خبر عَوْلمة الصراع مع الصهيونية ..خيري منصور

الساعة 12:49 م|16 سبتمبر 2010

عَوْلمة الصراع مع الصهيونية  ..خيري منصور

المسألة أشبه بهرم مقلوب، ففي البداية كان الصراع عربياً صهيونياً، ثم تمدد بفعل حرارة المناخات الثورية أثناء الحرب الباردة ليشمل إطاراً أوسع، لكن ما يحدث الآن يستحق التأمل والتريّث في قراءة المشهد لحساسيته أولاً، ولأن مستقبل هذا الصراع أصبح مهدداً بالتهجير من نطاق إلى آخر سواء على صعيد التاريخ أو الجغرافيا.

 

ولم تكن سفن الإغاثة التي حملت ناشطين من مختلف الجنسيات في العالم إلى شاطئ غزة هي أول مؤشر إلى عولمة الصراع. فما كتبه شعراء ومثقفون ومفكرون في مختلف القارات عن فلسطين باعتبارها التراجيديا الأهم في عصرنا الحديث كان يمهد الطريق أمام قوى شعبية وأحزاب وناشطين لإضاءة المشهد الذي شحّ عنه الضوء لأسباب عديدة منها انشغال العرب بحروب أخرى منها الحدودي والثأري وما انتهت إليه الحرب الباردة من سيطرة تقرب من الاحتلال لهذا الكوكب برمته، بحيث أصبح التواجد الأمريكي المباشر أو غير المباشر يغطي معظم تضاريس العالم. والأمر يتجاوز المصادفة عندما يصرح كاتب مسرحي عربي بأن الصهيونية ليست عدواً في الوقت الذي يخرج فيه كاتب مسرحي بريطاني هو هارولد بنتر من المستشفى إلى الشارع كي يندد بالصهيونية وما تقترفه من جرائم في فلسطين.

 

والأمر يتجاوز المصادفة أيضاً عندما يتزامن غناء مطرب عربي في إيلات يكيل المدائح لنتنياهو مع اعتذار فرقة فنية في إيرلندا عن عدم المشاركة في أي مهرجان يحضره صهيوني واحد.

 

ومقابل ما كتبه صحافي عربي اسمه منحوت من الأبجدية ولا سبيل إلى التمويه عن ديمقراطية الكيان الصهيوني، تعرض صحافي سويدي للتهديد بالقتل لأنه افتضح سرقة الجيش الصهيوني أعضاء الشهداء والأسرى في فلسطين.

 

تطول القائمة لو شئنا الاستطراد، لكن هؤلاء ليسوا سوى استثناءات لا تؤثر في القاعدة الذهبية أو تجرحها، إنهم نسبة الثلاثة في المئة التي قال عنها سارتر أثناء احتلال فرنسا وإعلان حكومة المارشال بيتمان في فيشي بأنها النسبة التقليدية للشوائب والشواذ، أو العرض الجانبي المصاحب للمقاومة والذي لن يتجاوز تأثيره نوبة عابرة من الغثيان.

 

إن ما نشر خلال الأعوام الخمسة الأخيرة عن القضية الفلسطينية بلغات أجنبية يشكل انعطافة واضحة في الرأي العام العالمي، فالأقنعة سقطت تباعاً عن الذئب الذي يثغو ويتقمص دور الحمل المعتدى عليه، وما كان يتنامى وراء الكواليس والأكمات فاض وزكمت رائحته الأنوف، بحيث أصبحت إنفلونزا الاحتلال والاستيطان تنافس "الإنفلونزات" الأخرى بدءاً من الطيور حتى الخنازير.

 

للوهلة الأولى نشعر بالارتياح لعولمة هذا الصراع، فحلفاء الحق العربي في فلسطين من شتى الجنسيات والمستويات، لكن خطورة هذه العولمة المضادة هي في كونها تشعر العرب بأن هناك من ينوب عنهم لاسترداد الحق، وحين تصبح الضحية خرساء فإنها تفقد الرجاء في الحياة. ومن أرادوا تضييق مساحة القدس حتى حدود بلديتها وتصغير فلسطين حتى حدودها الجغرافية يفاجأون الآن بأنها تتسع وتتعولم، بحيث يتحولون إلى متفرجين.