خبر سلام مختلف-هآرتس

الساعة 08:53 ص|16 سبتمبر 2010

سلام مختلف-هآرتس

بقلم: هاري شفيت

في الخامس من تشرين الاول 1995 أتى اسحاق رابين باتفاق اوسلو الثاني امام الكنيست. التزم رابين في خطبة خطبها في المقام الاحتفالي أن تظل القدس في اطار الحل الدائم موحدة، وأن تظل الكتل الاستيطانية داخل دولة اسرائيل. وأن تكون الحدود الأمنية في غور الاردن. وقال كذلك إن اسرائيل لن تعود الى خطوط الرابع من حزيران 1967، وأن الفلسطينيين سيصرفون حياتهم في اطار سلطة أقل من دولة.

ثمة ثلاثة تفسيرات لكون رئيس الحكومة رابين قال هذا الكلام، الذي أصبح بعد شهر وصيته السياسية الاخيرة. التفسير الأول أن رابين كان أحمق. فهو لم يدرك أنه لا يوجد أي احتمال للتوصل الى سلام اسرائيلي – فلسطيني دون تقسيم القدس. والتفسير الثاني أن رابين كان كاذبا. فقد قال على علم كلاما ليس حقا يتعلق بالخطوط الهيكلية للسلام في المستقبل. والتفسير الثالث أن رابين كان له تصور عن السلام يختلف تماما عما نسب اليه بعد أن قتل. وهو تصور يناقض تصور السلام الذي يحاول الامريكيون أن يفرضوه الآن على بنيامين نتنياهو ومحمود عباس.

لم يكن رابين أحمق ولا كاذبا. كان تلميذ هنري كيسنجر. قدر رابين وكيسنجر ان الاحتلال ليست له قدرة على البقاء، وأن المستوطنات كارثة وأن السلام بعيد. لهذا اعتقدا انه بدل السعي الى اتفاق دائم غير ممكن ينبغي السعي الى اتفاق مرحلي بعيد الأمد. اتفاق لا ينهي الصراع بل يخففه. ولا يحل مشكلة القدس ومشكلة اللاجئين لكن ينشىء كيانا فلسطينيا مستقلا. اتفاق يمكن الاسرائيليين والفلسطينيين من أن يعيشوا جنبا الى جنب من غير أن يحكم بعضهم بعضا ومن غير أن يقتل بعضهم بعضا.

نتنياهو اليوم عن يسار المكان الذي كان فيه رابين عندما قتل. فنتنياهو مستعد أن يتجاوز النقطة التي تحدث عنها رابين عندما مثل أمام الكنيست. إن نتنياهو مثل رابين يطالب بالقدس والكتل الاستيطانية وغور الاردن. ونتنياهو بخلاف رابين يسلم لاقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. مواقف زعيم اليمين في 2010 أشد اعتدالا من مواقف زعيم اليسار في 1995.

ثمة مشكلة وهي أن نتنياهو في مقابلة ما هو مستعد للقائه يطلب انهاء الصراع. ويطلب الفلسطينيون عوض انهاء الصراع منه ما هو غير مستعد لاعطائه. وهكذا نشأ وضع أحمق لا يستطيع فيه تنازل نتنياهو الجديد أن يتحقق. حتى لو أراد أن يكون رابين، فان المخطط الحالي لمسيرة السلام لا يمكن من ذلك. إن المسار الذي افضى الى الهاوية في كامب ديفيد وأفضى الى الهاوية في أنابوليس يفضي الى الهاوية اليوم ايضا.

            يقتضي السلام الدائم الاسرائيلي – الفلسطيني تحقيق ستة مبادىء معروفة: الاعتراف بدولة يهودية ديمقراطية، وانشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وتقسيم القدس، واخلاء واسع للمستوطنات، والتخلي عن طلب العودة، والاتفاق على الحدود. لن يوافق الفلسطينيون على واحد من هذه المبادىء على الاقل فهم لن يتخلوا عن مطلب العودة. ولن يوافق نتيناهو على واحد من هذه المبادىء على الأقل فهو لن يقسم السيادة على جبل الهيكل. لهذا فان المحاولة التي تجري الان بمواجهة جوهر الصراع تشبه محاولة السير نحو أجيج تشرنوبل. لن يكون سلام وسيكون انفجار وسيكون أيضا.

            الحل الوحيد هو التفكير خارج الصندوق. أي عدم الافشال في المكان الذي فشل فيه الرئيسان بيل كلينتون وجورج بوش، بل العودة الى طريق كيسنجر ورابين البراغماتية. أن يجلس الاسرائيليون والفلسطينيون في غرفة مغلقة ويفرض عليهم صياغة اتفاق مرحلي بعيد الأمد.

            صحيح يرفض الفلسطينيون ذلك. فهم في ظاهر الامر يريدون سلاما تاما من الفور. لكنهم غير مستعدين بالفعل لدفع ثمن السلام. لهذا يجب اقناعهم انه من اجل اتمام المسيرة التي يقودها سلام فياض في الضفة الغربية يحتاج الى توجه مختلف. يحتاج من أجل انقاذ القومية الفلسطينية السليمة الى فكرة سياسية أخرى.

            في المكان الذي سيهين براك اوباما وكلينتون وجورج ميتشل أنفسهم في جهد باطل للتوصل الى اتفاق غير طائل – يحسن أن يعدوا منذ الان الخطة البديلة وهي تقاسم البلاد الان والسلام بعد ذلك.