خبر الخطر الديموغرافي الفلسطيني بين دعاة التسوية وأنصار أرض إسرائيل الكاملة

الساعة 04:08 ص|04 أكتوبر 2010

الخطر الديموغرافي الفلسطيني بين دعاة التسوية وأنصار أرض إسرائيل الكاملة

حلمي موسى

منذ نشأة الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، كان جليا البعد الديموغرافي في تطلعاتها حين أشاعت فكرة «أرض من دون شعب لشعب من دون أرض». وقد انتقلت في تكتيكاتها لتجسيد الحلم الصهيوني من ترسيخ مواطئ القدم إلى التمدد ثم السيطرة ومن بعد ذلك تأكيد السيادة. وليس صدفة أنه في الوقت الذي انشغل فيه العالم بعد الحرب العالمية الثانية بالمسألة اليهودية وتقسيم فلسطين، كانت الحركة الصهيونية تخطط لعملية التطهير العرقي في حرب 1948.

فمشروع التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، والذي كان ظالماً في جوهره بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة يشكل العرب فيها 99 في المئة والثانية بنسبة تصل إلى النصف، حاول الاستناد إلى بعد ديموغرافي. وعمدت قوات الهاغاناه وباقي المنظمات الحربية اليهودية ليس فقط إلى توسيع حدود الدولة اليهودية واحتلال أكثر من نصف ما خصص للدولة العربية، بل إلى طرد أهلها العرب منها. وهكذا لم يبق في الحدود الموسعة لدولة إسرائيل بعد اتفاقية الهدنة عام 1949 إلا حوالى مئة وعشرين ألفا وتم طرد حوالى مليون فلسطيني من بيوتهم.

ومن الطبيعي أنه وقف خلف هذا التصرف إدراك ديموغرافي بعيد المدى. وبعد حرب العام 1967 مارست إسرائيل عملية طرد جماعي منظم بإفراغ مخيمات أريحا في غور الأردن من سكانها وتشجيع الكثير من سكان القرى المجاورة على النزوح إلى شرقي النهر. كما نظمت أوسع عملية ترحيل سرية للاجئين من قطاع غزة إلى الضفتين الشرقية والغربية.

ورغم ذلك ومع مرور الوقت بدا أن كل ما فعلته إسرائيل على هذا الصعيد لم يكن كافياً. فالخطر الديموغرافي الذي كان مستترا سرعان ما بدا يطفو على السطح. ويمكن القول إنه غدا عاملاً يزداد أهمية بقدر ما صار الخيار الفلسطيني بديلاً لخيارات الحل السياسي الأخرى. ولا يصعب ملاحظة أن دعاة «الحل الإقليمي» والتخلي عن المناطق التي تقطنها أغلبية فلسطينية صاروا يبرزون خطورة تجاهل البعد الديموغرافي.

وصار اليسار على وجه الخصوص أبرز من يشدد على أن المحافظة على الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية يستدعي أولا وقبل كل شيء التخلص من السيطرة على العرب في الضفة والقطاع. فاستمرار السيطرة عليهم يعني مواصلة التدهور الأخلاقي وتردي صورة إسرائيل أمام العالم لأن الخيار الآخر هو منحهم حقوقاً متساوية وهو ما لا تقدر إسرائيل على فعله. وفي نظرهم كان منح الحقوق يساوي تدمير المشروع الصهيوني.

وبالمقابل اندفع اليمين الرافض للحل الإقليمي للاستخفاف بالعنصر الديموغرافي وتصويره على أنه ليس أكثر من أسطورة. ورأى بعض أنصار اليمين المتشدد أن إسرائيل التي تزداد تديناً تتجه بشكل أبرز لتقليص الفارق في معدلات الخصوبة. وبالمقابل آمن عدد من أنصار اليمين المنفتحين أنه مع منح حقوق متزايدة للعرب وتحسين ظروفهم المعيشية فإن معدلات الخصوبة عندهم سوف تقل. ولكن هذه الأفكار ظلت على هامش المواقف الأساسية التي حاولت في أوساط اليمين التعامل مع «الخطر الديموغرافي».

ويمكن القول إنه بشكل متزايد بدأت فكرة «الترانسفير» وطرد الفلسطينيين تخرج من السر إلى العلن. وفي مطلع الثمانينيات تشكل حزب «موليدت» برئاسة الجنرال رحبعام زئيفي وحمل علنا راية طرد العرب بعد أن كان التلويح بهذه الراية حكراً على أنصار الحاخام العنصري مئير كهانا. وسرعان ما ارتدت هذه الدعوة لبوساً آخر في آراء أحزاب قائمة وأخرى جديدة وبينها موقف حزب «إسرائيل بيتنا» الداعي إلى تبادل السكان.

ورغم أن الحديث عن الخطر الديموغرافي كان على الدوام جزءاً من السجال الداخلي الإسرائيلي العلني والمستتر إلا أنه مع التوقيع على اتفاقيات أوسلو صار مسألة أمن قومي. وفي العام 2002 خرج رئيس هيئة الأمن القومي الجنرال غيورا آيلاند ليعلن أن اليهود في العام 2020 سيفقدون الأغلبية في المنطقة بين البحر ونهر الأردن. وحينها ظهر إلى العلن خبراء في الديموغرافيا مثل أرنون سوفير يعرضون النظريات العنصرية عن الخطر الديموغرافي.

ومؤخرا تواصل السجال على مستوى الفكر السياسي بين مدرستين في إسرائيل بشأن الخطر الديموغرافي. وكتب البروفيسور شلومو أفنيري في «هآرتس» مقالة بوحي من نشيد «بلادي.. بلادي» متخيلا فيه أن يوماً سيأتي وتقرر فيه الكنيست «إلغاء كل إشارة للمقوم اليهودي في إسرائيل»، وأن «تزال صورة هرتسل عن جدار المجلس التشريعي» واستبدال رموز الدولة وعلمها وكذلك نشيد «هتكفا». ويذهب أفنيري في النهاية إلى حد الإشارة إلى أن الفلسطينيين من سكان الدولة العبرية سيطالبون بتغيير اسم الدولة من إسرائيل إلى فلسطين.

ويمكن القول إن مقالة أفنيري، في جوهرها كانت تحذيراً لدعاة تجاهل البعد الديموغرافي والمطالبين باستمرار السيطرة على العرب بل الاستعداد لقبول منحهم حقوق المواطنة. وثمة من فهم كلام أفنيري على أنه دعوة لإيجاد حلول قبل أن يغدو الحل مستحيلا نتيجة فرض وقائع على الأرض.

ولكن وزير الدفاع الأسبق الليكودي موشيه أرنس رفض هذه الفكرة في مقالة نشرها قبل أيام في «هآرتس» أيضا. وكتب مؤيدا فكرة مدقق الحسابات اليميني يورام أتينغر الذي يرى أن «الشيطان الديموغرافي ليس فظيعا كما يزعمون». ومن المعروف أن أرنس يؤيد استمرار سيطرة إسرائيل على مدن الضفة الغربية وقراها ولا يمانع في منح الجنسية الإسرائيلية لسكانها. وهو يعتبر أن التهويل في الخطر الديموغرافي يرمي إلى «إخافة الإسرائيليين الذين يحجمون عن الانفصال عن قلب أرض إسرائيل كي يوافقوا على هذه المصالحة «المؤلمة». ويعتبر أرنس أن المعطيات الديموغرافية الأخيرة تثبت صحة وجهة نظر الرافضين لمبدأ «القنبلة الديموغرافية» والخطر الديموغرافي.