خبر عندما يمعن نتنياهو في إذلال أوباما ..ياسر الزعاترة

الساعة 05:11 م|03 أكتوبر 2010

عندما يمعن نتنياهو في إذلال أوباما ..ياسر الزعاترة

لم يتعرض رئيس أمريكي إلى هذا المستوى من الإذلال الذي تعرض ويتعرض له أوباما أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو منذ شهور، تحديداً منذ اشتراطه وقف الاستيطان من أجل استئناف مفاوضات السلام، ثم تنازله عنه وتوجيه ضغوطه نحو قيادة السلطة من أجل إعادتها إلى طاولة المفاوضات المباشرة دون تلبية الشهر المذكور.

 

لم يشترط أوباما وقف الاستيطان إلا عندما اعتقد أن بوسعه فرض رأيه، فيما لم يكن بوسع نتنياهو القبول بذلك لأن أسلافه جميعاً فاوضوا وسعروا الاستيطان في ذات الوقت، وآخرهم أولمرت الذي كانت حكومته الأكثر نشاطاً على هذا الصعيد.

 

ما إن تورط أوباما في هذه اللعبة حتى انهالت عليه الضغوط من أعضاء الكونغرس، بمن في ذلك الديمقراطيون منهم، فيما بدأت الحملة تأخذ أشكالاً شتى مثل الحديث عن أصوله المسلمة، وهو ما أقنعه بعجزه عن مواجهة اللوبي الصهيوني، ثم ازداد الموقف سوءا حين أخذ موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس يقترب شيئاً فشيئاً (تشرين الثاني المقبل) مبشراً بهزيمة كبيرة لحزبه في حال أصر على الصدام مع نتنياهو.

 

والحق أن أوباما لم يتورط في مواجهة نتنياهو إلا بعد حصوله على دعم من طرف جنرالات البنتاغون الذين يرون أن أي تصعيد في الملف الفلسطيني سيؤثر على جنودهم في العراق وأفغانستان ومصالح بلادهم في المنطقة، لكنهم ما لبثوا أن تراجعوا هم أيضاً، بخاصة عندما بدأت فضائح جيشهم تتوالى من خلال وثائق يبدو أن دوائر صهيونية هي التي سربتها (وثائق ويكيليكس).

 

نتنياهو بدوره، ولكي يحافظ على ائتلاف الحكومي من جهة، مع عدم إعطاء انطباع بأنه لا يتراجع أمام الضغوط الخارجية من جهة أخرى، لم يوافق على تمديد تجميد الاستيطان. أما أوباما الذي أدرك عدم قدرته على الضغط على نتنياهو في ذات الوقت الذي يريد المفاوضات لاعتبارات تهدئة المنطقة، لم يجد غير الإغراءات يقدمها لنتنياهو على أمل أن تمنحه النتيجة التي يريد.

 

الإغراءات الأمريكية بحسب صحيفة "إسرائيل اليوم" كانت كالتالي: "الامتناع عن المطالبة بتجميد آخر للبناء في المستوطنات، وجود فترة انتقالية بين الاتفاق المرحلي والاتفاق الدائم، مرابطة قوات إسرائيلية في غور الأردن في الفترة الانتقالية، تعهد بالتعاون الأمني في السياق الإيراني، تحسين القدرة الدفاعية لإسرائيل في إطار التسوية الدائمة، دفعة كبيرة من الصواريخ والطائرات المتطورة، فيتو تلقائي في صالح إسرائيل في مجلس الأمن ضد أي محاولة عربية لإعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد، إعلان بشأن شرعية الرد الإسرائيلي في غزة ولبنان".

 

صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية نقلت عن أحد أعضاء الكونغرس قوله: "من كتب هذه الوثيقة ليس سوي العقل. إذا كان هذا ما يبدي الرئيس الأمريكي استعدادا لإعطائه لإسرائيل مقابل تجميد البناء في المناطق لستين يوماً، فما الذي سيتعهد بإعطائه مقابل اتفاق سلام شامل؟".

 

أياً يكن الأمر، فإن المفاوضات ستستأنف، أكان اليوم أم غداً أم بعد أسابيع، والأرجح أن نتنياهو سيحصل على ما ذكر أعلاه أياً يكن موقفه، وسيكون على أوباما الضغط على محمود عباس من أجل أن استمرار المفاوضات، وذلك بعد تأمين ضغط مماثل على مصر كمرجعية عربية، والنتيجة أن نتنياهو سيأخذ الجزرة من دون دفع الثمن.

 

لذلك كله دلالات سياسية بالغة الأهمية أولها أن أي تعويل على موقف أمريكي متوازن من الملف الفلسطيني هو ضرب من الهذيان، أما ثانيها فيتمثل في بؤس الموقف العربي، والمصري على وجه التحديد، ثم وهو الأهم بؤس الموقف الفلسطيني الذي لا يمكنه الاستغناء عن المفاوضات لأنها حاجة ماسة بالنسبة إليه لكي يبرر مضيه في برنامج التنسيق الأمني والسلام الاقتصادي وسلطة (الأمن مقابل المعونات)، وهو البرنامج الذي يذهب في اتجاه تأبيد النزاع دون التوصل إلى حل لقضايا ما يسمى الحل النهائي وفي مقدمتها القدس واللاجئين.

 

المصيبة هي كيفية الرد على هذا البؤس المزمن على مختلف الصعد، وقد كان مفاجئاً أن تقوم حماس ببث إيحاءات بتقدم في مسار المصالحة، وهو ما يمكن القول إنه جاء نتاج ضغوط كبيرة، أكان من القاهرة التي تمسك بخناق القطاع، أم من سوريا التي ربما أوحت للحركة وقوى المقاومة المقيمة في دمشق بعدم قدرتها على استيعاب نشاطات معارضة قوية للمفاوضات في ظل حاجة واشنطن الماسة إليها، وضغوطها على دمشق تبعاً لذلك.

 

مشهد بالغ السوء من دون شك، وهو استمرار لما يجري منذ العام 2003، لكن الذنب الأكبر يقع على من اختطفوا حركة فتح ومنظمة التحرير وقيادة الفلسطينيين بدعم الخارج، من دون تبرئة الوضع الرسمي العربي، ومن دون تبرئة حماس التي تورطت في انتخابات في ظل أوسلو، الأمر الذي جعل مواجهتها لما يجري ضعيفة إلى حد كبير، بخاصة بعد الحسم العسكري الذي أطلق يد السلطة في الضفة دون رقيب ولا حسيب، مع استغلال بشع لمشاعر الثأر لدى عناصر حركة فتح.

 

صحيفة الدستور الأردنية