خبر الديّانيّة حيّة موجودة- معاريف

الساعة 10:19 ص|07 أكتوبر 2010

الديّانيّة حيّة موجودة- معاريف

بقلم: أودي منور

إن الكشف عن محاضر جلسات تلك الحرب الفظيعة مبارك جدا. لانه يفترض أن يكون المجتمع السليم قادرا على مواجهة ماضٍ غير مُطرٍ لقادته، وأن يفهم على نحو أفضل بواسطة مصادر من الطراز الاول ما حدث وماذا كانت الامكانات. لأن السياسة تتناول هذا: الامكانات وطريقة بت أيها يتم اختياره. بعبارة اخرى، دراسة سياسة الماضي أداة مركزية لتحسين السلوك السياسي في الحاضر والمستقبل. هذا الادراك البسيط غير المقدر بقدر كافٍ حيوي لا لأحداث حاسمة فقط مثل حرب يوم الغفران، بل بالأساس للمسارات الجارية العادية للسياسة.

أحد هذه المسارات الذي نُسي أو أُنسي، هو السياسة التي قادها بعد حرب 1967 نفس وزير الدفاع الفاسد في حرب 1973 أي موشيه ديان. فبعد حرب الايام الستة مباشرة قامت اسرائيل في وضع عجيب. فقد قررت حكومتها من جهة أن تعيد اراضي عوض اتفاق سلام يكون قائما على الاعتراف بوجودها. ومن جهة ثانية أعلن العالم العربي "اللاءات الثلاث" المشهورة: لا للسلام ولا للاعتراف ولا للتفاوض مع اسرائيل. في مقابلة ذلك شجعت الدول العربية نشوء منظمة التحرير الفلسطينية، التي عرضت نفسها على أنها الجهة الوحيدة التي لم تهزمها اسرائيل في حرب الايام الستة. على خلفية هذا الجمود السياسي، استعمل وزير الدفاع موشيه ديان سياسة عدم التدخل في المناطق المحتفظ بها.

كان معنى هذه السياسة العملي تعريض الضفة الغربية لتطرف منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان يعني التحقق من قتل كل امكانية لنشوء قوى معتدلة في المناطق. وفي الحقيقة كان عدم تدخل ديان كل شيء سوى عدم التدخل. فقد تدخل ديان ورجال تنفيذه في الميدان – وعلى رأسهم اللواء (احتياط) شلومو غازيت – لمصلحة تطرف مؤيدي منظمة التحرير الفلسطينية. وكانت علّة ذلك مزدوجة: 1- الحديث عن "عرب أصيلين"، و2- هذا شأنهم الداخلي. أسهم هذان الزعمان اللذان لا أساس لهما في صورة ديان العامة الليبرالية – الانسانية.

اعتمدت هذه الصورة على وسائل اعلام مشايعة من النوع الذي لم يزُل حتى هذا اليوم. والثمن الذي دفعته مسيرة السلام معلوم للجميع. ليس أبو  مازن عربيا أقل "أصالة" من خالد مشعل، والصراع الفلسطيني الداخلي من شأن اسرائيل، كما يمكن أن نعلم قبل كل شيء من قضية جلعاد شليط. كانت طريقة ديان العامة المعوجة – مطاردة النساء والسطو على الآثار – مجدا اذا قيست بطريقته السياسية المعوجة. سيعرض مؤيدوه هذين الجانبين على نحو عكسي. فهم يرون ان الحديث عن مولود في البلاد مشاغب من ناحية عامة وعن عبقري سياسي وخبير استراتيجي عسكري لم يبلغ أحد من أبناء جيله عقبيه.

الطريقة الصحيحة لاستيضاح الأمر هي النظر الجدي الشامل في الماضي السياسي والعسكري لاسرائيل. السؤال المركزي الذي ينبغي أن نسأله هو ماذا كان الوضع الأساسي، وماذا كانت الامكانات الواقعية لمواجهته. والسؤال التالي هو ماذا فعل وكلاء الرأي العام – رجال الاكاديميا أو الصحفيون الكبار في الأساس – من اجل أن يعرضوا على الجمهور الاسرائيلي هذين السؤالين المركزيين. إن محاضر جلسات حرب يوم الغفران مهمة ودراماتية لكنها جزء صغير فقط من القضية.

انتهت الحرب، وبرغم معارضة ديان ومتابع نهجه شمعون بيرس، أحرز السادات أهدافها. فقد وصلت اسرائيل بوساطة الاتفاقات المرحلية التي وقعت في ايلول 1975 بعد ذلك بثلاث سنين الى شاطيء الأمن السياسي: الى السلام المستقل القائم على الاعتراف المتبادل مع أهم الدول العربية. والجزء الذي لا يقل عن ذلك أهمية – آثار الحرب على الفلسطينيين – ينبغي أن ندرسه من مصادر اخرى. لا من محاضر الجلسات هذه، بل من النظر في الصفحات المصفرة للصحف اليومية منذ 1967 الى يومنا هذا. إن من أفرحه وبحق موت الديّانيّة في كل ما يتعلق بالتصور العام الذي أفضى الى مأساة تشرين الاول 1973، سيفعل الصواب اذا فحص أما تزال الديّانيّة حية موجودة في السياسة والاعلام الاسرائيليين في هذه اللحظات حقا.