خبر إيران تهزم أمريكا في العراق .. د. ليلى بيومي

الساعة 10:21 ص|08 أكتوبر 2010

إيران تهزم أمريكا في العراق  .. د. ليلى بيومي

لا نقصدُ بالهزيمة هنا الهزيمة العسكريَّة الناجمة عن مواجهة القوَّات والجيوش لبعضها، ولا التصدي الإيراني للصواريخ الأمريكيَّة، ولكن المقصود هو أن الإرادة الإيرانيَّة قد تفوقت على الإرادة الأمريكيَّة في العراق، وفرضت عليها خياراتها.

 

فإذا كان العراق محتلًّا أمريكيًّا، فإنه في نفس الوقت محتل إيرانيًّا أيضًا، فالحدود الإيرانيَّة العراقيَّة مفتوحة على مصراعَيْها لدخول كل ما هو إيراني إلى العراق، خاصةً العنصر البشري المتمثِّل في عناصر الاستخبارات وغيرها من الخبراء في كل المجالات، دخل عشرات الآلاف من الإيرانيين إلى العراق لدرجة جعلت اللغة الفارسيَّة لغةً شائعةً في المحافظات العراقيَّة الجنوبيَّة الشيعيَّة القريبة من إيران، ولدرجة جعلت العملة الإيرانيَّة متداولةً في هذه المناطق، ولعلَّ الناس يتذكرون حينما زار إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق مدينة العمارة العراقيَّة القريبة من الحدود العراقيَّة الإيرانيَّة وهَالَه ما رأى من العناصر البشريَّة الفارسيَّة في دواوين الحكومة، لدرجةٍ جعلتْ من الصعوبة التحدُّث بالعربيَّة، ولم يعربْ هذا السياسي الطائفي الموالي لإيران عن صدمتِه إلا بعدما تجاوزت الأمور كل الحدود.

 

هزيمة إيران لأمريكا في العراق توضحُها حقيقة أن قيادات حزْب الدعوة والتيار الصدري وغيرهم يرون إيران قبلتهم وقِمّ كعبتهم، ولذلك فزياراتهم إليها مستمرَّة بشكل يومي ولا تنقطع، فالزيارات مستمرَّة ومتواصلة من قادة أحزاب العراق الرئيسيَّة والنوَّاب والوزراء العراقيين وكبار رجال الدولة إلى إيران، بمناسبة وبدون مناسبة.

 

في اليوم الذي أعلنتْ فيه نتائج الانتخابات البرلمانيَّة، تسابقت القوائمُ الفائزة والخاسرة في الذهاب إلى قمّ وطهران، وتباحث الزائرون واستلموا التوجيهات والتعليمات.

 

وبعد انتهاء الشهر الخامس بعد إعلان النتائج، ومع حالة الشَّلَل التي أصابت الحياة السياسيَّة في العراق، بدأتْ ملامح الخطط الإيرانيَّة تتضحُ باتجاه تجديد الولاية للمالكي، خاصةً بعد التفاهم الذي حصل مع الولايات المتحدة، والتي ترى أن المالكي خيرُ مَن يحافظ على أسرار الاتفاقيَّة الأمنيَّة التي وقعتها حكومتُه مع الاحتلال الأمريكي، فإيران تريد المالكي لأنها تثقُ في طائفيتِه وفي كراهيتِه لعروبة العراق وفي قدرته على إبعاد العراق عن محيطِها العربي، وجعل العراق تابعًا وذيلًا لإيران.

 

ولأن إيران وجدتْ في المالكي الشخصية المثلى لتحقيق أهدافِها الاستراتيجيَّة في بلاد الرافدين، فقد تعمَّدَت الإيعاز للأطراف المواليَة لها بتأخير تشكيل الحكومة وكسب الوقت حتى يتمَّ الانتهاء من الخطط الإيرانيَّة من أجلِ استمرار حكومة المالكي الطائفيَّة.

 

وحتى لا تخرجَ الأمور عن السيطرة الإيرانيَّة فقد تَمَّ نقل المفاوضات والمباحثات بين الكُتَل والأحزاب العراقيَّة إلى إيران، لضمان ألا يستجدَّ شيءٌ لا توافق عليه طهران.

 

ورغم أن المشاورات كانت دائرةً داخل إيران، إلا أن طهران كانت متحسِّبةً لذلك فحركتْ قوات من فيلق القدس الإيراني وقوات رهبر الإيرانيَّة لتكون قريبة من الأحداث إذا خرجت الأمور عما حددتْه الأجندة الإيرانيَّة.

 

وقفتْ إيران وراء حصول مرشَّح التحالف الوطني نوري المالكي على أغلبيَّة أصوات التحالف، فعندما اختلفت القوى السياسيَّة في التحالف فيما بينها حولَ ترشيح المالكي تدخلتْ طهران لتضغط على بعض القوى بهدف جَعْل المالكي يحصلُ على تأييد الأغلبيَّة داخل التحالف الوطني.

 

وكان منع القائمة العراقيَّة الفائزة في الانتخابات من تشكيل الحكومة تعبيرًا عما تمارسُه إيران من ضغوط، وهكذا فإن التدخُّل الإيراني يقفُ وراء معظم أوراق العمليَّة السياسيَّة اليوم في العراق.

 

ولم يكن غريبًا أن تتحدَّثَ التقارير الصحفيَّة في هذه الأثناء عن عودةِ مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري إلى العراق خلال الأيَّام القليلة المقبلة قادمًا من مدينة قِمّ الإيرانية التي يُقيم فيها بعد أن غادر العراق عام 2007 بحجة إكمال دراستِه في الحوزة تحت إشراف مرجع ديني عراقي مقيم في إيران، وبعد أن تردَّدَت وقتها أنباءٌ تقول بأن سفره كان بسبب خشيتِه الاعتقال بعد عمليَّات أمنيَّة واسعة نفَّذَتْها القوات العراقيَّة في مدينة الصدر، استهدفت ميليشيا جيش المهدي المواليَة له.

 

وإذا كان الصدر وتيارُه قد خدعَا البعض في وقتٍ من الأوقات على اعتبار أنهم تيار عروبي مدافعٌ عن انتماء العراق العربي، فإن ما حدث من ميليشيا جيش المهدي من ممارسات طائفيَّة وقتل على الهويَّة وتنفيذ الصدر لكل التعليمات الإيرانيَّة، جعل الكثيرين لا يستغربون أن يتراجعَ مقتدى الصدر عن معارضتِه الشديدة لتولي المالكي لفترة رئاسيَّة ثانية لأن الأوامر الطائفيَّة جاءتْ من إيران وما عليه إلا التنفيذ.

 

إن قرار ترشيح المالكي لولاية ثانية يعكسُ نجاح المشروع الشيعي الطائفي المدعوم بالكامل من إيران، والذي يحكمُ العراق على أُسُس طائفيَّة بحتة، وهو يؤكِّد أن الأمور أصبحت مكشوفة وفي العلن، فإيران لا تخجلُ من دورها الداعم للطائفيَّة الشيعيَّة، والطائفيون العراقيون لا يخجلون من هذه التبعيَّة بل يفاخرون بها، والمحتلُّ الأمريكي لا يزعجُه أن يغيِّر رؤاه، طالما كانت مصالحةً محفوظةً ومُصانة.

 

إدارة أوباما بَذَلتْ جهودًا ليست قليلة لدعم إياد علاوي ليصبح رئيسًا للوزراء خلَفًا للمالكي، قبل الانتخابات وبعدها، وعملتْ على تسويقِه في المحيط العربي، لكن إرادة إيران انتصرتْ، فخططتْ لترشيح المالكي وإفشال جهود ترشيح علاوي، ولما حدثت المفاوضات بين الاحتلالَيْن الإيراني والأمريكي رضيت واشنطن بترشيح إيران للمالكي.

 

في المنطق الأمريكي، لا يختلف علاوي كثيرًا عن المالكي، فالاثنان جَاءَا على ظهور دبابات الاحتلال، ولأن طائفيَّة المالكي كانت فجَّة، فقد أرادتْ واشنطن أن تلعب بورقة علاوي العلماني، خاصةً وأن قائمته والجبهة التي شكلها كانت نسبةٌ كبيرة منها سنيَّة، أضيف إليها بعض العلمانيين المعروفين بارتباطهم بالولايات المتحدة وبثقافتهم الأمريكيَّة، كما أرادتْ واشنطن أن تكسب من وراء علاوي ومن خلال تقديمِه على أنه سياسي غير طائفي يقدِّم الاعتبارات الوطنيَّة، ويؤمن بالعمق العربي.

 

حسبتْ إدارة أوباما أنها بعد الانتخابات البرلمانيَّة العراقيَّة سوف تتمكَّن من تجهيز الأمور إذا اضطرتْ لدخول حرب ضد إيران، عن طريق تقليص قواتِها في العراق والاكتفاء بأعدادٍ محدودة في القواعد العسكريَّة مع توفير عشرات الآلاف من المرتزقة، حتى لا تكون الرقبة الأمريكيَّة تحت المقْصَلة لو قامت الحرب، حيث ستأمرُ إيران الموالين لها في العراق باستهداف كل ما هو أمريكي.

 

لكن هذه الإدارة البرجماتيَّة قبلتْ بترشيح المالكي، بعد أن اطمأنتْ على مصالِحِها وأوضاعها الاستراتيجيَّة في العراق.

 

وفي النهاية أثبتتْ إيران أنها الأقوى في المعادلة العراقيَّة المعقَّدَة، لأنها ببساطة تمسكُ بتلابيب الداخل الإيراني، وتضمن الولاءَ الشيعي الكامل، وبيدِها دفَّةُ الأمور الأمنيَّة، وهي التي تستطيع تحريكَ المليشيات أو لَجْمها، بل إن قادة الجيش الذي كوَّنَتْه أمريكا موالون بالكامل لإيران.

 

لقد اعتقدَ الأمريكان أنهم بعد احتلالهم للعراق وعبثهم بمؤسَّسَاته قد صاغوا كل كبيرةٍ وصغيرة فيه، ونسوا أن كل ما فعلوه ما كان إلا تمهيدًا للأرض أمام إيران والنفوذ الإيراني الذي يجيدُ المناورات والتحالفات، فكل جهدٍ أمريكي كان الإيرانيون يجنون ثماره وليس الأمريكان.

 

والغريبُ أن إيران، رغم دورِها الواضح في الشأن العراقي، إلا إنها تحاولُ توريط الآخرين ومهاجمتهم، فهذا تقريرٌ إيراني يزعم أن طهران توصَّلت إلى معلومات من خلاياها في بغداد تفيدُ بأن المخابرات المصريَّة تتعاون سرًّا مع حزب البعث العراقي لدَعْم جماعة "مجاهدي خلق" المعارضة للنظام الإيراني ومدّها بأسلحة متطوِّرة لشنّ هجماتها "الإرهابية" ضد إيران.

 

ويقول التقرير الذي نشرتْه وكالة أنباء "فارس" الإيرانيَّة: إن هناك لقاءًا تم بين مدير المخابرات المصريَّة وصالح المطلك، النائب العراقي الذي كان على صلة بحزب البعث السابق.

 

وهكذا تترك إيران الواقع الفعلي الذي تتواترُ عليه الأدلَّة الحسيَّة المشاهدة والذي يؤكِّد سيطرة إيران على مفاصل الدولة والمجتمع في العراق، لتتحدثَ عن أدوار وهميَّة وقصص خياليَّة.

 

وإذا كانت هذه هي حقيقة الدورَيْن الأمريكي والإيراني في العراق، فإن الموقف العربي يدعو إلى الأَسَى والأسف، فالأمين العام لجامعة الدول العربيَّة عمرو موسى، بعد لقائه بإياد علاوي، يشدِّد على أن الجامعة لا تتدخَّل في شأن تشكيل الحكومة العراقيَّة لتفضيل طرف على طرف، فالجامعة تعمل على مساعدة كل العراقيين من مختلف الطوائف لقيادة العراق نحو مستقبل يشاركُ فيه الجميع.

 

فموقفُ الجامعة إذًا هو موقفُ المستسلم المنتظر المترقب لما سيكون عليه الأمرُ بعد تخطيط المخططين وتدخُّل المتدخلين، حتى إننا لم نسمعْ شجبًا للدور الإيراني، ولم نسمعْ دفاعًا عن عروبة العراق التي أصبحت سبَّة وجريمة في جبين أي عراقي يُجاهر بها.

 

والاستسلامُ العربي ليس وليدَ اليوم، بل وليد لحظة الدَّعْم للعدوان الأمريكي على العراق ثم تسليمه لإيران، وهو وليدُ خذلان المقاومة العراقيَّة وعدم مساعدتها، ولو كان العرب ساعدوا هذه المقاومة منذ بداية الاحتلال ولم يعترفوا بالحكومات التي أقامها الأمريكان وأعوانهم، لأصبح الآن الحال غير الحال، ولتمتْ محاصرة النفوذ الإيراني والوقوف في وَجْه استفحالِه.