خبر صفقات التسليح ومؤشرات السلام ...محمد السعيد إدريس

الساعة 09:58 ص|26 سبتمبر 2010

صفقات التسليح ومؤشرات السلام ...محمد السعيد إدريس

على الرغم من أهمية ما يجري من تفاعلات هذه الأيام تتعلق بآفاق التطلعات والتطورات المحتملة على صعيد المفاوضات المباشرة الحالية الفلسطينية "الإسرائيلية"، خاصة تداعيات هذه التفاعلات على خرائط توازن القوى والتحالفات والصراعات الجديدة، سواء كان النجاح أو كان الفشل هو مصير هذه المفاوضات، فإن صفقات السلاح التي يجري توقيعها والأخرى التي يجري إحباطها بين العديد من الأطراف الإقليمية والدول الكبرى التي تحتكر سوق مبيعات السلاح سوف تسهم بدرجة لا تقل، بل ربما تفوق، في تحديد معالم تلك الخرائط ومستقبل الصراع والسلام في الشرق الأوسط.

 

فعلى الرغم من حالة العسكرة غير المسبوقة التي أضحت أهم معالم الشرق الأوسط، سواء من ناحية صفقات بيع السلاح الهائلة التي تعقدها دول الإقليم، أو من ناحية كثافة الوجود العسكري الأجنبي، شهدت الأسابيع الأخيرة نشاطاً محموماً في اتجاه عقد صفقات الأسلحة المتطورة ومبالغ ضخمة أبرزها الصفقة السعودية مع الولايات المتحدة لشراء طائرات "إف-15" وطائرات وأسلحة أخرى تبلغ قيمتها 60 مليار دولار، وصفقة الأسلحة "الإسرائيلية" الجديدة مع الولايات المتحدة أيضاً لشراء طائرات "إف-35" الأحدث والأكثر تطوراً في العالم كله، وأخيراً نجاح سوريا في الحفاظ على صفقتها من الأسلحة التي أبرمتها مع روسيا لشراء صواريخ من طراز "ياخونت" المضادة للسفن الحربية تصل قيمتها إلى 300 مليون دولار كانت قد وقعتها في عام 2007، فإذا أضفنا إلى هذا كله ما تنتجه المصانع الحربية الإيرانية من أسلحة متعددة ومتنوعة ومتطورة لتكشف لنا بعض معالم صراعات المستقبل، وبعض مؤشرات سلام المستقبل أيضاً.

 

وإذا كانت هذه الصفقات العسكرية مهمة بالنسبة لمستقبل الصراع والسلام معاً، فإن الصراعات التي تدور من أجل وقف أو إحباط أو منع حدوث صفقات أخرى لا تقل أهمية، فقد نجحت "إسرائيل" ونجحت الولايات المتحدة في إفشال إتمام صفقة بيع صواريخ من طراز "إس-300" الروسية إلى كل من إيران وسوريا، وهي صواريخ دفاعية مضادة للطائرات، وهذا النجاح "الإسرائيلي" الأمريكي في منع وصول هذه الصواريخ إلى سوريا وإيران يعطي ل "إسرائيل" قدراً أعلى من الأمان في شن هجمات بالطائرات ضد سوريا وإيران عندما تنوي القيام بمثل هذه الهجمات. وكان "الإسرائيليون" قد حذروا روسيا علانية من بيع هذه الصواريخ للبلدين، بحجة أنها سوف تحدث إخلالاً في التوازن العسكري بالمنطقة، أي التوازن الذي يهدد التفوق العسكري "الإسرائيلي" النوعي الكامل على كل دول المنطقة والمدعوم من الولايات المتحدة، حيث تحصل من واشنطن على كل أنواع الأسلحة التي تمكنها من الحفاظ على هذا التفوق، ولكن يبدو أن الحصول على الأسلحة الأمريكية المتطورة لا يكفي وحده لضمان هذا التفوق الذي لن يكتمل إلا بتمكن "إسرائيل" من منع أعدائها من الحصول على أي أسلحة متطورة من أي أطراف أخرى.

 

المثير هنا أن "إسرائيل" تقول هذا علناً وهي تتحدث عن السلام في المنطقة، قالت إن حصول سوريا على صواريخ "إس-300" الروسية سوف يضع طائراتها في وضع خطر، ويهدد سلامتها، أي أن المطلوب هو أن تصول وتجول طائرات "إسرائيل" في الأجواء السورية، وتعربد كما تشاء، على نحو ما اعتادت أن تفعل في الأجواء اللبنانية من دون أن تتصدى لها دفاعات سورية، وهذا الأمر هو أحد معالم السلام "الإسرائيلي".

 

الأمر نفسه قالته بالنسبة لحصول إيران على هذا النوع من الصواريخ الدفاعية المتطورة، وساندتها الولايات المتحدة، واعتبرت نجاحات البلدين في منع روسيا من إتمام صفقة بيع تلك الصواريخ إلى إيران خطوة ضمن خطوات تهيئة ظروف النجاح لأي عمل عسكري قادم ضد إيران.

 

والآن يصرخ "الإسرائيليون" في وجه روسيا بعد أن أعلن وزير الدفاع الروسي منذ أيام نيتها تسليم سوريا صواريخ "ياخونت"، وهددوا بتسليح أعداء روسيا مثل جورجيا، حيث كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن توجيه "إسرائيل" رسالة إلى روسيا هددت فيها بأنه "إذا خرجت الصفقة إلى حيز التنفيذ فإننا لن نأخذ بالحسبان طلبات روسية بعدم إرسال أسلحة متطورة إلى مناطق حساسة بالنسبة إليهم (روسيا) مثل جورجيا". ونقلت الصحيفة عن مسؤول "إسرائيلي" رفيع المستوى قوله تعقيباً على صفقة الصواريخ تلك "إن هذا القرار هو دليل متواضع على حس المسؤولية من جانب بلد يريد أن يكون مؤثراً، ويدعي العمل على خدمة استقرار المنطقة". ورأى أن "تزويد سوريا بأسلحة متقدمة ومتطورة، وهي إحدى الدولتين الداعمتين الرئيسيتين لحزب الله، ليس خطورة تشجيع للمعتدلين في الشرق الأوسط، وإنما هي جائزة للدول المتطرفة".

 

اللافت هنا أن هذا المسؤول "الإسرائيلي" الرفيع تعمّد أن يشير إلى تزامن هذه الصفقة مع المفاوضات الجارية، ما يعني أن بيع الأسلحة موقف سلبي من تلك المفاوضات، وبما يعني أن المفاوضات جرت ضمن معادلة اليأس العربية من تحقيق توازن قوة مع "إسرائيل"، وأن العودة إلى تسليح العرب ليس له غير معنى واضح لدى "الإسرائيليين"، هو عودة العرب إلى خيارات بديلة لذلك التفاوض.

 

كل هذا يحدث بعد أن وقع إيهود باراك الشهر الماضي صفقة طائرات "إف-35" مع الولايات المتحدة، وهي الطائرات الأكثر تطوراً في العالم، والقادرة على التحليق لمسافات طويلة جداً، والتهرب من الرادارات بحيث يصعب رصدها أو اعتراضها بواسطة أية دفاعات جوية أرضية.

 

لم يكتف "الإسرائيليون" بذلك، فهم يريدون الحصول على السلاح الكافي والمتطور وأن يضمنوا حجب كل أنواع القوة عن العرب، لأن هذا بوضوح هو أحد أهم شروط السلام الذي يريدونه، وأحد محددات صنع المستقبل الذي يريدون أن يمتلكوا مقاليد إخضاع الآخرين له.