خبر طاولة المفاوضات سيدة نفسها"!!!../ علي جرادات

الساعة 07:56 م|15 سبتمبر 2010

طاولة المفاوضات سيدة نفسها"!!! علي جرادات

لا أظن أن أحداً في العالم يشاطر الرئيس الأمريكي أوباما قناعة أن نتنياهو مستعد لإحراز تسوية سياسية للصراع خارج الشروط الإسرائيلية، فما بالك باستعداده للسلام؟؟ غير أن الانحياز الأمريكي لصلف نتنياهو وشروطه التعجيزية قاد إلى تزييف حقيقة نتنياهو وإظهاره كراغب بالسلام ومجازف من أجله. واستتباعا إلى مطالبة الفلسطينيين عبر الضغوط والإنذارات بالذهاب إلى التفاوض المباشر، حتى لا يجري تحميلهم مسؤولية إضاعة "فرصة سانحة" لإحراز تسوية للصراع.

 

بهذا الدعم الأمريكي السافر لأكثر صيغ الرؤية الإسرائيلية تطرفاً وتغولاً، تسلح نتنياهو الغارق حتى أذنيه في إجراءات التهويد والإستيطان والحصار والتهجير والقتل والاعتقال....، وراح يوغل في فرض شروط إستراتيجية تفاوضية جديدة ناظمها الأساسي العمل على تحويل مطلب "إسرائيل دولة لليهود" من مطلب إسرائيلي مضمر تحت الطاولة، كما عليه الحال منذ مؤتمر مدريد عام 1991، إلى مطلب معلن فوق الطاولة.

 

وارتباطا بهذا الهدف من المفاوضات، جاءت الشروط الجديدة لنتنياهو على صعيد رعاية المفاوضات وأسسها ومرجعياتها وجدول أعمالها، الشروط التي كثفها نتنياهو بجملة ذات مغزى سياسي كبير، حيث صرّح علنا بالقول: "طاولة المفاوضات سيدة نفسها"، ما يعني عمليا أن نتنياهو يسعى في الطرح والممارسة إلى فرض قواعد جديدة للعبة التفاوض، تختلف حتى عن القواعد التي نص عليها اتفاق إعلان المبادئ في أوسلو عام 1993. فالقول إن "طاولة المفاوضات سيدة نفسها"، يذكّر المرء بوصف الأحزاب لمؤتمراتها بالقول: "المؤتمر سيد نفسه"، أي أن المؤتمر يملك صلاحيات التعديل والتغيير، بما في ذلك تعديل أو تغيير المبادئ الأساسية للحزب المعني. وهذا يعني أن:

 

1: طاولة المفاوضات هي الراعي العملي الذي لا راعٍ غيره لعملية التفاوض، أي أن نتنياهو يرفض أي تدخل خارجي في المفاوضات، اللهم إلا إذا كان من الإدارة الأمريكية، بل وبما يتوافق مع شروط رؤيته وإستراتيجيته التفاوضية. وإلا ما معنى عدم ترحيب نتنياهو ببيان "اللجنة الرباعية"، غير رفض التعامل مع هذه اللجنة كراعٍ أو داعٍ للمفاوضات؟؟

 

2: طاولة المفاوضات هي المرجعية العملية التي لا مرجعية غيرها، ما يعني أن نتنياهو يرفض أية إشارة إلى أي قرار من قرارات الشرعية الدولية، حتى ولو كان القرار 242 على عيوبه.

 

3: طاولة المفاوضات هي ما يتقرر عليها قضايا جدول أعمال المفاوضات. وبالتأكيد فإن نتنياهو سيجعل من قضية أمن دولة إسرائيل القضية الأولى على جدول الأعمال، ما يعني الإزاحة غير المحددة زمنيا لقضايا الحدود والقدس واللاجئين والمستوطنات والمياه. وفي هذا تقويض حتى لصيغة أوسلو التي نصت على تقسيم قضايا المفاوضات إلى "انتقالي" و"نهائي"، وحددت جدولاً زمنيا لذلك، بصرف النظر عن عدم الالتزام الإسرائيلي بذلك، وذلك منذ قال رابين جملته الشهيرة: "لا يوجد مواعيد مقدسة".

 

4: طاولة المفاوضات هي المُحَدِّد لنقطة البداية والنهاية، بمعنى أن نتنياهو يرفض بدء التفاوض مع الفلسطينيين من النقطة التي انتهت إليها المفاوضات مع سلفه من الحكومات الإسرائيلية، حتى لو كانت حكومة أولمرت السابقة على حكومته، رغم أنها الأقرب عليه في اشتراطاتها، خاصة وأنها كانت الأولى في طرح مطلب "إسرائيل دولة لليهود" كمطلب للتفاوض، ما يعني أن نتنياهو يريد أن يبدأ مع الفلسطينيين من الصفر، بل العودة بهم إلى ما دون الصفر، أي إلى ما قبل مؤتمر مدريد عام 1991، بما يقودهم في نهاية المطاف إلى الإقرار بإسرائيل كـ"دولة لليهود"، وهو الأمر الأخطر في إستراتيجية نتنياهو التفاوضية.

 

هذا ما أكدته نتائج الجولة الأولى من المفاوضات مع نتنياهو في واشنطن. فبعد هذه الجولة ارتفع منسوب التقييم لدى الوفد الفلسطيني المفاوض بأن نسب النجاح للمفاوضات مع نتنياهو تقترب من الصفر. فنتنياهو لم يلتزم بشيء محدد، بل أكد على مخاطر المشروع الإيراني في المنطقة، مشيرا بذلك إلى أهمية الأغوار لأمن إسرائيل، فضلا عن رفضه الاعتراف بما تم التوصل إليه في المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية السابقة بقيادة يهود أولمرت عام 2008.

 

عليه، يتضح أن صلف نتنياهو أبعد مدى وأعقد من أن يحله إيجاد تجسير بين المطلب الفلسطيني بالوقف الكامل والشامل للأنشطة الاستيطانية، وبين رفض نتنياهو تمديد مسرحية "التجميد الجزئي المؤقت للأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية". بلى، إن الشروط الجديدة التي يحاول نتنياهو فرضها كأساس للعملية التفاوضية، والمكثفة في صيغة "طاولة المفاوضات سيدة نفسها"، هي شروط أكبر وأخطر من إمكانية اختزالها في رفض التمديد لـ"التجميد الجزئي المؤقت للأنشطة الإستيطانية"، كما لا يمكن تجاوز هذه الشروط بما يطرحه الراعي الأمريكي من صيغة عائمة تقول: " إن على حكومة نتنياهو أن لا تعلن ولا تتخذ قرارات باستيطان جديد، وإن على الفلسطينيين أن يسكتوا عن مطلبهم بوقف الأنشطة الإستيطانية"، الأمر الذي يتيح لكل طرف أن يدعي أنه حقق جزءاً مما أراد، ما يعني أن التبني الأمريكي للمواقف الإسرائيلية، الموارب أحياناً والسافر أحيانا أخرى، هو ما يسمح لنتنياهو بالتمادي في شروطه، الأمر الذي كان يستدعي ضرورة التصدي لهذه الصيغة وحسمها مع الولايات المتحدة قبل التوجه إلى المفاوضات المباشرة. فقد برهنت نتائج جولتي المفاوضات في واشنطن وشرم الشيخ أن الإدارة الأمريكية توافق تماما على صيغة أن "طاولة المفاوضات سيدة نفسها"، وإلا ما معنى أن ترد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على مطلب الفلسطينيين بالوقف الشامل والكامل للأنشطة الإستيطانية بالقول: "إن على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إيجاد حل لموضوع الأنشطة الاستيطانية"؟؟!!! وما معنى أن يجيب ميتشل في مؤتمره الصحافي في شرم الشيخ بالقول: "إن الحل النهائي يكمن في دولتين لشعبين، دولة يهودية ديمقراطية ودولة فلسطينية قابلة للحياة..."؟؟!! هذا علماً أن نتنياهو كان قد قال بتاريخ 7 آب المنصرم : "لا يوجد هناك شعب إسرائيلي، بل يوجد هناك شعب يهودي". بهذا المعنى ألا يعني تصريح ميتشل الآنف الذكر تبنياً أمريكياً لمطلب نتنياهو الإعتراف بدولة إسرائيل كـ"دولة لليهود".

 

خلاصة القول: نتنياهو وبتبنٍ كامل من الراعي الأمريكي المنفرد للمفاوضات، سعى، (وكان له ذلك)، إلى فرض صيغة جديدة للمفاوضات، سواء على صعيد المطالب والهدف النهائي، أو على صعيد الرعاية والمرجعيات والأسس وجدول الأعمال، وقد كثف ذلك بأطروحة: "طاولة المفاوضات سيدة نفسها". وبكلمات أخرى كأنه يقول: ميزان القوى الراجح بالمعنى الشامل لإسرائيل هو القول الفصل، سواء على صعيد مجرى المفاوضات أو على صعيد مآلها النهائي، على ما بين الصعيدين من ترابط.