اقترحوا لها عبارة إعادة تأسيس الوطن في فلسطين.

 

إن المفاوضات التي سبقت إعلان وعد بلفور تحمل الكثير من التفاصيل التي تؤكد هذه النتيجة. فمنذ بدأت المفاوضات للحصول على تأييد بريطانيا لإقامة اليهود بفلسطين، كان وايزمان يدرك صعوبة موافقة البريطانيين وقتئذ على إقامة دولة يهودية، فلجأ إلى الاكتفاء بالحصول على وعد بمساعدة الحركة الصهيونية لإنشاء وطن قومي. وفي بداية عام 1917 بدأت الجولة الرسمية الأولى التي مثل فيها بريطانيا وزير الخارجية مارك سايكس، بينما مثل الصهيونية عدد من قادتها، على رأسهم وايزمان - الذي أصبح أول رئيس لدولة "إسرائيل" عام 1948 - وكان مطلبهم، الحصول على اعتراف دولي بما أسموه حق الشعب اليهودي في فلسطين. وطلب الجانب البريطاني منهم كتابة مسودة الوعد البريطاني الذي يطلبون به، وفي 18 يوليو 1917 قدموا اقتراحاً ينص على أن حكومة بريطانيا تقر مبدأ الاعتراف بفلسطين على أنها الوطن القومي للشعب اليهودي، وبحق الشعب اليهودي في بناء حياته القومية في فلسطين. وطلب الجانب البريطاني إدخال تعديل على المسودة، فجاء التعديل في 4 أكتوبر 1917 يقول: تتعهد بريطانيا بإعلان تأييدها لتأسيس وطن قومي للعنصر اليهودي في فلسطين. وحذف الإشارة إلى فكرة حق اليهود بفلسطين، وكذلك الإشارة إلى إعادة تأسيس الدولة، وهو ما دفع وايزمان إلى الإعلان بأن هذا التعديل يعد تراجعاً مؤلماً. وتحت ضغوط ومناورات الجانب اليهودي، صدر الوعد في صيغته النهائية في 2 نوفمبر 1917 معلناً تأييد بريطانيا لتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وحسب تعبير وايزمان نفسه فانه قال : إنه يأسف لخلو وعد بلفور من أي إشارة للحق اليهودي، أو للصلة التاريخية، والتي عبروا عنها بكلمة إعادة تأسيس الوطن. وجدير بالذكر أن بريطانيا كانت قد رفضت محاولاتهم عندما صدرت وثيقة انتداب عصبة الأمم لبريطانيا على فلسطين عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1919 بأن تتضمن الوثيقة اعترافا بالحق التاريخي لليهود في فلسطين، وإعادة قيام الوطن، واكتفت بعبارة الصلة التاريخية وليس الحق التاريخي. يومها قال كيرزون وزير الخارجية البريطاني الجديد، لو أنكم وضعتم عبارة كهذه في الوثيقة، فإنني أتوقع من الآن أن يأتيني وايزمان كل يوم، ويقول لي إن له حقاً في أن يفعل كذا وكذا في فلسطين. وأنني لن أوافق أبداً على ما يطلبه وايزمان.

 

إن الوثائق التاريخية التي أسست عليها "إسرائيل" شرعية وجودها، والتي كانت بداياتها وعد بلفور قد خلت من أي إشارة تعطيها حقاً تاريخياً في فلسطين، وأنكرت عليها أي حق في إضفاء الهوية اليهودية على الدولة. ولكنها عودة من نتانياهو للتلاعب بمضامين الوثائق التاريخية الثابتة، مثلما هي عادة "إسرائيل" في أي جدل أو مفاوضات من أجل السلام. 

 

صحيفة الوطن القطرية