خبر تركيا.. البروتوكول والشارع ..أيمن خالد

الساعة 08:59 ص|02 أكتوبر 2010

تركيا.. البروتوكول والشارع ..أيمن خالد

القدس العربي - اللندنية

مع إطلالة الجمهورية الثانية، ولكي يرى الإستراتيجيون الجدد شكل الغلاف السياسي القادم، تظهر إشكالية الممكن والمتاح، في ظل تحديات صعبة يمارس صنعها كعقبات في الطريق، أساتذة من نوع متخصص، هاجسهم إرباك هذه الجمهورية، ما لم يدرك أصحاب الجمهورية الجدد، أن الطريق لا يزال طويلا، ومن جانب آخر، أجزم أن لدى حزب العدالة وحلفائه الجدد من البرامج، ما يجعل اختصار الطريق ممكنا، وما يجعل تفكيك بُنية هذه الجمهورية أمراً صعب المنال على الخصوم.

الجيش قوة صعبة ومعقدة التركيب، ومع أن زمن الانقلابات في تركيا لم يعد ممكناً، لكن الجيوش التي تؤثر في اللعبة السياسية، تستهويها الفوضى أحيانا، كما هي في العديد من دول العالم المتخلفة، فالديمقراطية التي يحميها الجنرالات هي أشبه بمدرسة أطفال محاطة بأسلاك شائكة لا بجدران ناعمة.

فحتى تنجح تركيا عليها أن تغير عقيدة الجيش، فوضع الجيش بمكانه الصحيح يمكن أن يجعل الجمهورية تنطلق إلى الامام، وبقاء الجيش يؤدي وظيفة الحارس للمعتقل، لن يجعل منه سوى خصم لطموحات الأجيال الجديدة، التي باتت تستهويها فكرة تركيا ذات الدور السياسي الكبير، خصوصا ان الانكماش بات يضرب القوى التي تفقد دورها السياسي. وبالتالي فالمهمات الجديدة تستوجب إعادة تشكيل الجيش وإشغاله بمهمات داخلية وعملية، هي أفضل بكثير من خداع الجيش وإيهامه بأنه حارس الدستور وغير ذلك، فالجيش في تركيا يملك طريقين، الأول حماية الدولة وتأمين الاستقرار، والثاني عليه أن يعمل على تطوير قدراته وتحديثها بشكل جيد.

ففي الوقت الذي تسعى جيوش عديدة في المنطقة نحو تطوير نفسها واستحداث معداتها بخبرات ذاتية، كما هي إيران مثلا، فهذه بحد ذاتها رسالة يجب أن يعيها الأتراك جيدا، وبالتالي على الجيش أن يفكر بصناعة الحد الأدنى من حاجاته من المعدات العسكرية، وضرورة إعادة إنتاج عقلية الجيش، الذي عليه أن يدرك أن أعداء تركيا هم ليسوا أبناء البلد، حتى لو اختلف معهم وحتى لو اختلفوا معه، لأن الذين يريدون مزيداً من الحرية في تركيا، هم أتراك يحبون تركيا ويؤمنون بها ولا يعرضونها للبيع.

ليس صحيحاً أن ينتظر الجيش في تركيا طائرات إسرائيلية وغيرها لكي يدافع عن أمن تركيا، بل يتوجب على الجيش وجنرالاته أن يفهموا أن إدخال التكنولوجيا وصناعة الممكن والاستعداد لغير الممكن، هي أهم رسالة تنتظرها منهم الأجيال القادمة والحالية، فمسألة تعليم الجنود على قيادة الطائرات، هذه مسألة بسيطة لا قيمة لها في علم العسكرية، أمام الأهم وهو أن تكون هذه الطائرة مجرد أداة صغيرة ينتجها الجيش، وهي بالتأكيد ستحمي تركيا، ستحمي القانون والدستور، فالذين يريدون تحرير تركيا من هيمنة العقول الآسرة للحرية هم الذين سيجعلون هذا الجيش الحامي الحقيقي، وأما حماية الجنرالات فإنها لا تصنع أمة حرة. مطلوب من القوى الحاكمة في تركيا، والمتمثلة في حزب العدالة، أن تتجاوز فكرة الحكم من خلال الاعتماد على الحزب الواحد، والتوجه نحو برنامج يجتمع عليه مختلف قوى الشعب، بمعنى أن المناصب القيادية ليس بالضرورة أن يتم توزيعها بعد أي انتخابات وفق القاعدة الحزبية، وهذا سوف يعمل على توسيع برنامج هذا الحزب، بحيث يتحول إلى حزب جامع، يدخل فيه مختلف طبقات وفئات وقوميات تركيا، ومع أن هذا هو جوهر حزب العدالة من الداخل، لكن تركيا معنية أن ترى أكثر من داوود اوغلو، فوجود خبراء من خارج النظام الحزبي يؤسس لجمهورية متماسكة قوية قادرة على التوجه نحو الخارج بعقل منفتح، وقادرة على أن تحل مشاكل الداخل بقوة اتفاق الأطراف المتناقضة وفق برنامج يختاره الجميع.

إذا نجحت الحكومة الحالية بصناعة برامج تجذب المزيد في صفها، فهذا سيعيد إنتاج مختلف أحزاب تركيا بشكل جديد، فبمقدار ما تنجح فيه السلطة الحاكمة الآن المتمثلة في حزب العدالة والتنمية، فان الذي سيحدث في المعسكر المعارض هو مزيد من الانشقاقات، ولذلك فمستقبل العديد من القوى في المعارضة سيكون حالة من التمزق والانشقاقات، لان ما تطرحه هذه القوى من برامج لا يرقى إلى مستوى الشارع.

فالحرية هي ضمانة الأمم، ولعلنا نشاهد أن أكثر الدول التي يتكلم بها السياسيون والزعماء لا نجد للمفكرين أو للإعلام والصحافة فيها أي دور، وأما الدول التي يتكلم بها الإعلاميون فآخر الناس فيها كلاما هم الزعماء.

كل ما يهمنا من المسألة التركية مسألة واحدة، هي أين نحن من هذه القوى التي تتصارع، لكنها في نهاية الأمر جعلت الشارع هو الحكم، وأما نحن، فلا نزال نتصارع على اعتقال الشارع وتقييده بالسلاسل.

كاتب فلسطيني