خبر تبادل الأراضي يمهد لتصفية القضية ..فهمي هويدي

الساعة 08:34 ص|19 أكتوبر 2010

تبادل الأراضي يمهد لتصفية القضية ..فهمي هويدي

 

لأن الأصل في السياسة عدم البراءة، فينبغي أن نتعامل بقدر من الحذر مع زيارة وفد «الحكماء» لغزة هذا الأسبوع، وجولتهم المفترضة في بعض العواصم المعنية بالموضوع الفلسطيني.

 

(1)

 

هؤلاء الحكماء يعدون من الشخصيات المحترمة، ذات السمعة المقدرة عالمياً. وكان الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا قد جمعهم في عام 2007، لكي يشكلوا عقلاً منيراً يتعامل مع المشكلات الدولية. وإلى جانب مانديلا ضم فريق الحكماء الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والسيدة ماري روبنسون رئيسة جمهورية أيرلندا السابقة والمفوض العام السابق لوكالة غوث للاجئين والأخضر الإبراهيمي وزير خارجية الجزائر السابق والمناضلة الهندية إيلا بلات. وكوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة وديزمونه توتو رئيس أساقفة جنوب إفريقيا وآخرين.

 

أثار انتباهي في تحرك هذه المجموعة المحترمة أنهم قدموا إلى المنطقة في توقيت خيم فيه الإحباط على الجميع، وبدا واضحاً أن المفاوضات المباشرة لم تحقق شيئاً للذين علقوا عليها شيئاً من آمالهم، في حين أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في مخططاتها الاستيطانية، غير عابئة بكل المطالبات التي دعتها إلى الإيقاف - ولو المؤقت - تلك المخططات لتهيئة الجو المناسب لمواصلة التفاوض مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. الذي يقف الآن عاجزاً عن التقدم وعاجزاً عن التراجع، وعاجزاً عن القبول بالشروط الإسرائيلية التي أمعنت في فضحه وإذلاله. حتى أصبحت تطالبه الآن بالاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، بما يؤدي إلى طرد فلسطينيي 48، الذين لا يزالون يعيشون داخل "إسرائيل" مقابل التجميد المؤقت للاستيطان.

 

وسط هذا الجمود المقترن بالإحباط وخيبة الأمل، حلق فريق الحكماء في أجواء المنطقة، وبدا وصولهم وكأنه طوق إنقاذ ألقي في مياهها الراكدة، لكي يحرك الجمود ويوهم بأنه لا يزال هناك أمل في استمرار مسيرة «السلام». لا أريد أن أقطع بذلك، ولا أريد أن أسيء الظن بالفريق القادم، لكنني أزعم أن توقيت وصول أعضائه يحرك الشكوك، التي لا تلغي المصادفة أو تنفيها.

 

إلى جانب توقيت الزيارة، أثار انتباهي واستوقفني حوار أجرته جريدة «الحياة» اللندنية (في 15/10) مع السيد الأخضر الإبراهيمي، العضو العربي الوحيد في المجموعة. ومما قاله إن مجموعة الحكماء ستزور غزة والأردن ومصر وسوريا و"إسرائيل"، وهناك مسعى لترتيب زيارة لهم للقاء المسؤولين في السعودية. الأهم من ذلك قوله إن أعضاء الوفد يسعون إلى رفع الحصار عن غزة، ويؤيدون فكرة إقامة الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، على أن تكون القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، التي تقام على حدود عام 67، مع تبادل الأراضي بالتساوي.

 

(2)

 

وخزتني الكلمات الثلاث الأخيرة، التي رددت فكرة تسربت في ثنايا أحاديث بعض المسؤولين الفلسطينيين أولاً والعرب ثانياً، حتى كادت تصبح أحد معالم الحل المقترح. وبعد تسريبها بدأ الإسرائيليون يروجون أيضاً لفكرة تبادل السكان. ذلك أن الذي يوافق على تبادل الأراضي، التي هي الموضوع الحقيقي للصراع، يسهل عليه تبادل السكان بعد ذلك. ورغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يتحدث صراحة عن تبادل السكان، فإن دعوته إلى الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية تفتح الباب على مصراعيه لترحيل 1.3 مليون فلسطيني في داخل "إسرائيل" إلى ما وراء حدود الدولة الفلسطينية المقترحة. وقد تكفل السيد ليبرمان وزير خارجية "إسرائيل" بإسقاط القناع والتصريح علناً بأن بلاده، وهي تدعو إلى يهودية الدولة فإنها تتطلع إلى نقل ذلك العدد من الفلسطينيين إلى الدولة الفلسطينية، مقابل احتفاظ الدولة العبرية بمستوطنات الضفة الغربية، بدلاً من السعي لحل يقوم على أساس الأرض مقابل السلام.

 

حتى الآن فإن السيد أبومازن يعارض فكرتي يهودية الدولة وتبادل السكان، لكنه يسكت على فكرة تبادل الأراضي، التي صرح أكثر من مرة بأنه لا يعترض عليها، محتجاً بأن الفلسطينيين سيقيمون دولتهم على مساحة تعادل بالضبط تلك التي تم احتلالها في عام 1967.

 

إذا كان رئيس السلطة الفلسطينية قد وافق على تبادل الأراضي، فليس مستغرباً أن يجيء أولئك الحكماء، وقد تبنوا نفس الفكرة، معتبرين أنها إحدى ركائز الحل المقبول فلسطينياً وعربياً لتحقيق السلام في المنطقة. وتلك خطوة خطرة إلى الوراء تمثل تفريطاً في الثوابت الفلسطينية يضاف إلى التراجع الذي عبرت عنه قيادة السلطة - وتبعتها بعض الدول العربية - فيما خص التنازل حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي طردوا منها.

 

(3)

 

تبادل الأراضي الذي يمهد عملياً لتبادل السكان ليس طلباً تفاوضياً بريئاً، كما تبدو صيغته المعلنة، ذلك أن "إسرائيل" تريد أساساً نقض القانون الدولي، الذي يعتبر الضفة وغزة أرضاً فلسطينية محتلة. كما تريد أن تنقض القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية القاضي بأن تلك الأراضي الفلسطينية محتلة يقيناً ويجب الانسحاب منها، كما أن جدار الفصل العنصري مخالف للقانون ويجب إزالته وتعويض الأضرار عنه.

 

هكذا، بضربة واحدة تريد "إسرائيل" نسف تلك القواعد القانونية الثابتة، وتحويل الجدار إلى حد أقصى لدولة فلسطينية ناقصة السيادة، وهو الأمر الذي نجحت فيه جزئياً مع مصر في معاهدة السلام عام 1979، حيث قبلت بالانسحاب عسكرياً بالكامل من سيناء، ولكنها أبقت السيادة عليها منقوصة بدرجات متفاوتة في 3 قطاعات، حسب قربها من الحدود الإسرائيلية، وإذا ما استقر الأمر ل"إسرائيل" على هذا الأساس، وقبل به الجانب الفلسطيني، فإن الخطوة التالية مباشرة والحاصلة الآن هي تفتيت قضية فلسطين إلى عناوين منفصلة مثل الحدود والمياه والاستيطان واللاجئين وغيرها اعتماداً على مبدأ تساوي حقوق فلسطين و"إسرائيل" في الضفة. بحيث لا يبقى غير المساومة على توزيع تلك الحقوق حسب ميزان القوى لكل منها. وهو ما يفسر الضجة، التي أثارها موضوع تبادل الأراضي حين نشرت صحيفة هاآرتس (في 17/12/2009) خريطة التبادل، التي عرضت على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسمح له برؤيتها، وإن حرم من الحصول على نسخة منها ما لم يوقع عليها بالموافقة.

 

إن "إسرائيل" تريد تبادل أراضٍ احتلتها في عام 1948 بأراضٍ أخرى احتلتها في عام 1967، وهي لا تملك لا هذه ولا تلك، وهي تعتقد أنها بهذا الأسلوب تعطي الشرعية لضم الأراضي التي احتلتها إذا ما أسقط مالك الأرض حقه فيها وأهداها إليها، وذلك غير صحيح لأن الحيازة أو السيادة على الأرض لا تعني ملكيتها، حيث تبقى الملكية حقاً لصاحبها مهما طال الزمن أو تغيرت السيادة. لذلك فإن "إسرائيل" لا تملك الحق القانوني في عملية تبادل الأراضي، إلا إذا اعترف صاحب الأرض بأنه حول ملكيتها ل"إسرائيل"، وهذا ما لا يجرؤ عليه أي فلسطيني مهما كانت درجة خضوعه أو استسلامه أو حتى تآمره.

 

إن خطة التبادل تصادر الأملاك الفلسطينية المحصورة بين جدار الفصل العنصري وخط الهدنة لعام 1949 بما فيها القدس الشرقية. أي أنه يعتبر حدود "إسرائيل" الجديدة هي مسار جدار الفصل العنصري، وهذا يعني ضم 319.830 دونم من الضفة إلى "إسرائيل" (الدونم ألف متر مربع)، إلى جانب ضم 68.720 دونم إلى القدس العربية كان قد صدر به قانون إسرائيلي في عام 1967، بما مجموعه 438.550 دونم.

 

"إسرائيل" لها سوابق في ممارسة الخداع من خلال تبادل الأراضي. ذلك أن اتفاقية الهدنة مع الأردن وقعت في عام 1949، نصت على حق الأردن في استبدال الأراضي المتنازل عنها ل"إسرائيل" بأراضٍ أخرى في الفاطور (قضاء بيسان) وفي قضاء الخليل.. مع تكفل "إسرائيل" بدفع تكاليف طريق جديدة بين قلقيلية وطولكرم، لكي تعيد الاتصال بينها. ولم يحدث شيء من ذلك بطبيعة الحال، فلم تدفع تكاليف الطريق ولا استبعدت أراضي الفاطور، ولا اكتسبت أراضي في قضاء الخليل، وكانت المسألة كلها مسرحية وهمية انتهت بضم "إسرائيل" لأراضي الفاطور، التي كانت عربية عام 1949، وأصبحت جزءاً من "إسرائيل".

 

(4)

 

ماذا تقدم "إسرائيل" في خدعة تبادل الأراضي؟

 

للدكتور سلمان أبوستة منسق مؤتمر حق العودة ورئيس هيئة أراضي فلسطين دراسة حول الموضوع ذكر فيها أن "إسرائيل" تعرض توسيعاً لمساحة الضفة في قضاء الخليل بمساحة 190 ألف دونم، في أراضٍ كانت ولا تزال وستبقى جرداء، ولا توجد فيها سوى قرية عربية غير معترف بها إسرائيلياً (أم الحيران). وليس فيها ماء كشاطئ البحر الميت. وهو ما يعني عملياً أن "إسرائيل" لم تخسر شيئاً، وكسبت التخلص من قرية عربية. أما في الجهة الغربية من قضاء الخليل فتعرض "إسرائيل" توسعاً في القضاء بمساحة 13 ألف دونم في أرض جرداء أيضاً، بحيث لا تتأثر أي من المستعمرات اليهودية في المنطقة هناك.

 

أما غزة فلها قصة لا تقل عن نكبة الضفة الغربية ذلك أن خط الهدنة الحقيقي، الذي وقعت عليه مصر في عام 1949 يعطي قطاع غزة مساحة 555 كيلومتراً مربعاً، بزيادة 200 كم، عن المساحة الحالية، ولكن اتفاقاً سرياً وقع مع الحكومة المصرية في عام 1950 تم بموجبه زحزحة خط الهدنة إلى الداخل في مكانه الحالي بدعوى الحفاظ على الأمن ومنع المتسللين، وكان المقصود به منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، والآن يأتي مشروع التبادل ليقضي بتوسيع قطاع غزة بمقدار 64.5 كم3 من أصل 200 كيلومتر سبق الاستيلاء عليها بالخداع والمفاوضات السرية التي لم يعلم بها الشعب الفلسطيني. وكما حدث في قضاء الخليل، فإن توسيع قطاع غزة لا يعني إزالة أي مستعمرة، وإنما يبقي كل المستعمرات التي بنيت على الأرض المسروقة في عام 1950 في مكانها. وهذا هو أسلوب "إسرائيل" التقليدي، الذي بمقتضاه تستولي بالقوة أو بالابتزاز على الأراضي، ثم تعرض على صاحبها إعادة جزء صغير منها مقابل إسقاط حقه الكامل فيها.

 

(5)

 

خطة تبادل الأراضي لم تعد سراً. فقد بات معلوماً أنها وضعت في سنة 2008، نشرتها الرسالة الدورية لمؤسسة الشرق للسلام ( FMEP ). وكانت جزءاً من مبادرة يوسي بيلين وياسر عبدربه التي تمت في جنيف. وتبناها بعد ذلك الجنرال جيورا أيلاند في معهد واشنطن، وهو الذي كان رئيساً لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي في الفترة بين عامي 2004 و2006، وقد اعتبرت حجر الأساس في مشروع متكامل للسلام يقوم على تحديد الحدود على أساس التوسع الإسرائيلي في الضفة الغربية، مقابل تراجع رمزي في الخليل وقطاع غزة. كما يقضي بعودة رمزية للاجئين مع توطين الآخرين في البلاد العربية. أما القدس فتتوزع حسب الأحياء ولكن السيادة تبقى ل"إسرائيل". وفيما يخص دولة فلسطين، فلا هي دولة ولا هي فلسطين. فهي منزوعة السلاح ومنقوصة السيادة، ولا سيطرة لها على الحدود وغور الأردن، ولا على القضاء فوق الأرض أو تحتها. ول"إسرائيل" الحق في إنشاء وإدارة محطات للإنذار فوق أراضيها.

 

باختصار فإن فكرة تبادل الأراضي تعد خطوة على طريق تصفية القضية وإغلاق ملفها. ولا أعرف بأي منطق قبل بها «الحكماء» وتبنوها. لذلك فينبغي أن نعذر إذا شككنا في توقيت تسويق الفكرة في ظروف الإحباط الراهنة.

 

صحيفة الشرق القطرية