خبر هل تشنُّ إسرائيل حربًا ثانية على غزة؟ صالح النعامي

الساعة 04:30 م|14 سبتمبر 2010

هل تشنُّ إسرائيل حربًا ثانية على غزة؟ صالح النعامي

تزدادُ حدَّة تصريحات المسئولين الإسرائيليين المهدَّدة بشنّ عمل عسكري كبير في قطاع غزة ردًّا على تواصل إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، والتي كان آخرها التصريحات التي أدلى بها الجنرال سامي تورجمان قائد أذرع القوات البريَّة في الجيش الإسرائيلي الذي تحدث عن حربٍ مؤكّدة ضد حماس وحزب الله وقدم بعض التفاصيل حول التدريبات التي تقوم بها القوات الإسرائيليَّة استعدادًا لهذه الحرب، علاوة على التهديدات التي يطلقُها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي يؤكد فيها أن حماس ستدفع ثمنًا كبيرًا لقاء تواصل إطلاق الصواريخ.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل إسرائيل جادة حقًّا في تهديداتِها بشنّ عمل عسكري ضد قطاع غزة؟

 

ويمكن القول بأن صناع القرار في تل أبيب جادُّون حقًّا في هذه التهديدات، وإن كان العمل العسكري الذي يخطِّطون للقيام به في القطاع سيكون مختلفًا عن الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على القطاع؛ فعلى الرغم من الأضرار الهائلة التي أصابت إسرائيل في أعقاب الحرب الأخيرة على القطاع، والتي أدت إلى تدهور مكانة إسرائيل الدولية بشكلٍ غير مسبوق، فإن مصممي السياسات في تل أبيب يَرَوْن أنه يتوجب شن عمل عسكري كبير على القطاع للأسباب التالية:

 

أولًا: بخلاف حكومة إيهود أولمرت فإن حكومة بنيامين نتنياهو أقلّ حماسًا للقضاء على حُكم حركة حماس في قطاع غزة، على اعتبار أنها غيرُ معنيَّة بتسوية سياسية يمكن أن تعيد الوحدة السياسية للضفة الغربية وقطاع غزة، لكن هذه الحكومة تبقى ملتزمةً بإضعاف حكم حركة حماس وتقليم أظافر الحركة وإضعافها إلى أبعد حد وإيجاد بيئة أمنيَّة في القطاع تجعل الحركة مشغولةً بذاتها وتمنع جناحها العسكري من تطوير قدراته الذاتية، لا سيَّما في ظلّ التقديرات الاستخباريَّة التي تؤكِّد أن حماس تواصل تطوير قدراتها العسكرية، وتحديدًا في مجال الصواريخ، ورغبتها في التزوُّد بقدراتٍ عسكريَّة تكسر التوازن الاستراتيجي الذي يميلُ لصالح إسرائيل بشكلٍ كاسح، مثل التزوُّد بصواريخ مضادة للطائرات أو بصواريخ ذات قدرة على حمل رءوس كبيرة وتصل حتى تل أبيب، وهنا يتوجَّب الإشارة إلى أن حكومة نتنياهو قد تتجه نحو العمل على إنهاء حكم حماس في حال قبلتْ سلطة رام الله بفكرة الدولة في حدود مؤقَّتة والتي تمكّن عباس من الإعلان عن دولة في مناطق محدَّدة في الضفة وفي قطاع غزة، وهو ما يستدعي العمل بقوَّة نحو إنهاء حكم حماس في غزة بشكلٍ كامل.

 

ثانيًا: يشكِّل بقاء ملف الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط مفتوحًا مصدر قلق كبير لدى نتنياهو وحكومته، لا سيما وأن نتنياهو لا يُبدي استعدادًا للتوافق مع المطالب التي قدمتها الفصائل الآسرة للجندي، وقد زادت الأمور تعقيدًا بعدما اضطرَّت الحكومة الإسرائيلية للتخفيف من مظاهر الحصار المفروضة على القطاع في أعقاب أحداث أسطول الحرية، حيث أن عائلة شاليط ومعها قطاع واسع من الرأي العام والصحافة الإسرائيلية تقول أنه لم يعدْ في يد إسرائيل روافع لمواصلة الضغط على حركة حماس لإبداء مرونة في كل ما يتعلق ملف شاليط، وهذا ما يشجِّع نتنياهو على عدم التسليم بالأمرِ والتفكير بشنّ عمل عسكري كبير، إذا لم يؤدِّ إلى الإفراج عن شاليط، فإنه على الأقلّ يشكِّل دليلًا أمام الرأي العام الإسرائيلي وعائلة شاليط على أن حكومته بذلتْ جهودًا كبيرة في هذا المجال، وقد يهدفُ العمل العسكري بشكلٍ خاص إلى أسْرِ عدد من قادة الحركة للمساومة على شاليط ولتقليص مطالب الحركة.

 

ثالثًا: في حال كانت إسرائيل قد قرَّرت التحرُّك ضد المنشآت النووية الإيرانية فإن ضربَ القدرات العسكرية لحركة حماس وحزب الله يبقى متطلبًا سابقًا لهذا التحرك، على اعتبار أن إسرائيل تفترض أن إيران ستوظِّف كلًّا من حماس وحزب الله في الردّ على الهجوم الإسرائيلي.

 

رابعًا: من الواضح أن تواصلَ إطلاق القذائف الصاروخيَّة من قطاع غزة على إسرائيل عامل ضاغط على نتنياهو لشنّ عمل عسكري كبير على القطاع، لا سيما وأن نتنياهو لا يمكنه أن يسمح بأن يكون أقل إصرارًا على وقف إطلاق الصواريخ من سلفِه أولمرت، وإذا أضفنا إلى ذلك عمليات إطلاق النار التي قامت بها حماس في الضفة الغربية ومزاعم إسرائيل بأن التعليمات لتنفيذ هذه العمليات صدرتْ من غزة ودمشق تحديدًا، فإن هذا يشكل عاملًا مُغريًا لضرب حماس في قطاع غزة، لا سيَّما وأنه لا توجد في الضفة الغربية قائمة أهداف يمكن أن تلجأَ إسرائيل لضربها، مع العلم بأن إسرائيل تواصل اعتقال نشطاء حركة حماس بدون انقطاع.

 

خامسًا: هناك إحساسٌ لدى صنَّاع القرار عزَّزَته نتائج الحرب الأخيرة على القطاع بأن مواجهة حركة حماس في قطاع غزة هو أسهلُ التحديات العسكرية التي يمكن أن تواجه إسرائيل مقارنة بمواجهات مع حزب الله أو سوريا أو إيران.

 

لكن إن كانت هناك العديد من الأسباب التي تدعو إسرائيل لشن عمل عسكري كبير ضدّ حماس في غزة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما شكل هذا العمل وحجمه وآلياتُه؟

 

من الواضح أن أيّ عمل عسكري ستقوم به إسرائيل في قطاع غزة سيكون متأثرًا بالعبر التي استخلصتها إسرائيل من الحرب الأخيرة على القطاع والتي باتت توصف في إسرائيل بأنها "نجاح تكتيكي انتهى بفشل استراتيجي" فمن المتوقَّع أن تحرصُ القوَّات الإسرائيلية على تجنُّب المسّ بالمدنيين، حتى لا تتعرض مكانتها الدولية لمزيد من التآكل، في نفس الوقت فإن تل أبيب ستحرص على استثمار استئناف المفاوضات المباشرة مع السلطة من أجل توفير مظلَّة دوليَّة تسوغ شنّ عمل عسكري كبير.

 

ويفترض أن تركز إسرائيل على ضرْب الأهداف العسكرية المحضة وللمستويات القيادية في الحركة، وضمن ذلك القيام بعمليات اختطاف على نطاق واسع من أجل استخدام المختطفين في المساومة في ملف شاليط، ومن غير المستبعَد أن يقوم الجيش الإسرائيلي باستهداف التجهيزات والاستعدادات التي تقوم بها حماس لمواجهة العدوان الإسرائيلي، وتحديدًا ما تقول إسرائيل بأنه شبكة من الأنفاق تقوم حماس بحفرها بقصد التسلُّل إلى العُمْق الإسرائيلي، إلى جانب تنفيذ عمليات اغتيال ذات طبيعة استراتيجيَّة، كتلك التي تؤدي إلى خلْط الأوراق بشكلٍ كبير.

 

لا يعني ما تقدم أن العمل العسكري الإسرائيلي ضد القطاع أصبح وشيكًا، بل أن توقيت هذا العمل يرتبط بعددٍ من التطوُّرات، منها تواصل إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على إسرائيل، لا سيَّما في حال أسفرتْ عمليات إطلاق الصواريخ عن وقوع قتلى في صفوف المستوطنين، والبيئة السياسيَّة ومدى تمكُّن تل أبيب من توفير شرعيَّة دوليَّة لمثل هذه الخطوة.