خبر كتب : أيمن خالد : تركيا.. ولادة الجمهورية الثانية

الساعة 05:29 ص|20 سبتمبر 2010

تركيا.. ولادة الجمهورية الثانية ..أيمن خالد

2010-09-17

دخلت تركيا بشكل فعلي عصر الجمهورية الثانية بعد نجاح الانتخابات الأخيرة، التي كان أهم ما فيها ليس نجاح حزب العدالة بتمرير حزمة التعديلات الدستورية فحسب، ولكن العلامة الأبرز أن تركيا بهذا الاستفتاء خرجت لأول مرة من الانتخابات او الصوت الحزبي إلى دائرة الصوت الشعبي الذي لا يقوم على قاعدة حزبية معينة، وهو مؤشر مهم لطبيعة الانتخابات القادمة في تركيا، التي ستتجاوز القاعدة الحزبية، فلن يكون التصويت لحزب العدالة يقوم وفق أغلبية إسلامية، ولكن الشارع بكامل اختلافاته، سوف ينظر الى البرامج المطروحة، ويلتف حولها.

هذا المؤشر حضاري بامتياز، وهو ينقل الناخب التركي من هيمنة الأحزاب والجيش، ومن تبعاتها والانقسامات الداخلية، نحو أجواء جديدة سوف تتحد فيها مختلف قوى الشعب التركي تحت يافطة مصالح مشتركة، وهو ما يعني أن مصالح الناس والفئات والأقليات ستحكمها لأول مرة علاقة لا تقوم على أساس طائفي أو عرقي، وبهذا الخط تكون تركيا قد وضعت نفسها للسير وفق خطوات رائدة، وستعمل على حصر أزماتها تباعا وتقليصها، وخصوصا المسألة العرقية، لأن الحلول المتاحة والخيارات الموجودة التي سترضي الأغلبية الشعبية، هي ذاتها التي ستحاصر أصحاب الامتيازات الخاصة، وتخرج من بين أيديهم اللعب بالملفات الشائكة التي استثمروها لأعوام طويلة.

على الصعيد الحزبي، ربما يكون حزب السعادة أول من تلمس صورة هذا المشهد، فقد شهدت الساحة التركية قبيل الاستفتاء حملة واسعة ضد نجم الدين أربكان، قادها رئيس حزب السعادة الحالي نعمان كورتموش، الذي رفض مجمل الأفكار التي طرحها أربكان والمتعلقة بإعادة هيكلة الحزب وفق رؤاه القديمة، وموقفه من حزب العدالة والتنمية، وكانت مسألة الحسم هذه داخل حزب السعادة قد لاقت اهتماما إعلاميا كبيرا، حيث توحدت الساحة الإعلامية في هجومها على نجم الدين أربكان، رغم انه مؤسس الحركة الإسلامية التركية المعاصرة، وكانت الصورة الواضحة أن حزب السعادة سيكون لأول مرة في تاريخه عبارة عن وجه آخر لحزب العدالة، وهو بالطبع انتصار كبير للأخير.

المعلوم أن سفينة مرمرة أحدثت انقساما كبيرا في تركيا، خصوصا مع خروج جماعة كولن، اكبر داعم لحزب العدالة، التي رفضت تأييد خطوات اردوغان، لكن ردود الفعل والحالة الشعبية بعد مجزرة مرمرة، التي استفاد منها كثيرا حزب العدالة كانت أقوى داعم في الظل لحزب العدالة ممثلا بحكومته التي يرأسها اردوغان. لذلك يأتي هذا التحول في حزب السعادة المعارض، ليكون بمثابة ورقة رابحة بدأت تصب فعلا فيما يصبو إليه اردوغان وحزبه، وهو ما لمس ثماره في الاستفتاء الأخير.

في شرق الأناضول قسم كبير من الأكراد استهوتهم التعديلات الدستورية، لكن العلامة الأبرز أن طوائف وطبقات المجتمع التركي على اختلاف ثقافاتها وانتماءاتها كانت نسبة كبيرة منها تميل إلى إحداث هذه التعديلات، وبالتالي كان هناك تصور مشترك بين الجميع، ساروا إليه معا، ونجحوا معا، لذلك فإن العقلاء في تركيا يرفضون ان يقولوا ان حزب العدالة نجح بتمرير التعديلات، لان الذي حدث بالفعل ان الصورة التي طرحت بها هذه التعديلات جعلتها تنجح وهي نجحت واجتمع والتقى عليها كامل ألوان الطيف في تركيا.

باختصار هذه ملامح الجمهورية الثانية، وهذه مجرد خطوة، أما الخطوة التالية فسيتم الاتجاه إلى الرئاسة، التي يتوقع ان تكون مختلفة في الأيام القادمة، وستقوم أيضا على وفاق شعبي ولن تكون إدارة الحياة السياسية في تركيا معلقة بفوز حزب معين أو تكتل أحزاب إسلامية أو علمانية، فنحن سنشهد شراكة في الانتخابات القادمة، وربما أيضا شراكة من نوع خاص، تفرز طبقة من السياسيين سيعملون بدورهم على إحداث النقلة القادمة في الدستور.

تركيا لن تحدث فيها ثورة وما يحدث ليس ثورة، ولكن ينطبق على تركيا منطق (النقلة) وبين كل نقلة وأخرى تجري أشياء توازي فعل الثورة، ولكنها هادئة متزنة وواعية.

علينا أن ننظر الى الجمهورية الثانية بهدوء، وعلينا ان نستشعر خطواتها صوبنا، لان لدى هذه الجمهورية برنامجها الخارجي، وهو أمر طبيعي جدا، أن يكون لتركيا بعد اليوم برنامجها الخارجي الأكثر وضوحا من قبل، ويمكنني القول إن كل الجمهوريات الكبيرة عبر التاريخ صنعت برنامجها الخارجي على أساس الهيمنة لاستجلاب خيرات الخارج إلى الداخل، وأظن أن تركيا تفكر بشكل مختلف، فالعرب بجوار الجمهورية التركية الثانية، لن يذلهم الأتراك ولن يفكروا بذلك مطلقاً لأن طريقتهم مع الخارج أيضا ستكون مخالفة لمنطق الجمهوريات التي غزت بلادنا، فالعرب سينهضون، سيفعلون ذلك رغم أنوفهم.

 

' كاتب فلسطيني