خبر لم يعد هدوء في « سلوان »- إسرائيل اليوم

الساعة 09:30 ص|18 أكتوبر 2010

لم يعد هدوء في "سلوان"- إسرائيل اليوم

بقلم: نداف شرغاي

طريق طويل اجتازه دافيد باري منذ عهده كمستعرب في وحدة دفدفان بين أزقة قرية سلوان، قبل نحو 25 سنة، والى أن تعرض للاعتداء كرئيس لجمعية "إلعاد" وكأحد سكان المكان بكمين للحجارة، دهس فيه فأصاب طفلين فلسطينيين من راشقيه. طريق طويل من الصعود، والآن الهبوط، اجتازته ايضا العلاقات بين اليهود الذين جلبهم باري وجمعيته رويدا رويدا الى مدينة داود: على نحو عجيب تقريبا نسج اليهود، الذين وصلوا الى المكان الذي بدأت فيه القدس، علاقات جيرة وتقارب مع جيرانهم العرب لدرجة أن قادة الشرطة على أجيالهم فركوا عيونهم وباركوا الجيرة الجديدة في القرية العربية.

غير انه في السنتين الاخيرتين حصل شيء أدى الى تفكك الروابط الحساسة في سلوان. اليهود والشرطة يشيرون الى نشطاء اليسار الذين نقلوا مركز نشاطهم من الشيخ جراح – شمعون الصدّيق، الى سلوان – مدينة داود، والى نشطاء الحركة الاسلامية، كمن غيّروا الأجواء في المكان وأدوا الى اثارة الحماسة لدى قسم من السكان المحليين. رواية نشطاء اليسار ورجال الحركة الاسلامية تختلف تماما بالطبع، هؤلاء يرون أنفسهم نشطاء سلام يكافحون ضد الاحتلال في ظل الحرص على عدم العنف. مهما يكن الأمر، يُخيل انه لا يوجد حدث يجسّد بشكل أفضل الواقع المتقلب في سلوان مما حصل في صباح عيد العرش الأخير.

        في الرابعة فجرا، قبل عدة ساعات من انتهاء وليمة ليل العيد الاولى للعرش، استيقظ د. يشاي بن أوري من نومه على صوت نار قريبة. بن أوري، طبيب في مهنته، أحد السكان اليهود في قلب سلوان، قفز من سريره وانطلق بسرعة الى الخارج. وهو يعرف جيدا أزقة القرية. في الماضي كان يُستدعى الى منازل السكان الفلسطينيين ممن كانوا يحتاجون الى مساعدة طبية كون سيارات الاسعاف تخاف الدخول الى الأزقة الضيقة. وفي غضون عدة دقائق عثر د. بن أوري على سامر سرحان ينزف دما، بعد أن أطلق النار عليه أحد الحراس الذين يحرسون اليهود في سلوان – مدينة داود.

        لم يكن الطبيب اليهودي يحمل هذه المرة حقيبة اسعافه الأولي، وكان لذلك سبب: الحقيبة بما فيها من معدات طبية احترقت مع سيارته في موجة الاضطرابات السابقة في سلوان، والتي شارك فيها حسب اشتباه الشرطة (والعائلة تنفي) سرحان نفسه. الطبيب حاول اجراء تنفس اصطناعي للجريح، ولكن دون جدوى. سرحان، ذو الماضي الجنائي الغني، توفي متأثرا بجراحه، وفي غضون عدة ساعات اشتعلت المنطقة بقوة لم يشهدها شرقي القدس أبدا منذ الانتفاضة الثانية.

        وكان الهدف الاول حافلة باص قرب المبكى، تعرض للهجوم بالصخور. وأشعلت النار في اطارات السيارات وسُدت الطرقات بحاويات القمامة المحترقة. في جبل الزيتون طُعن اسرائيلي وأصيب بجراح متوسطة. مدرسة بيت اوروت قرب الطور تعرضت للهجوم بالزجاجات الحارقة. وفي الحرم انتظمت مجموعات من الشبان للمس بمصلي المبكى، والشرطة اقتحمت ساحة الحرم. في مدينة داود وفي قلب سلوان تعرضت منازل اليهود للهجوم. حاول الفلسطينيون إحراق غابة السلام، ولكنهم صُدّوا. في العيسوية قرب الجامعة العبرية استخدمت الشرطة استخداما مكثفا لقنابل الغاز لتفريق المتظاهرين. رضيع مريض بالأزما، والذي تنشق على ما يبدو كمية كبيرة من الغاز المسيل للدموع فتوفي في سريره.

        توتر في الكنيس

        قال هذا الاسبوع مصدر أمني كبير لـ "اسرائيل هذا الاسبوع"، "في سلوان كادت تندلع الانتفاضة الثالثة. ساعات فقط فصلت بين انتشار موجة الاضطرابات من القدس الى كل أرجاء يهودا والسامرة، ومع أن اللهيب أطفيء في هذه الاثناء، إلا أن من شأنها أن تنشب من جديد في كل لحظة".

        على جدول الاعمال: بؤرتا توتر، من شأنهما أن تنفجرا في كل لحظة. الاولى هي بيت يونتان، الذي تأجل اخلاؤه مرات عديدة. المستشار القانون للحكومة، يهودا فنشتاين، أمر الشرطة بالعمل "بعد الأعياد" لتطبيق قرار المحكمة العليا في اغلاق واخلاء البيت الذي أُقيم دون ترخيص في قلب المنطقة التي كان فيها في اثناء اضطرابات 1936 ما يسمى بحي اليمن. العنوان الطبيعي لأمر من هذا القبيل هو بلدية القدس، ولكن رئيس البلدية نير بركات أوضح بأنه غير مستعد لاخلاء بيت يونتان طالما انه لا تفرض قوانين البناء ايضا على مئات البيوت غير القانونية التي بناها الفلسطينيون.

        بؤرة التوتر الثانية هي مبنى الكنيس القديم، المبنى الكامل الوحيد في منطقة حي اليمن الذي تبقى على حاله، والذي يسعى الى دخوله نشطاء اليمين. قبل أكثر من سبعين سنة، عندما أُخلي الكنيس والحاضرة اليهودية المجاورة له، وقعت لجنة الوقف اليمني على اتفاق حماية مع العرب في المنطقة، ولكن العائلات الفلسطينية التي تسكن هناك اليوم لا تنوي الاخلاء الطوعي. ونجحت الشرطة في أن تمنع عدة مرات الدخول الى المبنى، ولكن قرارات الهيئات القضائية ستجبر الشرطة على أن تحمي الاخلاء قريبا.

        في هذه الاثناء، علاقات الجيرة بين اليهود والعرب في سلوان تقع في منطقة لا تزال هادئة نسبيا – مدينة داود، التي يواصل زيارتها عشرات آلاف الزوار حتى هذه الايام. الفلسطينيون الذين يتحدثون عن نسيج العلاقات الهش غير مستعدين لأن ينكشفوا بأسمائهم. ففي الماضي سبق أن نُكّل بهم. الكثيرون منهم، أكثر من مائة، استخدمتهم سلطة الآثار في الحفريات الأثرية في المكان، ولكن في أعقاب تهديدات على حياتهم اضطروا الى ترك العمل. اليوم يعمل مئات من سكان سلوان في بلدية القدس، في موقع الزوار من مدينة داود وفي سلطة الطبيعة والحدائق. السلوانيون ينقلون في ايام السبت الاطباء اليهود الى المستشفيات. كما أنهم يعملون كسائقي تسفير للتعليم الخاص، يرشدون السياح ويعملون في الفنادق في غربي القدس. هذا الجمهور يرغب في الهدوء.

        "من يبيع – يبيع بارادته"

        "توجد في سلوان مواجهة قومية"، يوضح م. ، أحد الفلسطينيين، "ولكن يوجد ايضا أناس يعيشون الواحد الى جانب الآخر منذ اكثر من عشرين سنة. نسيج الحياة خافٍ عن ناظر الجمهور. فهؤلاء يشاركون اولئك في أفراحهم، وكذا يشاركون الواحد الآخر في أتراحهم ايضا. أنا نفسي أستعين بالخدمات الطبية التي يتمتع بها اليهود. جيراني اليهود يستعينون غير مرة بخدمات تصليح السيارات في القرية. كما أن هناك أحاديث مصادفة في الشارع، وزيارات لتناول القهوة في البيوت، ولكن اذا ما نشر هذا الواقع، فانه سيضرنا".

        أقوال م. قائمة في الواقع. سرحان، الذي قُتل في عيد العرش، عمل في الماضي في سلطة الطبيعة والحدائق. أخوه عامل كبير فيها. مختار سلوان، صيام أبو جميل، كان هذا الاسبوع في عزاء على وفاة أحد أقربائه، ولكن هو ايضا وصف مؤخرا واقعا مشابها: "كلنا بشر. نعيش معا وسنعيش معا. لن نسمح لا لليمين ولا لليسار بأن يشعلوا النار هنا"، قال صيام في لقائه مع باري.

        فلسطيني آخر، ع.، يتطرق للنشاط غير المنقطع المتعلق بشراء المنازل في المنطقة. وقد أوضح قائلا: "أنا لا أحب هذا. فهو ليس أن أحدا ما يبحث عن سكن. الهدف سياسي. هذا صراع على السيادة هنا، ولكني ملزم بأن اعترف بأنهم لا يجبرون أحدا على البيع، من يبيع فانه يفعل ذلك بارادته. واذا كانت هناك تهديدات، فهي ليست من الجانب اليهودي، بل من الجانب الفلسطيني. فالسلطة الفلسطينية أصدرت قانونا يقضي بالموت على كل من يبيع بيتا لليهود. ولهذا فان البيع هو بشكل عام لاشخاص موهومين، والبيت يصل الى اليهودي بعد تدحرجات كثيرة".

        سبعين عائلة يهودية تعيش في مدينة داود. ويعمل في المكان كنيس، روضة اطفال ومركز للزوار وموقع للآثار. دبورا ويونتان أدلر وستة ابنائهما يعيشون في بيت خاص منذ 13 سنة. دبورا هي عاملة اجتماعية، أما يونتان فعالم آثار. وقد هاجرا من الولايات المتحدة قبل 15 سنة. في الاضطرابات الأخيرة تعرضوا هم ايضا للاعتداء بل اضطروا في احدى الأمسيات الى اخلاء عريشتهم، بعد أن رشقت بالحجارة والزجاجات الحارقة. ولكن دبورا متفائلة: "بعد الحدث وصل الينا جيران عرب شعروا بالحاجة الى الاعتذار رغم أنهم لم يكونوا بين المشاغبين. من جهة يوجد هنا واقع من التهديد. قبل زمن ما علقنا حتى في وسط مسيرة لرجال اليسار، ركلوا سيارتنا وحاولوا اقتحامها. وكان في المنطقة الكثير من الكاميرات، مثلما في الهجوم على باري. من جهة اخرى يوجد واقع آخر: عندما ولدت ابني يوم السبت، ورأى الجيران العرب اننا نخرج في السبت بالسيارة، جاءوا الى يونتان وسألوه لماذا لم نطلب منهم المساعدة كي ينقلوننا الى المستشفى". وتوضح دبورا بان "مدينة داود هي ذات معنى كبير بالنسبة لنا. هذا هو قلب الشعب اليهودي. الى هنا  جاء داود وجعل المكان عاصمته. مدهش ان نربي اطفالنا هنا. قصص التوراة هي هنا قصص حقيقية وليس مجرد كتابات. عندما استأجرنا شرفة لزراعة الخضروات ونبشنا الارض عثر الاطفال على فخارات من عهد البيت الثاني. مذهل أنه قبل الاف السنين وقفت امرأة يهودية في المطبخ على مسافة غير بعيدة من مطبخي وطبخت لعائلتها مثلي.

        من يحرض؟

        رغم الوصف المثالي للجيرة الطيبة، فان شيئا ما شرخ في العلاقات بين اليهود والفلسطينيين في سلوان. الحادثة التي قتل فيها سرحان، الهجمات على الحراس، الافساد المتعاظم للاملاك في المواقع السياحية، الى جانب نشاط الحركة الاسلامية الاسرائيلية  ومحافل في اليسار، تجسد التغيير. الشرطة واليهود يعلقون كما أسلفنا هذا التغيير اساسا بحركات اليسار، وكذا بالنشطاء الفوضويين، الذين ينقلون بالتدرج بؤرة نشاطهم من الشيخ جراح الى سلوان. وحسب اقوالهم، فان اليسار الاسرائيلي هو الذي يحرض الفلسطينيين في المكان على اعمال الاحتجاج التي تنتقل الى مواجهات عنيفة. مصدر شرطي كبير يقول: "المظاهرات مشتركة. والى المكان تصل ايضا شخصيات معروفة لنا من بلعين ومن الشيخ جراح. ومن غير المستعبد أن تكون الدوافع لاعمال الاخلال بالقانون والنظام يتلقاه الفلسطينيون في سلوان من محافل متطرفة يهودية...".

        أسف شارون، من حركة "التضامن مع الشيخ جراح، التي نقلت نشاطها ايضا الى سلوان، ذهل من الاتهامات. الكفاح مشترك، بتنسيق كامل مع الفلسطينيين، ولكنه ملتزم تماما باللا عنف. الهدف هو مكافحة التمييز المنهاجي وبحقيقة أن 40 الف فلسطيني ليس فقط مميز ضدهم، بل وتحكمهم ايضا شرطة معادية وميليشيا من الحراس تمولها اموال دافع الضرائب ويسيطر عليها دافيد باري ورفاقه. وقعت في السنة الاخيرة أربع حالات اطلاق نار من الحراس وفيها جميعها سارعت الشرطة الى مساندة الحراس. الادعاء باننا نحرض المحليين على التمرد سخيف بحد ذاته وسخيف باضعاف حين يأتي من جهة رجال العاد الذين يحاولون تهويد اجزاء من سلوان بل واحيانا – على حد قول الكثير من السكان – يمارسون الضغوط والتهديد على السكان، لاجبارهم على بيع بيوتهم. مركز المعلومات في وادي حلوة، الذي نشارك فيه نجح في اثبات نفسه كمركز نشاط سياسي بلا عنف، وذلك خلافا للحراس الذين يحرسون اليهود الذين يعيشون هنا". ويدعي شارون: "رأيت في الماضي كيف أن قسما من هؤلاء الحراس يستغلون قوتهم لاثارة اضطرابات في القرية، وكيف يضربون الاطفال".

        الحراس: "يبصقون علينا"

        من زاوية نظر الحراس، الواقع الذي يصفه أسف مختلف تماما. اكثر من 300 حارس من وزارة الاسكان يعملون في احياء يهودية صغيرة في شرقي القدس في مناطق كثيفة بالسكان العرب حيث يعيش نحو 2.500 يهودي. الكثير من الحراس هم طلاب وجنود مسرحون اختاروا هذه المهنة لنيل رزقهم. وهم يصفون حالة من البصق، الشتم، رشق الحجارة، العلب الفارغة، زوايا حديدية، محاولات دهس وعنف شديد يمارس ضدهم، بهدف جرهم الى التورط. وهم مدربون على يد شركة "عليت افدحا" ويعملون رسميا لدى شركة مخابرات مدنية. ومحظور عليهم ان يدلوا بتصريحات للصحافة ولكن لغير الاقتباس يقول احدهم ك. : "الطريقة التي يعرضوننا فيها فضيحة. نحن لا نمس بالسكان العرب. نحن نحمي السكان اليهود الذين يشكلون هدفا لا ينقطع لاعمال الاضرار والتهديد. ولولا هذا التهديد، لما كانت لنا حاجة. يمكن الجدال حول المنطق السياسي في سكن اليهود هنا، ولكن لا يمكن التنكر للواقع. فهم مهددون، ونحن نحميهم، بحساسية، ولكن بتصميم ايضا. ليس لنا مصلحة في الاصطدام مع الجمهور العربي، وحتى عندما يبصقون علينا، فاننا نضبط انفسنا ولكن عندما نعلق في خطر على الحياة، فاننا نطلق النار، وفقا لتعليمات فتح النار. نحن تحت رقابة الشرطة ونعمل بالتعاون معها...".

        رواية الحارس الذي اطلق النار على سرحان، والتي تدعمها الشرطة، والرواية الفلسطينية تتضاربان. في هذه الاثناء في منطقة اخرى من سلوان، تبدو خطة بركات لاعادة منطقة "حديقة الملك" التي قبل بضعة اشهر فقط جرى الحديث فيها بجدية، وكأنها آثار لعصر آخر.