خبر الرئيس نجاد واختبار النوايا..علي عقلة عرسان

الساعة 07:22 م|15 أكتوبر 2010

الرئيس نجاد واختبار النوايا..علي عقلة عرسان

 

الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في جنوب لبنان، في بنت جبيل وقانا، في المواقع التي شهدت أعنف معارك المقاومة اللبنانية ضد الصهاينة، وأعظم انتصارات اللبنانيين على " إسرائيل"، وأروع الصمود في وجه العدوان والاحتلال والعنصرية، وأشكال التصدي للمحتل بالفداء والدم في تموز ـ آب 2006، يوم أراد الأميركيون، بذلك العدوان الصهيوني الوحشي على لبنان، تغيير وجه " الشرق الأوسط" ليكون " جديداً" من وجهة نظرهم، خالياً من المقاومة، والرؤوس المرفوعة، والمواقف المبدئية، والدول الممانِعة، وكل من يقول لا للاحتلال الأميركي ـ الصهيوني ـ الأطلسي وللهيمنة الخارجية في هذه المنطقة، ولا يرضيها إلا وجود أذلاء وخانعين ومقسمين ومستسلمين للصهاينة، وكان يناصرها في ذلك بعض العرب، سراً وعلناً.  ومن هناك من جنوب لبنان، وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة، أعلن أن " أن بنت جبيل حية وباقية ومرفوعة الرأس. واستطاع أبناؤها أن يذيقوا العدو الإسرائيلي الغاشم طعم الهزيمة النكراء... وأنه لم يعد اليوم هناك أي خيار أمام الصهاينة المحتلين إلا الاستسلام للأمر الواقع والعودة إلى منازلهم وأوطانهم الأصلية."، وخاطب الجنوبيين قائلاً: ".. استطعتم أن تدخلوا اليأس والقنوط إلى قلوب الصهاينة وقلوب كل المستعمرين والمستكبرين... وليعلم العالم برمته أن الصهاينة إلى زوال.". وأن " إيران بقيادتها وشعبها ستبقى إلى آخر نفس إلى جانبكم وإلى جانب شعوب المنطقة..". وهذا النوع من المواقف، في هذه المواقع ، بقوتها ورمزيتها، لم يتخذها أي زعيم عربي معاصر بهذا الثبات والوضوح المبدئي.

إن نجاد يقوم بفعل نضالي، وأياً ما كانت دوافعه وخلفياته وأهدافه، الظاهرة والباطنة، فهو رجل يقوم بفعل شجاع وعادل وإنساني، يقف صاحبه إلى جاب قضية عادلة وشعب مظلوم، وقفت ضده قوى استعمارية كبرى تواطأت مع الصهيونية العنصرية، والعدوان، والاحتلال، والإبادة الجماعية التي يمارسها صهاينة فقدوا كل صلة بالإنساني وأخلاقي والعادل، وهم يتفننون في ممارساتهم النازية البشعة ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود من الزمن.. ولا يناصر ذلك الشعب، الصامد منذ عشرات السنين، حتى بعض أهله، وتتراجع قضيته على أيدي من يمثلونه في مفاوضات "سلطة" تفاوض لتتراجع عن الحق والأرض خطوة بعد خطوة، معززة بتراجعها مصلحة العدو الصهيوني المحتل، وتراها بعد كل تراجع تبدأ من النقطة التي وصلت إليها في تراجعها الأخير.. والحبل على الجرار.

قال الأميركيون في زيارة الرئيس نجاد إلى لبنان: " إن وجوده هناك هو تحريض من شأنه انتهاك سيادة لبنان وأمن المنطقة"!! ومن عجب أن السياسة الأميركية التي تتدخل في الشؤون الداخلية لبلدان كثيرة، منها لبنان، وتمس أفعالها وأقوالها وممارساتها سيادة دول وتنتهك استقلالها وأرضها وأجواءها وحياة مواطنيها وحقوقهم، تريد أن تلغي السيادة اللبنانية التي يمثلها رئيس لبنان، البلد المستقل، العضو المؤسس في الأمم المتحدة، وهو يرحب بزيارة رئيس دولة يرد له الزيارة التي قام بها إلى بلده إيران؟! وهو يستضيفه في إطار علاقات ندية، " دولة لدولة"، بين بلدين صديقين!!.. ويقول الأميركي، كما يقول الإسرائيلي بالطبع، "إنها زيارة استفزازية؟ فهل هي كذلك؟ وتستفز من يا ترى؟ إسرائيل عدوَّ لبنان، أم الولايات المتحدة التي تناصر الاحتلال الصهيوني؟ أم دولاً أخرى.. أم..!؟ إنه عجب من العجب، وطغيان لمد التدخل والتحريض الأميركيين إلى الحد الذي يستفز الآخرين، شعوباً ورسميين، ويضعهم لا يريدونها مع قوة تحشر أنفها في شؤون الآخرين وتدفعهم إلى المواجهة.

قال الأميركيون وأتباعهم إن زيارة الرئيس الإيراني سوف تدمر علاقات اللبنانيين وتشعل خلافات جديدة في لبنان، وتثير الفتنة الطائفية.. إلخ، وتشير الدلائل، في أثناء الزيارة وبعدها، إلى أن العكس هو الذي حدث، وأن الرئيس الإيراني جاء منفتحاً على اللبنانيين جميعاً، و" أن بلاده إلى جانب لبنان، كل لبنان، في السراء والضراء وفي كل الظروف"، وأن الإيرانيين " مستعدون للتعاون في مختلف المجالات"، وأعلن أنه جاء ليؤكد "دعم إيران للوحدة الوطنية اللبنانية ودرء الفتنة، ودعم المقاومة التي تبقى خيار اللبنانيين لتحرير الأراضي المحتلة، في إطار معادلة الجيش والشعب والمقاومة." وأظن أن دعم المقاوم هو الذي يؤرق الكيان الصهيوني والأميركيين ومن يرى رؤيتهم وينظر إلى الأمور من الزاوية التي ينظرون منها.

لقد جاء أحمدي نجاد إلى لبنان، فماذا يريد من لبنان، وماذا يريد في لبنان؟ لقد " عرض نجاد أمام المسؤولين كل ما تستطيع أن تقدمه الجمهورية الإسلامية مما يمكن للبنان أن يقبله (في مختلف المجالات، ما عدا الجانب العسكري). ولم يكن العرض نظرياً، بل اتخذ شكل مشاريع اتفاقات ومذكرات تفاهم، وٌقع 16منها في القصر الجمهوري بين الحكومتين، وغطت الطاقة والزراعة والثقافة والصناعة والسياحة.   وشدد على نبذ الفتنة والتحزب الطائفي، وقال بصراحة تامة أنه «إذا جلسنا بعضنا مع بعض، نحن والدول العربية، فإننا سنتمكن من الانتصار على إسرائيل التي هي إلى زوال." فما الذي يزعجنا نحن العرب، أصحاب القضية العادلة م هذا الكلام؟

إنه يريد أن يناصر المقاومة.. نعم، وهل في هذا مصلحة إيرانية خاصة ضد العرب؟ أم أنه من الأمور غير العادلة وربما المعيبة بنظر البعض، ممن يرون إسرائيل سنداً لهم؟! إن مقاومة الكيان الصهيوني والاحتلال والاستعمار والهيمنة من أي مصدر أتت، هو شرف وواجب، ومن يناصر المقاوم ويمارسها، إنما يدافع عن نفسه ودينه وهويته وأرضه وحقوقه وحياته وحريته وكرامته ومستقبل أبنائه.. وإذا وجدنا في زيارة أحمدي نجاد ودعوته إلى دعم المقاومة وممارستها، فإننا نكون قد وصلنا إلي درك من التنازل والهزيمة والتآكل، ما بعده درك.

يريد نجاد أن يدعم موقف لبنان الرسمي والشعبي، موقف الجيش والمقاومة، لكي يستعيد لبنان أرضه المحتلة، ويضع حداً لانتهاكات إسرائيل وتهديدها، ويعود الفلسطينيون الموجودون في لبنان إلى وطنهم الأصلي فلسطين، ويتوقف الحديث عن توطين وهواجس داخلية بشأنه..  ويريد دعم وحدة الشعب اللبناني الداخلية، واستقلال لبنان وخياراته الوطنية.. ويريد أن يساهم في تقديم العون للبنان ليبني قواه الذاتية، ويعزز مواقفه تجاه العدو الصهيوني؟ هذا معلن وصريح وصحيح، فماذا في ذلك؟ ولماذا يكون هذا حلالاً على الأميركيين، أعداء العروبة والإسلام والحق والعدل، وأعداء الشعب الفلسطيني، ومن دمر العراق.. ويكون حراماً على من لا يكن للأمة العربية إلا الخير، وهو من بيت الإسلام والشرق أولاً وأخيراً؟! فإذا كنا نشك في نواياه ونوايا بلاده، ونقول بوجود مشاريع خفيفة، وتمدد شيعي، وبذور مواجهة بالقوة بين السنة والشيعة، يتم التمهيد لها..إلخ.. كيف نثبت ذلك أو ننفيه من دون تجربة واختبار من خلال العمل؟!

يريد أحمدي نجاد أن يعلن من لبنان موقفاً ضد إسرائيل ومن يناصرها، وهو في الحصار ملاحق بالتهديد والوعيد منها ومن حلفائها الغربيين.. فليفعل ذلك، ومن أي مكان في العالم وبأي شكل كان، فمن يناصر قضيتي العادلة، ويقف ضد عدوي الذي يحتل أرضي ويطردني منها، وهو جاد وصادق وعلى حق فيما يذهب إليه، خير من ذلك الذي يبتزني صباح مساء، وينهب ثرواتي، ويقوي عدوي عليَّ بالسلاح والمال والسياسة، ويعلن مناصرته له في كل حين وفي كل محفل ومكان.. وهو على باطل، ولا يكنّ لي إلا العداوة والشر، ويقتلني في كل وقت، ويحتل أرضي أو يساعد على احتلالها، ويشوه صورتي، وينال من مقدساتي ورموزي الدينية بالدس والافتراء.

ماذا يريد أحمدي نجاد في لبنان؟ أن يقول للشيعة إن إيران معكم؟ إن هذا واضح للعالم منذ قرون وقرون.. ولأن الطائفية ما زالت حاكمة للسياسة اللبنانية، ولأن الطوائف في لبنان تحب أن تسمع نغمة المناصرة والتعاطف من الخارج وتستقوي بها، وترحب بذلك وتستدعيه في أوقات وحالات، فإن الإشارات الخارجية ستبقى تتردد في الفضاء اللبناني، مناصَرة ومناوَرة، لكي يسمعها الجميع، ولكي تحدث أثرها أو آثارها. ولكن أحمدي نجاد أعلن باسم إيران أنه وبلده صديقان للبنان كله، وأن بلاده ضد التحزب الطائفي، وأنها نصير للبنان واستقلاله وسيادته ووحدته وحقوقه، ولشعبه كله وليس لطائفة من طوائفه، أو لفريق فيه.. فلنختبر ذلك، ونضعه على المحك؟ ولم لا نفعل بينما تتدخل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وبلدان أوربية في شؤون لبنان الداخلية وشؤون غيره من بلداننا العربية والإسلامية، باسم مصالحها أو حمايتها لطائفة أو فئة من طائفة، أو لتنفيذ مشروع ومصلحة.. من دون أن تثور ضد ذلك زوابع سياسية وكلامية.؟!

إننا نرفض أي شكل من أشكال التدخل في شؤون أي بلد، من أي مصدر جاء، وتحت أية ذريعة من الذرائع.. فلتكن هذه القاعدة إحدى المداخل للعمل، ولاختبار العلاقات والصداقات والنوايا والشخصيات. 

هل أحمدي نجاد مجرد مناوِر يريد أن يبرز إيران كقوة في المنطقة، أو كشريك للدول الكبرى في الهيمنة والمصالح؟ من تتبعي لتحركات الرجل ومواقفه وكلماته وتصريحاته، لم ألمس هذا.. وإن كان من حقه، بل من واجبه، أن يحرص على مصالح بلد يمثله.. ولكن إيران ليست صاحبة مشروع استعماري، أو لا ذات تطلع لمشاطرة المستعمِرين دورهم في المنطقة.. إنها تنادي باستقلال المنطقة عن كل نفوذ خارجي، وتقول إن أبناءها قادرون على حمايتها.. فهل ينطوي هذا على خديعة من وع ما، أو برامج خفية، تشير إلى أن إيران، في هذه الحالة، ستكون الدولة الأقوى من بين دول المنطقة، ومن ثم ستكون الأقدر على فرض رأي ورؤية وموقف ومصالح، بشراكة مع آخرين، "غربيين على الخصوص"، أو بتفرد وفرادة..؟

ربما تكمن وراء هذا الوضع، إن هو قام، حقيقة من هذا النوع، وربما لا.. والأمر يتوقف على الشراكة والشركاء.. ولكن من هم شركاء إيران في هذه الدعوة وفي حماية أمن المنطقة؟ إنهم العرب من دون شك، ولا يمكن تغييب الأتراك والباكستانيين عن الأمر، وحتى أفغانستان ستكون حاضرة، بوصفها دولة تريد أن تتخلص من الاحتلال الأميركي ـ الأطلسي، الذي تقاومه على أرضية وطنية مبدئية ثابتة، ومشروعية دولية وشرعية معلَنة.. وقد تكون هي وغيرها من بين من يرغب في أن يشارك في حماية أمن المنطقة والدفاع عنها..

وحين يكون هؤلاء هم شركاء إيران في المسؤولية والمصلحة، فمن واجبهم أن يدخلوا في شراكة واضحة متوازنة، وأن يدركوا جميعاً أنهم حين ينتزعون هذا المكسب من الغرب والدول المهيمنة سيدخلون في رهان صعب جداً يحتاج إلى قواهم جميعاً وإلى وفاقهم واتفاقهم لينجح، ولا يحتاج أبداً إلى خصوماتهم واقتتالهم وتنازعهم فيما بينهم، ذلك التنازع الذي يمكن أن يفضي إلى عودة المستعمر المنبوذ من النافذة بعد إخراجه من الباب. وفي هذه الحالة فإن على كل دولة أن تملك قوة، وأن تدرك أنها تشارك في حماية نفسها حين تساهم في حماية أمن المنطقة، وأننا جميعاً في هذه المنطقة لسنا بحاجة إلى اقتتال مدمر بين عرب ومسلمين، ومسلمين ومسلمين، كما يريد الصهاينة والأميركيون على الخصوص، والغربيون بصورة عامة.. فلقد أُنهِكنا من الاستعمار وتدخله، ومن الصراعات الداخلية المقيتة والمميتة، ومن المؤامرات والمقامرات، وآن لنا أن نلتفت إلى ما يجمعنا، وأن نحمي مصالحنا وأوطاننا وشعوبنا، وأن نحافظ على هويتنا وعقيدتنا التي يحاول الأشرار وقصار النظر، من القاصرين معرفياً وثقافياً وروحياً وخُلُقياً، عن استيعاب ما فيها من منطق وتسامح وتآخ وإنسانية شاملة، بوصفها للناس كافة.

إن فتح أبواب الثقة بين مسؤولي المنطقة وشعوبها واجب وضرورة وشرط حتمي للخلاص من الاستعمار والاحتلال والهيمنة والنهب.. فهل نفتح تلك الأبواب ونقيم جسور الثقة، أم ترانا نغلقها بالشك، ونبقى تحت رحمة الأعداء؟

إن ذلك هو رهان المستقبل الجدير بنا أن نقبل عليه ونفوز فيه، وليس رهان على العدو، والتحالف مع المحتل، وإثارة الفتن، وزعزعة الأمن، وبذر الشكوك، والتنازل عن الحقوق والمصالح، وإثارة النعرات، تحت هذا المسمى أو ذاك، هذا السبب أو ذاك.. فهل ترانا نفعل ذلك لنخرج إلى عالم مغاير لذاك الذي نتجرع غصص طغاته منذ قرون من الزمن.؟