خبر مصر و«حماس»: علاقة بالإكراه قائمة على الحذر ..علي بدوان

الساعة 11:49 ص|29 سبتمبر 2010

مصر و«حماس»: علاقة بالإكراه قائمة على الحذر ..علي بدوان

جاء اعتقال القيادي في حركة «حماس» محمد دبابش من قبل الأجهزة الأمنية المصرية مؤخراً ومن ثم الإفراج عنه بعد أيام، ليثير عدداً من المواضيع المتعلقة بالعلاقات بين حركة حماس ومصر، وبما أسمته بعض قيادات حماس في غزة سياسة «التصعيد التي تنتهجها القاهرة ضد حماس في فترات معينة» والتي أوصلت العلاقات بين الطرفين إلى «في أسوأ مراحلها»، في توتر «لا يخدم أبداً العلاقات الفلسطينية المصرية»، خصوصاً وأن عدداً من القيادات العسكرية لحركة حماس مازالوا إلى الآن في السجون المصرية لأسباب غير مفهومة وفق أغلب المصادر المسؤولة في حركة حماس ومنهم القيادي في كتائب القسام أيمن نوفل.

 

وترافقت تلك التطورات مع اجتماعات عقدت في مكة المكرمة في العشر الأواخر من رمضان المبارك بين خالد مشعل ورئيس المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان، وعلى أثر تلك اللقاءات تم ترتيب لقاء دمشق الذي عقد قبل أيام وجمع قيادات من حركة فتح وحركة حماس، وهو الأول من نوعه منذ انقطاع جلسات الحوار الفلسطيني في القاهرة. وقد لوحظ بأن مصر باتت الآن تتحدث عن ورقة المصالحة بطريقة مغايرة، غادرت فيها مواقع (القدسية) لصالح إدخال تفاهمات ملحقة عليها كما كانت تطالب معظم القوى الفلسطينية.

 

محطات في العلاقات بين حماس ومصر

 

ففي محطات العلاقة بين مصر وحماس يدرك كل مراقب للعلاقة بأنها سيئة في غالب الأحوال، وتزداد سوءاً أحياناً كثيرة، وتقل سوءاً في أحايين أخرى ولكنها سيئة بكل الحالات، ويرافقها دوماً تبادل للشك والريبة وفقدان للثقة المتبادلة، بينما بدا التأرجح المتواصل فيها متصلاً دائماً ولو بخيط رفيع في أسوأ اللحظات، حيث تدرك مصر بأن أمنها القومي يمتد إلى قطاع غزة حيث يتنامى مشروع إسلامي «مبهم» من الوجهة المصرية في قطاع غزة وجنوباً من مصر. وتدرك أيضاً أن الوصول إلى قطاع غزة يفترض بالضرورة وجود علاقة مباشرة مع حركة حماس حتى ولو وصلت التباينات معها إلى درجة كبيرة. كما تدرك حركة حماس في الوقت ذاته بأن المعبر الوحيد لموقع أساسي من مواقع انتشارها ووجودها على الأرض (قطاع غزة) يمر عبر البوابة المصرية، ففرضت الجغرافيا دكتاتوريتها على الواقع العام الذي تواجهه حركة حماس، خصوصاً في ظل الحصار الإسرائيلي والكماشة المطبقة على قطاع غزة بقرار إسرائيلي.. وعربي أيضاً.

 

فقد صاغت مصر الرسمية علاقاتها مع حركة حماس على أساس مخاوفها المعتادة من الحركة الإسلامية الإخوانية، وخشيتها من أن نجاح نموذج حركة حماس قد يؤثر على وضعها الداخلي لما يقدمه من جرعات تشجيع وتحفيز لحزب «الإخوان» المسلمين في مصر، أو من حيث إضعاف المسارين اللذين يتبناهما النظام في مصر (المسار العلماني الموالي للغرب ومسار التسوية القائمة بصيغتها المعروفة). وفي هذا المجال لا تغيب انعكاسات حالة الخصام والعلاقة المتوترة الدائمة بين النظام المصري والإخوان الـمسلـمين في مصر على العلاقة مع حركة حماس، وهم الذين تربطهم علاقات استراتيجية مع حماس، في الوقت الذي طمأنت فيه حركة حماس مصر الرسمية عبر أكثر من مناسبة، مؤكدة أن مشروعها المقاوم مستقل ومركز في الداخل الفلسطيني، وأنه ينبغي أن يُنظر لفعلها المقاوم كعامل ضغط لانتزاع الحقوق الفلسطينية وليس العكس. ومع ذلك فمصر الرسمية تتعامل بحساسية شديدة مع الحركات الإسلامية، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالإخوان المسلمين الذين يمثلون المعارضة الأقوى في الداخل المصري، والوريث المحتمل للنظام، والذين تعترف حركة حماس بالانتماء إليهم روحياً وعقائدياً وتتمثل فيهم القيم والأهداف البعيدة. وعلى هذا فقد كان صعود حركة حماس واتساع شعبيتها وفوزها في الانتخابات التشريعية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2006 أمراً غير مرغوب من الوجهة الرسمية المصرية.

 

لكن مقتضيات العمل المصري في الساحة الفلسطينية جعلت الجهات المعنية في مصر تتجنب الدخول في أي صراع مكشوف وشفاف مع حركة حماس. فمصر يحكمها نظام علـماني عقد معاهدة سلام مع الدولة العبرية الصهيونية، وتربطه أكثر من علاقة صداقة مع الولايات الـمتحدة الأميركية، ويدعم هذا النظام اللون المسيطر على زمام الأمور في الجناح التقليدي للحركة الوطنية الفلسطينية القابض على سلطة القرار في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية التي تعيش أزماتها الصعبة مع حركة حماس. ومن جهة أخرى فإن مصر اختارت مسار التسوية والسلام مع «إسرائيل» وتدعم القوى الفلسطينية التي اختطّت مساراً مماثلاً، وترى أن العمل المقاوم في هذه المرحلة لا يخدم الواقعية السياسية، ولا يفهم حقيقة موازين القوى على الأرض، والتي تقتضي العمل من خلال الوسائل الدبلوماسية فقط، لانتزاع جانب من الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية على الضفة والقطاع.

 

الشراكة بالإكراه

 

ومع ذلك، إن البراغماتيا السياسية تفرض نوعاً من الشراكة ولو كانت مقيتة بين مصر وحركة حماس، فمصر هي التي تقف على الحدود مع غزة وتشكل البوابة العربية الوحيدة نحوها عبر تحكمها بمعبر رفح، الشريان الحيوي لقطاع غزة، بالرغم من ارتباط مصر باتفاقية الـمعبر (السيئة والمجحفة بحق الفلسطينيين) التي عقدت عام 2005، فهذه الاتفاقية جعلت معبر رفح معبراً إقليمياً دولياً (بدلاً من أن يكون معبراً مصرياً فلسطينياً) يتحكم بفتحه وإغلاقه عدة لاعبين أبرزهم "إسرائيل" التي وضعت مسمار جحا في هذه الاتفاقية من خلال الـمراقبة لكل القادمين والذاهبين عبر الكاميرات، ومن خلال التحكم بحركة الـمراقبين الدوليين الـمقيمين في "إسرائيل"، وهي التي تمنعهم أو تسمح لهم بالذهاب إلى الـمعبر، وذهابهم شرط ضروري لكي يفتح الـمعبر ويقوم بعمله، وهو ما وضع مصر الرسمية في نهاية الأمر في احراجات واسعة، لتصبح بشكل أو بآخر مساهمة بحصار الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو الحصار الذي دق أبواب مصر عبر معبر رفح في حادثة التحطيم الشهيرة التي تعرض لها المعبر على أيدي المواطنين الفلسطينيين المحاصرين في القطاع، وهو أمر مازال متوقعاً في ظل الحصار الراهن.

 

وبالتأكيد فإن الاستجابة المصرية والتمسك باتفاقية المعبر حتى في أوج عمليات القصف الجوي البربري المجنون من قبل سلاح الجو الإسرائيلي لقطاع غزة من أقصاه إلى أقصاه، فاقمت من تعقيدات العلاقات المصرية مع حركة حماس وباقي القوى الفلسطينية، بينما ترى مصر بأنها لا تستطيع أن تتجاهل حقائق على الأرض تحولت إلى أمر وهو أمر واقع يخفي وراءه واقعية مصرية مفرطة، رضيت بموجبها القاهرة القيام بدور الوسيط بين الاحتلال المستمر وبين ضحاياه من الأشقاء الفلسطينيين.

 

وبرغم كل ذلك، تدرك حركة حماس أن مصر تمثل بوابة رسمية وهامة للوصول إلى الشرعية العربية، وأنها مدخل مهم لاكتساب الشرعية في العالم الإسلامي ودول العالم الثالث، ليس بسبب من قوة حضور النظام على المستوى العربي والدولي، بل بسبب موقع مصر ودورها التاريخي بغض النظر عن طبيعة النظام القائم فيها وسياساته. كما تدرك حركة حماس خطورة استعداء مصر لكونها المتنفس الوحيد لقطاع غزة، وبسبب تشابك علاقاتها ونفوذها.

 

وتدرك حركة حماس أيضاً، أنه مهما كان الخلاف مع النظام المصري مستحكماً، فإن مصر في المعادلة العربية (وبغض النظر عن النظام القائم فيها مرة أخرى) بإمكاناتها المادية والبشرية الهائلة وبانتمائها العربي والإسلامي تظل ذخراً لفلسطين ولقضيتها.

 

وعليه، تميزت حركة حماس بالكثير من المرونة والديناميكية، وسعت إلى توظيف العديد من نقاط التقاطع لطمأنة النظام المصري، وإظهار روح المسؤولية تجاه المصالح الوطنية الفلسطينية والمصرية. لكنها كانت تتصرف باستقلالية تامة، عندما يتعلق الأمر بهويتها السياسية والأيديولوجية، أو عندما ترى أن النظام أخذ يمارس الضغط عليها لصالح مسارات لا تؤمن بها كمسارات التسوية، أو عمل ترتيبات تنتقص من حقوقها في الساحة الفلسطينية، والدليل على ذلك بأن حركة حماس تماسكت مع نفسها وانسجمت مع ذاتها في مسارات الحوار الفلسطيني في القاهرة، ولم ترضخ في النهاية للأجندة المصرية الساعية لتمرير اتفاق فلسطيني تحت سقف لون واحد.

 

وفي هذا السياق، وفي سلوك له دلالاته ومؤشراته، دأبت مصر على صياغة علاقاتها مع القوى الفلسطينية المتواجدة في قطاع غزة، ومنها حركة حماس على وجه الخصوص بطريقة أمنية وتحت إشراف المخابرات الحربية المصرية.

 

ضرورة الدور المصري.. ولكن

 

وبناء على ما تقدم، وبالانتقال لمسألة الحوار الوطني الفلسطيني، نرى بأن هناك خصوصية واضحة تقول إن إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني يتطلب دوراً استثنائياً لمصر في هذا المجال، لكنه يتطلب أيضاً حالة من التوافق العربي الذي لابد منه لإنجاح الحوار نجاحاً جيداً، فتأثيرات المعادلة العربية وتداخلاتها الفلسطينية أمر لا مندوحة عنه، فالفلسطينيون جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة العربية الرسمية وغير الرسمية العربية، إضافة إلى أن العنوان الفلسطيني مستديم في تأثيراته القومية على المنطقة بالرغم من كل حالة التردي نحو القطرية التي تنامت في العقدين الأخيرين. وبالطبع فإن القول إياه يعني تماماً انعدام إمكانية التعويل على أي دور لطرف خارجي مهما علا شأنه لإحقاق المصالحة الفلسطينية. ففي الأزمة التي وقعت في الساحة الفلسطينية عام 1983 وأدت لانشقاق في حركة فتح ومنظمة التحرير مع ما رافقها من اقتتال فلسطيني في سهل البقاع وبعلبك وطرابلس، لم تستطع منظمة المؤتمر الإسلامي أن تلعب دوراً في وقف الدمار الداخلي الفلسطيني، وحتى أنديرا غاندي من موقعها في قيادة مجموعة عدم الانحياز، والتي تدخلت في حينها، فشلت أيضاً، ولم يتم رأب الصدع إلا برعاية عربية ساهمت بها كل من السعودية، الجزائر، اليمن، الإمارات، الكويت مع توافق سوري ليبي ومصري إزاءها.

 

ومن هنا فإن حركة حماس كما هو حال باقي القوى الفلسطينية تقريباً من أقصاها إلى أقصاها، تدرك بأن مصر ضرورة للحوار الفلسطيني لكنها غير كافية بل تحتاج لأسانيد الدعم العربية، ومن هنا فإن الرعاية العربية (وتحديداً من دول التأثير والفعل السياسي) ضرورية لإيصال الحوار إلى مرساه النهائي.

 

وانطلاقاً من المعطيات إياها، ندرك بأن مصر تدفع بكل طاقاتها لانجاز التوافق الفلسطيني، وإنجاح العملية الحوارية، لكن الطامة الكبرى في الموقف المصري مازالت تتمثل في انحياز الجانب المصري لرؤية سياسية تسعى لتوجيه دفة ومسار الحوار، وهي رؤية لا تجد صدى عند جميع القوى الفلسطينية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحتى قطاعات من قيادات وكوادر حركة فتح. ومن هنا فإن إحداث اختراق حقيقي في العملية الحوارية الفلسطينية ينتظر اجتراح تعديلات إبداعية لحل استعصاءات الورقة المصرية، وهو أمر ممكن كما أشرت على ذلك اجتماعات قيادة حركة حماس مع وفد حركة فتح برئاسة عزام الأحمد بدمشق في الرابع والعشرين من سبتمبر2010.

 

أخيراً، ومهماً يكن الخلاف بين مصر وأي من الفصائل الفلسطينية الأساسية على وجه التحديد كحماس والجهاد وفتح والجبهة الشعبية، فإن مصر لا تقطع «شعرة معاوية» مع الفصائل الفاعلة على الساحة، لأنها عند ذلك ستخسر دورها «الأبوي» وستخسر قدرتها على الإمساك بخيوط وتشابكات الوضع الفلسطيني.