خبر هل الولايات المتحدة تلعب دوراً بناءً في مسيرة السلام؟- نظرة عليا

الساعة 10:21 ص|07 أكتوبر 2010

هل الولايات المتحدة تلعب دوراً بناءً في مسيرة السلام؟- نظرة عليا

بقلم: زكي شالوم

هذا السؤال كان ينبغي ان يطرح فور خطاب الرئيس اوباما في القاهرة في حزيران 2009. علامة الاستفهام حوله تتعزز أكثر فأكثر بعد خطاب الرئيس اوباما في الجمعية العمومية للامم المتحدة في 23 ايلول 2010. ويتضمن الخطاب رسائل كفيلة بان تمس بتواصل مسيرة التباحث نحو التسوية بين اسرائيل والفلسطينيين.

الخطأ الاكبر للرئيس يكمن في مجرد قراره ان يضع في التوقيت المناسب المسألة الاسرائيلية – الفلسطينية تحت الاضواء. فقد كرس الرئيس الامريكي جزءا لا بأس به من خطابه لمشكلة الارهاب العالمي، للازمة الاقتصادية، للباكستان، للعراق ولمسألة ايران. ولكن الموضوع المركزي في خطابه كان المسألة الاسرائيلية – الفلسطينية. ويعرف الرئيس جيدا بانه لا توجد منصة ذات صدى دولي وتركيز للانتباه الدولي أعلى من الجمعية العمومية للامم المتحدة. وملزم الرئيس الامريكي ان يكون على علم بان مثل هذا الخطاب من على مثل هذه المنصة في التوقيت الحالي سيركز الانتباه في المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية الجارية الان.

هذا خطأ جسيم من الادارة الامريكية. الرئيس اوباما على على جيد في أن الامر الاكثر ضرورة للمفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية هو ان تدار بعيدا عن الكاميرات والاضواء. الرئيس يعرف جيدا – بل واعطى لذلك تعبيرا واسعا جدا في خطابه، في أن زعيم السلطة الفلسطينية، ابو مازن، وكذا رئيس الوزراء نتنياهو يتعرضان لضغوط شديدة من جانب محافل لا تروق لها مسيرة التسوية. هذه المحافل تفحص جيدا كل تصريح و "لغة جسد" لزعماء الاطراف من أجل منعهم من أي حركة في اتجاه التسوية.

في الجانب الفلسطيني يوجد ابو مازن في وضع حساس على نحو خاص. مدى صلاحياته وزعامته تخضع على أي حال تحت علامات استفهام كبيرة. قدرته على الصمود في وجه الضغوط وفرض إمرته على المحيطين به مقلصة جدا. وفي قذالته ينفخ كل الوقت زعماء حماس في القدس. وهؤلاء لا يخفون موقفهم من أن السير باتجاه التسوية مع اسرائيل تتعارض تماما والمصالح الوطنية للشعب الفلسطيني. من يعمل هكذا يسمونه "خائن" و "عميل مع الصهاينة". المنظمات التي تخضع لامرتهم لا تكتفي بالتعابير السلبية في هذا السياق. وهي تبذل كل جهد مستطاع كي تغرق المفاوضات في جداول من الدم وتحمل على وقفها وهي لا تزال في مهدها.

وبالتوازي، فان الجامعة العربية ايضا برئاسة عمرو موسى تضع غير مرة الاطواق في وجه زعامة ابو مازن وتجعل صعبا عليه السير في اتجاه الحل الوسط ناهيك عن انها اعطت منذ البداية "ضوء اخضر" للسلطة الفلسطينية للسير نحو المحادثات المباشرة مع اسرائيل. تصريحات عمرو موسى، الامين العام للجامعة العربية، ضد الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية تشكل مثالا بارزا على ذلك. مثال آخر هو اصرار عمرو موسى على وقف المحادثات المباشرة مع اسرائيل اذا لم يستأنف تجميد الاستيطان في 26 ايلول 2010.

في هذه الظروف، فان آخر أمر كان يريده ابو مازن هذه الايام هو وضع المفاوضات التي يديرها مع اسرائيل تحت الاضواء. وعلى فرض أن له مصلحة في تقدم التسوية مع اسرائيل، حتى وان كان بناء على شروطه، فينبغي الافتراض بان مصلحته العليا هي اجراء اتصالات كتومة، وبقدر الامكان سرية، مع ممثلي نتنياهو. كما ان حكومة نتنياهو لا تسهل عليه عمله في هذا السياق. فالتغطية المغطاة اعلاميا للقاءاته مع نتنياهو في القدس لا تضيف لابو مازن "نقاطا" في "الشارع العربي" وينبغي الافتراض بانها لا تروق له.

بالتوازي فان رئيس الوزراء نتنياهو هو الاخر يعيش تحت جملة ضغوط كبيرة من الداخل. رجال ثقته المقربين من داخل حزبه يهددون علنا باسقاطه اذا وافق على مواصلة تجميد البناء في يهودا والسامرة بعد 26 ايلول. شخصيات كبيرة في الائتلاف وعلى رأسهم الوزيران ايلي يشاي وموشيه بوغي يعلون يطوقونه بقول لا لبس فيه في أن التجميد لن يستأنف بعد الموعد آنف الذكر. وعلى فرض أنه له مصلحة في تقدم التسوية، فانه هو ايضا، كما ينبغي الافتراض، كان يود بان توجد المفاوضات تحت ساتر من البقاء في الظل قدر الامكان. خطاب اوباما يمنع عنه ذلك.

في خطابه دعا الرئيس اوباما الى استئناف تجميد الاستيطان في يهودا والسامرة. وبتقديري، فان مثل هذا الطلب على لسان الرئيس الامريكي من  على منصة الجمعية العمومية للامم المتحدة في التوقيت الحالي هو ذو آثار سلبية على استمرار المفاوضات نحو التسوية. وذلك لعدة اسباب:

1.     هل مطلب غير واقعي في التوقيت الحالي. رئيس الوزراء سبق أن تحدث بشكل لا لبس فيه بانه لن يكون تجميد اضافي للبناء في يهودا والسامرة. واوضح بانه مستعد لحل وسط ما بقوله انه "بين الصفر والواحد" يوجد مجال للمناورة. ولكن واضح انه لا يمكنه أن يقبل مطلب تكرار صيغة التجميد التي كانت حتى الان. قبول مثل هذا المطلب سيمس بشدة بمصداقيته حيال الفلسطينيين وحيال الساحة الدولية على حد سواء.

2.     اذا وجد نتنياهو نفسه تحت ضغط كبير لا يحتمل من الادارة ومن الاتحاد الاوروبي وقبل مطلب تجميد الاستيطان بالصيغة التي كانت حتى الان، يمكن الافتراض، بقدر كبير من المعقولية، انه ستقع هزة أرضة في الائتلاف، وفي نهاية المطاف، ستحسم الكنيست باتجاه انتخابات جديدة. مثل هذه العملية ستجعل المفاوضات "تعلق" لفترة طويلة.

3.     اذا ما رفضت حكومة نتنياهو مطلب الرئيس اوباما، فستتضرر مكانة الرئيس بشكل شديد في نظر العالم العربي بشكل عام، والفلسطينيين بشكل خاص. منذ تسلمه مهام منصبه، يعلق به الفلسطينيون آمالهم في أن يخرج نيابة عنهم الكستناء من النار وان يسمح لهم بالحصول على مبتغاهم دون ان يضطروا الى اعطاء مقابل لا يطاق من ناحيتهم. الان، اذا ما استؤنف البناء في يهودا والسامرة حقا، حتى ولو بشكل محدود، ستزداد الشكوك في اوساط الفلسطينيين بالنسبة لقدرة اوباما على "توفير  البضاعة" لهم.

4.     عرض مطلب تجميد الاستيطان يمنع عمليا الفلسطينيين من ابداء المرونة في مواقفهم في هذه المسألة. واضح للجميع ان الفلسطينيين لا يمكنهم أن يسمحوا لانفسهم بان يكونوا اكثر اعتدالا في مطالبهم من اسرائيل من الرئيس اوباما. اذا ما حققوا تهديداتهم بوقف المحادثات، فسيتوقف الزخم الذي نشأ مؤخرا، ومن يدري متى اذا ما حصل هذا، سيتجدد.

5.     طرح هذا المطلب يضعضع أكثر فأكثر مصداقية ادارة اوباما في نظر القيادة في اسرائيل. قبل ذلك أيضا تضررت مصداقيته بسبب عدم رغبته في الاعتراف بالتفاهمات التي كانت لاسرائيل مع ادارة الرئيس بوش. الان، كما يتبين، فان التفاهمات التي تمت معه ايضا تصبح غير ذات صلة كلما اقتربت ساعة الاختبار. وكما هو معروف فان التفاهم على التجميد على مدى عشرة اشهر تم مع المبعوث ميتشل ومع الرئيس نفسه. وعلى أي حال يطرح السؤال ما هو المعنى من الوصول الى تفاهمات مع الادارة عندما تتنكر هي ذاتها لها بهذا الشكل الفظ.

بالتوازي ينبغي التشديد على ان خطاب الرئيس اوباما تضمن تصريحات جد قاطعة وعاطفة تجاه دولة اسرائيل والضمانة الامريكية للحفاظ على أمنها. وتجدر الاشارة الى أن ادارة الرئيس اوباما لا تكتفي فقط بالكلمات في هذا السياق. وبقدر ما يمكن الحكم على الامور، على المستوى الامني – الاستراتيجي تعززت علاقات اسرائيل مع الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق تحت ادارة الرئيس اوباما. وبالتوازي، تضمن خطاب الرئيس تصريحات شديدة ضد الارهاب الذي تمارسه منظمات فلسطينية ضد اسرائيل ومواطنيها. كما أن من المهم الاشارة الى مطلب الرئيس من الدول العربية تجسيد عملية التطبيع مع اسرائيل وفقا لروح مبادرة السلام العربية.

فضلا عن ذلك، لا يمكن الامتناع عن أخذ الانطباع بان المطلب الاكثر ملموسية طرح على دولة اسرائيل وحكومة نتنياهو – استمرار تجميد الاستيطان. بين جملة الثناء والمديح للقيادة الفلسطينية لم يجد الرئيس من الصواب ان يطرح عليها ايضا مطالب ملموسة مثل تلك التي طرحها على اسرائيل. بقدر ما يمكن أخذ الانطباع، فان النتيجة هي أنه في اوساط دوائر واسعة في دولة اسرائيل، ولا سيما في قيادة الدولة يتسع الاحساس بان الرئيس يتخذ موقفا غير متوازن في طالح اسرائيل في كل ما يتعلق بمسيرة التسوية مع الفلسطينيين. هذا الاحساس هو الذي يشرح، بتقديري، عدم العطف في اوساط دوائر واسعة في اوساط الجمهور الاسرائيلي تجاه الرئيس اوباما. ادارة الرئيس اوباما على علم جيد بذلك وهي قلقة من ذلك. مساعدوه أوضحوا غير مرة بانه دون مستوى عال من الثقة والعطف في الجمهور الاسرائيلي تجاه الادارة والرئيس سيكون من الصعب التقدم في المسيرة السلمية.

وعلى أي حال، فان هذا الوعي لا يترجمه الرئيس الى "أفعال على الارض" في كل ما يتعلق بالمسألة الاسرائيلية – الفلسطينية. خطاب الرئيس اوباما في الامم المتحدة هو مثال آخر على ذلك.