خبر الفلسطينيون أمام احتمال فشل المفاوضات../ ماجد كيالي

الساعة 06:23 ص|22 سبتمبر 2010

الفلسطينيون أمام احتمال فشل المفاوضات ماجد كيالي

 

تذكّر الجولة التفاوضية الجارية حاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين بمفاوضات كامب ديفيد2، التي جرت قبل عشرة أعوام (تموز 2000)، ففي حينه جرت تلك الجولة تحت الرعاية الأمريكية المباشرة، وبناء على إلحاح من الرئيس كلينتون، في حين أن الجولة الحالية جاءت بعد إلحاح ومتابعة من الرئيس اوباما.

 

عدا عن ذلك فإن هاتين الجولتين افترضتا التفاوض على قضايا الحل النهائي (اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات والترتيبات الأمنية)، بدون الانتهاء من المرحلة الانتقالية (التي تفترض انسحاب إسرائيل من غالبية الأراضي المحتلة وفتح المعابر من البر والبحر والجو وتمكين الفلسطينيين من التنقل بين الضفة وغزة والإفراج عن كل المعتقلين)، وفي وضع لم يكن فيه أي من الطرفين المعنيين جاهزا أو ناضجا للقبول بمطالب الطرف الأخر.

 

لكن ينبغي لفت الانتباه إلى أن ظروف الجولة السابقة كانت أفضل للفلسطينيين من ظروف التفاوض الحالية، فحينها كان الرئيس كلينتون أكثر قوة ووثوقا من الرئيس اوباما، والوضع العربي أحسن حالا، ولم يكن ثمة احتلال للعراق (مثلا). أما وضع الفلسطينيين فكان أفضل من وضعهم الحالي، إذ كانوا تحت زعامة جامعة يمثلها ياسر عرفات (برمزيته الوطنية والقيادية)، ولم يكن ثمة انقسام بينهم، وكانت آمال التسوية لم تنقشع بعد. وبالنسبة لإسرائيل فقد كانت في ظل حكومة حزب العمل (المسؤول عن اتفاق أوسلو)، وهي مؤيدة لعملية التسوية، في حين أن الحكومة الحالية جد يمينية ومتطرفة، ومعادية لاتفاق أوسلو، ولعملية التسوية التي تتضمن الانسحاب من الأراضي المحتلة، جملة وتفصيلا.

 

مع ذلك يمكن ملاحظة معطيات جديدة ومغايرة في الوضع الإقليمي، وبالنسبة لمكانة إسرائيل، ربما هي التي حثّت على عملية التسوية، وحفّزت الأطراف الدولية والإقليمية على السير في اتجاهها (على رغم تعنت إسرائيل). ويأتي في مقدمة هذه المعطيات تدارك التعثّر الأمريكي في العراق، والحد من نفوذ إيران في الشرق الأوسط، ولجم قوى الإسلام السياسي المسلحة، ودعم الاستقرار في المنطقة، وكذا خلق الظروف الأنسب لمحاربة الإرهاب في أفغانستان وباكستان. ولعلنا نتذكّر هنا اعتبار عديد من أركان الإدارة الأمريكية بأن سياسات إسرائيل باتت تشكل عبئا على الأمن القومي وعلى مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

 

ومعنى ذلك أن مصير هذه المفاوضات مرهون تماماً بمدى الضغط الذي يمكن أن توجهه الأطراف الدولية على إسرائيل للمضي في التسوية، وفق معايير الشرعية الدولية. أما في حال ترك الفلسطينيون وحدهم في مواجهة الاملاءات الإسرائيلية المعروفة والمجحفة فهذا يعني بأن مصير هذه المفاوضات محكوم بالفشل، كسابقتها في "كامب ديفيد"؛ وتاليا فإن ثمة تداعيات خطيرة لهذا الفشل.

 

وتبيّن عديد من مؤشرات التفاوض الحالية بأن إسرائيل مصرّة على عدم السير بمشروع التسوية وفق المرجعيات الدولية، وأنها مازالت على مطالبها المتعلقة ببحث الترتيبات الأمنية أولاً (قبل ترسيم الحدود)، واعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، واعتبار اتفاق التسوية معهم بمثابة نهاية لمطالبهم الوطنية.

 

ومن تفحّص هذه الشروط يمكن ملاحظة إنها بمثابة محاولة من نتنياهو للانقلاب على عملية التسوية (حتى وفق اتفاق أوسلو 1993)، ففي شرط الاتفاق على الترتيبات الأمنية تتوخّى إسرائيل ترسيم الحدود بناء على اعتباراتها الأمنية، التي تتطلب ضم أجزاء من أراضي الضفة (لاسيما جوار القدس ومنطقة الغور)، وليس وفق اعتبارات الاستيطان فحسب (في نطاق تبادلي). وثمة تسريبات تفيد بأن إسرائيل قد تذهب حد قبول بقاء بعض المستوطنات ضمن أراضي السلطة (مع ترتيبات معينة)، ما يعزز الانطباع بأن الأنشطة الاستيطانية لم تعد بمثابة العقبة الكأداء التي لايمكن التغلب عليها في هذه المفاوضات، خصوصا مع تسريب أخبار تتعلق بإمكان تعليق البناء لثلاثة أشهر جديدة، أو البناء فقط في المستوطنات التي يمكن أن تكون ضمن إطار تبادل الأراضي. والخلاصة فإن إسرائيل وتحت بند الاتفاق على الترتيبات الأمنية تحاول التخلص من بنود رئيسة مطروحة على مفاوضات الحل النهائي، وهي الحدود والاستيطان والقدس، ناهيك عن أن هذا الأمر يفترض وضع الدولة الفلسطينية المفترضة تحت الهيمنة الأمنية لإسرائيل.

 

أما بالنسبة لشرط "يهودية الدولة" فإن إسرائيل تتوخّى منه شطب "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين إليها، باعتبار اليهود والفلسطينيين بمثابة جماعتين متمايزتين من الناحية "القومية"، اختار كل منهما حق تقرير المصير في أرضه، أو في إقليمه؛ على طريقة نحن هنا (في إسرائيل) وانتم هناك (في الضفة وغزة)؛ كما أن هذا الأمر يعني إنهاء المطالب القومية /الجماعية لفلسطيني 48 وحصر مطالبهم بالشؤون الفردية والإنسانية فقط. وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على اعتبار مجرد إقامة دويلة للفلسطينيين بمثابة نهاية لمطالبهم الوطنية.

 

وبالقياس للتجارب التفاوضية السابقة، وتأسيسا على هذه الشروط فإن إسرائيل، في ظل حكومة نتنياهو مجرد تعمل على المناورة على المعطيات السياسية الحالية، ومجرد تحاول كسب الوقت، للاستمرار في الضغط على الفلسطينيين، وتقليص طموحاتهم الوطنية.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذه المقارنة بين الجولتين السابقة والحالية، وماذا بعد؟ أو ماهي التداعيات التي قد تنجم عن انهيار هذه الجولة، إذا كان انهيار الجولة التفاوضية السابقة أدى إلى تصدع التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل، ودفع إلى المواجهات المسلحة، وقيام إسرائيل (في ظل حكم الليكود بزعامة شارون) بالانقضاض على السلطة وتقويض اتفاق أوسلو ومعاودة احتلال الضفة؟

 

طبعا لا نقصد من هذا الكلام الإيحاء بإمكان اندلاع "انتفاضة ثالثة" أو العودة إلى خيار المقاومة المسلحة، فالظروف الحالية تستبعد هكذا خيارات (بغض النظر عن الرغبات والمزايدات)، لاسيما على ضوء الإرهاق والاستنزاف والانقسام الذي تعرض له الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، لكن القصد منه التأكيد بأن انهيار المفاوضات الحالية (بالقياس لمطالبات إسرائيل) سيأتي بتداعيات ربما لن تكون آثارها اقل خطورة من سابقتها، بغض النظر عن الشكل الذي يمكن أن تتمظهر به.

 

وبقول آخر فمن المعلوم أن ثمة إجماع، بين المراقبين والمهتمين والمعنيين (لدى كل الأطراف) بأن هذه المفاوضات تكاد تكون بمثابة "غرفة الإنعاش"، أو بمثابة "النبضة الأخيرة" لحل الدولتين. وأنه في حال تمنّع إسرائيل عن السير في هذا الاتجاه، بطريقة معقولة، فإنها بذلك تكون كمن دفن هذا الحل، ما يفتح الباب على حلول أخرى، ضمنها استمرار الأمر الواقع، على شكل وجود كيان فلسطيني محاصر في قطاع غزة، تحت سيطرة حركة حماس، مع استمرار الاحتلال والاستيطان، ونشوء واقع من دولة "ثنائية القومية"، في الضفة، لكن على قاعدة علاقات قائمة على الهيمنة الاستعمارية والتمييز العنصري (على أساس ديني).

 

القصد مما تقدم القول بأن انهيار الجولة التفاوضية الحالية ربما يؤدي إلى تكريس ضمور المشروع الوطني الفلسطيني، كما تم تظهيره كمشروع استقلال للفلسطينيين (في الضفة وقطاع غزة)، لكن هذا الضمور لن يعني اختفاء هذا المشروع أو اضمحلاله، بقدر ما يعني اندراجه، وربما انبثاقه مجددا، ضمن التحولات التي تحيق بظاهرة إسرائيل، من النواحي السياسية والثقافية والديمغرافية؛ وهي تحولات يصعب التكهن بمساراتها، كما إنها ترتبط بالتحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط.