خبر هم ونحن.. ليبرمانهم وبيتنا فلسطين../ ماجد عزام*

الساعة 11:49 ص|23 سبتمبر 2010

هم ونحن.. ليبرمانهم وبيتنا فلسطين ماجد عزام*

* مدير مركز شرق المتوسط للإعلام 

نشر موقع قضايا عبرية الثلاثاء -24 آب- خبرا بعنوان مؤامرة سرية بين "نتن ياهو" وليبرمان، تضمن الإشارة إلى استقالة وهمية أو إعلامية للثاني في حالة اتخاذ الأول قراراً بتمديد الكبح أو التقليص المؤقت للاستيطان في الضفة الغربية، والمفترض أن ينتهي أواخر أيلول/ سبتمبر الحالي .

 

في تفاصيل الخبر الذي نشره الموقع الالكتروني الإسرائيلي قيل إن ثمة ضغوطاً أو محاولات أمريكية لتمديد التقليص المؤقت للاستيطان حرصا على عدم تفجير أو وأد المفاوضات المباشرة في مهدها، وأن ثمة أفكارا تطرح في هذا الخصوص منها مثلا ما طرحه نائب رئيس الوزراء دان مريدور عن البناء في الكتل الاستيطانية الكبرى التي يقال إنها ستضم إلى إسرائيل في كل الأحوال-غوش عتصيون ومعاليه ادوميم وربما أرئيل أيضا- مع استمرار التجميد الجزئي في بقية المستوطنات خاصة النائية والمعزولة، ومع الوقت يجري العمل على تحديث تلك الأفكار والخطط بتدخل من البيت الأبيض -دان شبيرو ودينيس روس- ومنذ الآن بات ثمة تسليم سلطوي فلسطيني رسمي كما نشرت "يديعوت احرونوت" الثلاثاء 31 آب/ أغسطس باستحالة وقف البناء الاستيطاني بشكل عام.

 

المهم في هذه الأجواء أن نتن ياهو وليبرمان فكرا في نسج مؤامرة بينهما ليبرمان يهدد بالاستقالة في حالة عدم إنهاء التجميد، وبالتالي فرط الائتلاف الحكومي الحالي و مع رفض حزب "كاديما" الانضمام للحكومة وعرض تأييد نتن ياهو من الخارج فقط فيما يخص عملية التسوية فإن خروج ليبرمان سيخلق سيرورة تؤدى في النهاية إلى انهيار الائتلاف والذهاب إلى انتخابات مبكرة لن تأتي بنتائج أو خريطة مغايرة ولكنها ستؤدى حتما إلى عرقلة الخطوات الأمريكية الهادفة إلى تحقيق حل الدولتين بعدما بات مصلحة أمنية وقومية للولايات المتحدة .

 

نشر موقع قضايا عبرية لتفاصيل المؤامرة ربما أدى إلى وأدها وإجهاضها في مهدها غير أنه يعطى فكرة عن طريقة التفكير الإسرائيلي. فرغم التباين والخلافات السياسية والشخصية العميقة إلا أن المصلحة الإسرائيلية الحيوية العليا هي المعيار والأساس في إدارة الشأن السياسي والحزبي العام، وهو عائد طبعا إلى النظام الديمقراطي- حتى لو كان لليهود فقط- والمؤسسات الراسخة وسواسية الجميع أمام القانون من إيهود أولمرت إلى افيغدور ليبرمان مرورا طبعا بغابى أشكنازى وموشيه كتساف .

 

للصدفة البحتة جاء خبر قضايا عبرية قبل يوم واحد فقط من الاقتحام الهمجي والفظ لأفراد من الأجهزة الأمنية بلباس مدني لمؤتمر دعت إليه فصائل اليسار وشخصيات مستقلة للتعبير عن رفض قرار الذهاب إلى المفاوضات المباشرة دون ضمانات وتحت سقف الشروط التي حددتها بقايا المؤسسات الفلسطينية الهشة والمهمشة والمهشمة. الأشاوس أنشدوا الهتاف التقليدي والبائس –بالروح والدم- وربما هتفوا أيضا أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة أو التفاوض، ومنعوا حتى عقد مؤتمر صحفي للمنظمين من أجل التعبير عن موقفهم وآرائهم وتصوراتهم للواقع الفلسطيني وكيفية الخروج من المأزق الراهن التصرف الهمجي غير فردي، وهو يعبر في الحقيقة عن حقيقة السلطة الأقل فسادا ولكن الأكثر قمعا -كما قال تقرير لمركز كارنيغى- وعن الذهنية التي لا تحتمل في الجوهر الرأي الآخر وترفض تقبله حتى لو كان يصب في الأخير في المصلحة الوطنية العليا، وهي ناتجة طبعا عن ثقافة الاستبداد والاستئثار وخواء وضعف المؤسسات ورفض الاحتكام إلى القانون .

 

قصر النظر والتزمّت حالا دون الانتباه إلى أن المؤتمر كان يخدم في الحقيقة المفاوض الفلسطيني، ويساعده في مواجهة الضغوط الأمريكية والعربية، ويكرس فكرة أن ثمة رأيا عاماً فلسطينياً لا يمكن تجاوزه، وأن ثمة أمورا لا يمكن القبول بها كونها تتعارض مع المصلحة الفلسطينية العليا كما مع المزاج السياسي في الشارع الفلسطيني .

 

هذا في الضفة. وللأسف فإن الأمر لم يكن مختلفا في قطاع غزة حيث اعتقلت السلطة هناك مجموعة من حزب التحرير لتوزيعها بيانات ضد المفاوضات. ورغم أن الموقف يتلاءم مع سياسة السلطة المحلية إلا أنه يتعارض مع غطرستها ونظرتها الأمنية والحزبية الضيقة، في نفس الوقت تقريبا كانت الأجهزة الأمنية تقتحم مكتبا للجهاد في خان يونس، وتعتقل من فيه بذريعة تحرير مخطوف تم احتجازه والتحقيق معه بشكل غير مشروع.

 

الجهاد بدورها نفت الرواية وقالت أن الأمر يوحى بالتضييق على المقاومة، ويؤثر على العمل السياسي والوطني بشكل عام.

 

وسواء صحت هذه الرواية أو تلك فإننا أمام تنازع فئوي وحزبي ضيق لا يتلاءم مع المصلحة الوطنية كما مع التحديات التي تعصف بالمشروع الوطني، خاصة مع القرار البائس وشبه الانتحاري بالذهاب إلى المفاوضات المباشرة و الهدنة المجانية السائدة في قطاع غزة ومحيطه رغم الحصار و الوضع الإنساني الكارثي والمأساوي وتحطيم وتدمير إسرائيل لنسيج الحياة الغزاوية بأبعادها المختلفة التعليمية والصحية والاقتصادية والاجتماعية .

 

مؤامرة نتن ياهو –ليبرمان من جهة، واعتقالات وتصرفات السلطتين في رام الله وغزة من جهة أخرى تعبران في الحقيقة عن الواقع الحالي في فلسطين، وعن أسباب وخلفيات العجز عن الاستفادة من التردي الإسرائيلي داخليا-كما تبدى في مسألة تعيين رئيس جديد للأركان- وخارجيا كما يتبدى في اشتداد العزلة والمقاطعة الدولية ضد الدولة العبرية. ولكي نفعل ذلك لابد أن نكون أحسن حالا غير أن هذا الأمر غير متوفر للأسف كما تأكد بما لا يقطع أي مجال للشك عبر المعطيات والوقائع سالفة الذكر التي تفضح الواقع السياسي الفلسطيني وتضبطه دون أي خداع أو تجميل وتزييف .