خبر عملية أمنية مشتركة.. كل 3 ساعات .. عريب الرنتاوي

الساعة 08:35 ص|19 أكتوبر 2010

عملية أمنية مشتركة.. كل 3 ساعات .. عريب الرنتاوي

جاء في "الدستور" أمس، نقلاً عن مكتب منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية: الإدارة المدنية، أن أجهزة الاحتلال الأمنية والعسكرية نفّذت (1424) عملية مشتركة مع قوات الأمن الفلسطينية في الضفة المحتلة خلال النصف الأول من العام الحالي، أي بمعدل ثماني عمليات يومياً، أو عملية واحدة كل ثلاث ساعات، وهذا الرقم يزيد عن ضعف إجمالي العمليات المشتركة التي نفّذها الجانبان على امتداد العام الماضي (2009) بطوله، والتي بلغت 1297 عملية، وبواقع أربع عمليات يومياً تقريباً.

 

ومن أجل إنجاز هذه المهام الجسام، كان كبار ضباط الأمن والجيش الإسرائيليين بحاجة لتكثيف اللقاءات والاجتماعات الزيارات الميدانية مع نظرائهم أو بالأحرى "أتباعهم" من الفلسطينيين، حيث تقول المصادر ذاتها إن إجمالي عدد هذه الاجتماعات بلغ 303 اجتماعات خلال الفترة ذاتها، أي بمعدل اجتماعين تقريباً في اليوم الواحد.

 

لم تكن تصفية خلايا حماس ومؤسساتها وبناها التحتية هي الثمرة الوحيدة لهذا التنسيق الأمني الذي لا مثيل له حتى بين قوات "الناتو" متعددة الجنسيات في أفغانستان، فثمار التنسيق الأمني المرة طالت مختلف فصائل العمل الوطني الفلسطيني غير المنضوية تحت جناح "المفاوضات المباشرة" و"تصريف الأعمال" و"المفاوضات حياة"، وقد أمكن بنتيجتها ضمان حياة 343 إسرائيلياً دخلوا عن طريق الخطأ مناطق تابعة للسلطة.

 

وأظهر التقرير الأمريكي الذي نشرت "الدستور" أمس مقتطفات منه، كيف تحول التنسيق الأمني بين "إسرائيل" والسلطة، إلى مركب أساسي في العقيدة الأمنية للأجهزة الفلسطينية من جهة، كما أظهر من جهة أخرى حجم التدخل الإسرائيلي في الأوضاع الفلسطينية في الضفة الغربية من خلال السلطة وعبر بوابة التنسيق الأمني.

 

أرقام مذهلة بلا شك، تعكس فداحة الوضع الذي آلت إليه السلطة، والمستوى الذي بلغه اندماجها بمندرجات نظرية الأمن الإسرائيلية، وفي ظني أن وضعاً كهذا، لم يكن قائماً يوماً في أي من الدول والمجتمعات التي خضعت للاحتلال الأجنبي، فهذا المستوى من التنسيق الأمني والعمليات المشتركة، لا تجده إلا في واحدة من حالتين، هما: دولتان صديقتان بينهما حلف أو شراكة استراتيجية، أو دولة مهيمنة وجهة تابعة وعميلة (منظمة كانت أم دولة)، وأترك للقارئ مهمة توصيف الحالة القائمة بين "إسرائيل" والسلطة.

 

قبل أيام، صدرت إحدى كبريات الصحف الغربية بغلاف يتساءل عن سبب عدم اكتراث بالسلام مع الفلسطينيين، وقد جاء جواب الصحيفة، أن الفلسطينيين أصبحوا في السنوات الأخيرة، مصدر إزعاج للإسرائيليين، بعد أن كانوا مصدر تهديد لأمنهم الوطني. نضيف إلى ما أوردته الصحيفة، أن السلطة باتت ذخراً للأمن الإسرائيلي، بعد أن كانت عبئاً عليه، بدلالة الأرقام والمعطيات التي أوردتها وفقاً التقارير السابقة.

 

أمس، أيضاً، أوردت صحيفة "الحياة" اللندنية حديثاً مطولاً للنائب العربي في الكنيست الإسرائيلية حنين زعبي، قالت فيه إن حرب "إسرائيل" على عرب 48 تصاعدت بفعل اطمئنان "إسرائيل" لأمنها وأمن الاحتلالها، موضحة أن "إسرائيل" نجحت في معالجة هاجسها الأمني بفعل المفاوضات المباشرة وجدار الفصل وحصار غزة والتنسيق الأمني في الضفة.

 

لو قيل هذا الكلام، قبل أن نتعرف على الإحصاءات الخاصة بحصاد هذا التنسيق، لقلنا إن النائب حنين تصدر عن موقف "حزبي، إيديولوجي" مناهض لمسار أوسلو ومنتقد للسلطة الفلسطينية، لكن حين يعرف المراقب والمواطن على حد سواء، أن هناك عملية أمنية مشتركة، فلسطينية - إسرائيلية تنفذ ضد أهداف فلسطينية كل ثلاث ساعات، فإن تصريحات الزعبي تصبح مفهومة، بل ومفهومة تماماً.

 

والغريب في الأمر، أن التنسيق الأمني يتواصل بين الجانبين، برغم بلوغ المفاوضات المباشرة طريقاً مسدوداً، واتجاه السلطة للبحث عن خيارات وبدائل أخرى، لكننا مما نعرف، فإن وقف التنسيق الأمني لم يكن من بين هذه الخيارات على الإطلاق، فالسلطة ماضية في مشروع التنسيق وبناء مؤسساته و"تنظيف" الضفة الغربية من حماس والمقاومة، وقطع الطريق على أية فرصة لاندلاع انتفاضة ثالثة، وكأن شيئاً لم يحدث على الإطلاق... هذا ما أكدته حكومة تصريف الأعمال المولجة بهذا الملف، وهذا ما أكده الرئيس شخصياً للتلفزيون الإسرائيلي أمس الأول، عندما أجاب بصورة عفوية وتلقائية على سؤال عن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة بقول: "إن شاء الله لا".

 

والأغرب من كل هذا وذاك، أن "إسرائيل" هي من أخذ يلوّح بورقة وقف التنسيق الأمني مع السلطة، فقد نقلت مصادر استخبارية إسرائيلية عن حكومة نتنياهو أنها أبلغت الجانب الفلسطيني نيتها إعادة احتلال المناطق التي أخلتها من الضفة الغربية (لم تخل منطقة واحدة نهائياً على أية حال)، وستوقف التنسيق الأمني مع السلطة، إن توصلت فتح وحماس لاتفاق حول المصالحة، وشرعت الحركتان في تنفيذه، لكأن التنسيق الأمني الذي بدأ وتطور كحاجة إسرائيلية، وتلبية لشرط إسرائيلي مسبق، انتهى ليصبح حاجة للسلطة وشرطاً لبقائها، تستخدمه "إسرائيل" ورقة تفاوضية في يدها؟.

 

صحيفة الدستور الأردنية