خبر إسرائيل وانكسار تشرين… استنتاجات أساسية../ ماجد عزام

الساعة 09:25 م|14 أكتوبر 2010

إسرائيل وانكسار تشرين… استنتاجات أساسية ماجد عزام

** مدير مركز شرق المتوسط للإعلام

سمحت إسرائيل الأسبوع الماضي بنشر بعض المحاضر والبروتوكولات الخاصة باجتماعات الحكومة أثناء حرب تشرين أول أكتوبر 1973، والتي تضمنت تفاصيل تنشر لأول مرة عن أداء القيادة السياسية والأمنية وكيفية تعاطيها مع مجريات الحرب آنذاك التفاصيل جد مثيرة ومشوقة بالطبع غير أن ما يفوقها أهمية يتمثل بالاستنتاجات والاستخلاصات الناتجة عن قراءة مستفيضة وهادئة وعميقة لها.

 

أول الاستنتاجات يتعلق بزيف ووهم الأسطورة التي خلقتها لإسرائيل لنفسها إن فيما يتعلق بها كدولة أسطورة تفعل المعجزات وقادرة على قهر المستحيلات أو بقادتها السياسيين والعسكريين الذين صوروا أيضا كاستثنائيين وعمالقة ومن طينة أخرى غير طينة البشر العاديين وأظهرتهم المحاضر على حقيقتهم خائفين مذعورين منهارين -يقول الأستاذ هيكل أن الأسطورة المزعومة الجنرال موشيه دايان وزير الدفاع آنذاك انهار غالى درجة البكاء اثر نجاح الجيش المصري في تحطيم خط بارليف وعبور قناة السويس وليس ذلك فقط بل اقترح أيضا التخلي عن جنوده وتركهم لمصيرهم في صحراء سيناء مع التقدم الملفت للقوات العربية على الجبهة المصرية في الأيام الأولى للحرب الانكسار لم يقتصر على موشيه دايان بل ان الرجل الوحيد فى الحكومة-أي رئيسة الوزراء غولدا مائير- فكرت في الانتحار هربا من المسؤولية واعتقدا بقرب انهيار الهيكل الثالث - الدولة العبرية- تحت وطأة الهجوم العربي المنسق والمنظم والمفاجئ.

 

تبدت في الوثائق أيضا العنصرية الإسرائيلية في أجلى صورها غطرسة واستكبار تجاه العرب وشعور بالاستعلاء والتفوق تجاههم والاقتناع بفكرة أنهم غير قادرين نفسيا على امتلاك الشجاعة و المبادرة لشن الحرب ناهيك عن إدارتها التكتيكية بشكل مهني وعسكري محترف وحتى فئ ذروة انهياره لم يتخل الجنرال دايان عن عنصريته مرجعا نجاح العبور إلى التفكير والتخطيط السوفييتي متجاهلا العمل العربي الإبداعي على الجبهتين على حد سواء.

 

أظهرت الوثائق كذلك أن الاستعداد لارتكاب جرائم حرب رافق الدولة العبرية منذ تأسيسها وهكذا مثلا عرض موشيه دايان خطة ل ضرب منشات مدنية في مصر وسورية رغم أن الحرب كانت آنذاك بين الجيوش في جبهات القتال-سيناء والجولان-حتى لو أدى ذلك إلى إصابة مواطنين عزل تحميهم زمن الحرب الشرائع والمواثيق الدولية وهى المعطيات التي لا تقيم لها إسرائيل وزنا أو اعتبار لا وقت السلم ولا زمن الحرب.

 

أكدت المحاضر التي تم الكشف عنها مدى تعلق إسرائيل بالولايات المتحدة ومع كل الاحترام والاعتبار لبعض التفاصيل المهمة إلا أن الدولة العبرية لا تستطيع العيش بشكل فعلي خارج حاضنة الإنعاش الأمريكية والغربية بشكل عام. فقد ناقشت حكومة غولدا مائير أفكارا تراوحت بين خداع إدارة نيكسون –كيسنجر أو ابتزازها عاطفيا وفكريا عبر استحضار دور الاتحاد السوفييتي في الحرب تخطيطا وتنفيذا وحتى التهديد باستخدام السلاح النووي وهو تهديد هدف أساسا إلى الضغط على أمريكا للتدخل الفعلي في الحرب، وهو ما تم عبر الجسر الجوى الذي ساعد الدولة العبرية جزئيا فقط في الخروج من دوامة الإحباط والانهيار والانكسار واستعادة زمام المبادرة في الأيام الأخيرة للحرب..

 

أظهرت المحاضر في السياق أيضا الفشل الاستخباراتى الإسرائيلي ناهيك عن التخبط العسكري في مواجهة الجيوش العربية المهاجمة وهي أكدت أن أسطورة الجيش الذي لا يقهر وهمية وزائفة صنعتها الدعاية الإسرائيلية إضافة إلى الأداء العربي السيئ والخائب-على المستوى الرسمي طبعا وهو ما عبر عنه ببلاغة موشيه دايان ذات مرة  بقوله "نحن محظوظون مع هكذا أعداء"، قاصدا طبعا الحكومات والقادة العرب.

 

 غير أن الخلاصة الأهم من المحاضر والبروتوكولات التي تم نشرها تتمثل بأن إسرائيل قابلة للانكسار والاندحار وان انهيارها ممكن كنتيجة مباشرة لعمل عربي وحدوي متماسك ومنسجم وقادر على إدارة الصراع بشكل جيد وهو ما أكدته وقائع الحرب المجيدة قبل أن يتم حرفها بفعل فاعل عن تحقيق أهدافها الإستراتيجية والتعاطي معها تكتيكيا فقط كخطوة أو سبيل للوصول إلى عملية السلام –حسب تعبير هنرى كيسنجر- وهى العملية التي لم تؤد ولن تؤدي إلى أي نتيجة ذات بال، بل إنها سمحت لإسرائيل أن تحقق سياسيا اثر انكسار تشرين العسكري ما عجزت عن تحقيقه بعد انتصار حزيران يونيو 1967.