خبر الوطنيون الحقيقيون- هآرتس

الساعة 10:31 ص|13 أكتوبر 2010

الوطنيون الحقيقيون- هآرتس

بقلم: أبيرما غولان

(المضمون: بقاء من يزعمون لأنفسهم الشعور الوطني العميق في اسرائيل من اليمين من أمثال نتنياهو وأشياعه ضمان لفناء اسرائيل - المصدر).

أول مرة سمعت فيها اميلي عمروسي التي كانت في الماضي متحدثة مجلس "يشع"، من اسرائيليين عن  امكانية أن تكف اسرائيل عن الوجود، كما قالت في صحيفة "اسرائيل اليوم"، هي في نهاية الاسبوع الاخير عند وجبة طعام في باريس. فقد قالت صحفية ورجل من اليسار من اسرائيل هناك "بفم مليء بالبط المحشو"، انه قد تنتهي المغامرة الصهيونية. وتحتقر عمروسي بطبيعة الأمر استسلامهما.

        لا جديد في هذا الوصف. فهو مأخوذ من الصيغة الثابتة التي يستعملها متحدثو اليمين لوصف "اليساريين" وهي انهم: شرهون آكلون يقضون أوقاتهم في الفقاعة التل ابيبية، لكنهم برغم وضعهم الجيد صغار الايمان وجبناء ويشيعون الاشاعات عن الوطن في الخارج. والسياسة الخائنة التي قادوها – من "سلام الآن" مرورا باوسلو حتى الانفصال وعلى نحو عام – نتاج مباشر لجبنهم وشوقهم الى اعجاب الآخرين في العالم، وهي التي جلبت جميع الأزمات على رأس اسرائيل.

        بحسب هذا التقسيم الفظ، ينقسم مواطنو اسرائيل اليهود الى وطنيين منتصبي القامات والى خاسرين بؤساء معادين للوطنية. لو بقي التقسيم الأحمق في مجال الغوغائية الاستيطانية لكان يمكن الاستخفاف به، بيد أنه نجح في التغلغل الى الوعي العام في اسرائيل، وقد أصبح شبه حقيقة. واسوأ من هذا أنه يُملي وحده علاقات اسرائيل بالعالم في الخارج وقوانين العِرق الجديدة في الداخل.

        في مجال العلاقات الخارجية، يشغل افيغدور ليبرمان دور كلب الحراسة المجنون لبنيامين نتنياهو واهود باراك. فهما يستطيعان برعاية تصريحاته الهوجاء في ظاهر الأمر أن يستمرا على التظاهر بأنهما معنيان بالتفاوض. لكنهما مقتنعان في واقع الأمر بأن اسرائيل تستطيع في وضع صراع دائم فقط الاستمرار على البقاء أو على الأقل – يستطيعان البقاء في الحكم (يحسن أن يحذرا، لان ليبرمان في الايقاع الحالي قد يكتسح لنفسه ثمرة عمله ويأخذ منهما رئاسة الحكومة).

        إن النافذ في الخارج نافذ في الداخل ايضا. ولما كان العالم، وفي مقدمته الولايات المتحدة، يضغط على اسرائيل لاجراء تفاوض ويدرك – وفي المقدمة الاتحاد الاوروبي – أن ليس الفلسطينيون هم عائق السلام بل الاسرائيليون، فلا خيار لنتنياهو – باراك سوى إثارة غليان في الداخل وتعليق إخفاق التفاوض عليه.

        ليس عرضا أنهما يُصران الآن على تعظيم "مشكلة العرب مواطني اسرائيل" تعظيما غولياً وعرضها على أنها شأن حاسم في التفاوض. تبدو الأحبولة معقدة لكنها بسيطة: فهما يصفان العرب الاسرائيليين بأنهم أمر مقلق، ويجعلانهم عقبة أمام تسوية سلمية مع الفلسطينيين، ويزرعان الذعر القومي ويحظيان بذلك بتأييد الجمهور بتشديد المواقف وتعظيم التمايز والإنطواء. وبازاء الذعر – الذي نجح في اقناع أكثر الجمهور في أنهم يعيشون تحت تهديد مضاعف – القنبلة الايرانية وهجوم حزب الله من جهة وسيطرة فلسطينية اسلامية وطوفان مهاجري العمل من جهة اخرى – يسهل على الحكومة أن تجيز سلسلة قوانينها "الوطنية". ولذلك فمن يعارضها ويعارض سياستها ليس سوى خائن جبان.

        لكن هذا وقت امتداح الجبناء، والثناء على القلقين وتمجيد كل من يخشى وجود  خطر على بعثة الشعب اليهودي في اسرائيل واستقلاله. لا يجوز البلبلة: طمحت الصهيونية الى الحياة الطبيعية، والى انشاء دولة كجميع الدول السليمة، أما نتنياهو وباراك وليبرمان ونئمان فيرعون جمهورية إثنوقراطية متمايزة. انهم وهم يُمجدون الصهيونية، يجعلون مواطني اسرائيل اليهود سكان غيتو مذعور عدواني في قلب الشرق الاوسط، ويضمنون مستقبلا كله شر.

        "طوبى للمرء الذي يخاف دائما"، يقول سفر الأمثال في حديثه عن القادة "والقاسي القلب يقع في الشر". يستطيع متحدثو اليمين المتطرف، الذين يجعلهم نجاح شعاراتهم الممضوغة تدور رؤوسهم دوارا كبيرا، يستطيعون الاستمرار على تصنيفاتهم والتلذذ بشجاعتهم؛ إن الوطنيين الحقيقيين هم الجبناء والقلقون، ومُحبو اسرائيل الممزقو القلوب، الذين يرون بعيون مفتوحة العلامات المقلقة لبدء خرابها.