خبر أردوغان يحلّق عالياً .. ماذا بعد؟ ..محمد نور الدين

الساعة 05:48 ص|14 سبتمبر 2010

أردوغان يحلّق عالياً .. ماذا بعد؟ ..محمد نور الدين

 

برغم خسارة المنتخب التركي أمام المنتخب الأميركي في بطولة العالم في كرة السلة، استطاع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أن ينام قرير العين على واحدة من أهم المعارك السياسية التي خاضها، والتي لم يخسر أياً منها حتى الآن منذ أن أصبح رئيساً لبلدية اسطنبول عام 1994 مروراً بدورتين انتخابيتين نيابيتين ودورتين بلديتين فضلاً عن أكثر من استفتاء. وكما ارتفعت اسهمه عالياً صعدت نتيجة الاستفتاء على إصلاحاته الدستورية بالأسواق المالية حيث رفعت الأسهم إلى مستوى قياسي، وسجلت الليرة أقوى مستوياتها مقابل الدولار في شهر وتراجع العائد القياسي للسندات 11 نقطة أساس.

تعود أردوغان على الانتصارات، ولم يشك لحظة انه سينجح فيها، لكن الاستفتاء الذي جرى أمس الأول كان حساسا، لأنه جاء في ظروف صعبة على رئيس الحكومة، إذ أن المعارضة تكتلت كلها لتكسر الإصلاحات، ليس فقط لأنها مقدمة من جانب أردوغان بل لأنها تعارضها أيضاً، ولا تريد بالفعل أن يتم تحديث النظام ويصبح أكثر ديموقراطية وتتعزز الحريات، وهي التي تقتات على بندقية العسكر والتمييز والتحريض العرقي والمذهبي والطبقي.

كما أن الاستفتاء جاء وسط ضغوط أميركية وإسرائيلية شديدة على أردوغان بعد مواقفه من القضية الفلسطينية، لكن مع ذلك ينبغي في هذه النقطة التوقف قليلاً كي لا تختلط الحقائق بالأوهام، إذ أن العامل الخارجي لم يكن مؤثراً في نتيجة الاستفتاء لا لصالح اردوغان ولا ضده. إذ أن خيارات الناخب التركي كانت بالفعل التخلص من نظام الوصاية العسكرية المدعوم من المؤسسات القضائية، ولم يكن أردوغان وحده يريد ذلك، بل إن فئات واسعة من الشعب التركي من ليبرالية ويسارية وإسلامية كانت تريد أيضاً تحديث النظام وترسيخ نظام المساواة

 

والعدالة. أما المعارضات فكانت ترغب في إسقاط أردوغان من السلطة ليس لخياراته الخارجية، بل لأنه بسياسته الشعبية خلق لدى المعارضات حالة من الإحباط فتكاتفت عليه عله يخرج من الاستفتاء ضعيفاً، تمهيداً لإفشاله في الانتخابات النيابية في صيف العام المقبل.

مع ذلك يمكن لأردوغان بالتأكيد الاستفادة من النتائج المتحققة لتوظيفها في سياساته الخارجية، وهذا حق طبيعي ومشروع للغاية.

وإذا كان استفتاء 12 أيلول انتصاراً كبيراً للديموقراطية وأردوغان شخصياً، فإنه لن يكتمل إلا باستكمال الإصلاحات حيث ينتظر الجميع من حزب العدالة والتنمية أن يقدم على إعداد دستور جديد مدني، على أن يكون هذه المرة بتوافق الجميع، لأن المطلوب ليس تغليب فئة على أخرى بل إدخال تركيا في نادي الدول الديموقراطية.

وليس الطريق سهلا أمام اردوغان، فإذا كان تدخل المؤسسات غير المنتخبة مثل العسكر والقضاء في الشأن السياسي مسألة تتعلق بكل شرائح المجتمع فإن التحديات المتبقية التي تواجه أردوغان تتعلق بـ«كتل» كاملة من لون واحد:

أولاً، هناك المسألة الكردية التي أعلن الأكراد مقاطعتهم للاستفتاء الذي جرى، وأعلن حزبهم «السلام والديموقراطية» أن المقاطعة كانت جيدة (هي لم تكن عالية كما توقع الأكراد) وأن الهدف الأساسي للأكراد هو الحصول على حكم ذاتي وليكن الحكم الذاتي لمقاطعة «الباسك» في اسبانيا هو النموذج المقترح. ويريد الأكراد أن يدخلوا ضمانة الاعتراف بهويتهم في الدستور الجديد، وهذا أمر ليس سهلاً على الإطلاق أن يقبل به أردوغان من دون عدم استبعاد إمكانية الوصول إلى حل «خلاق».

وثانياً، هناك المسألة العلوية التي تخص كتلة كبيرة لا تقل عن 16 إلى 20 مليوناً. وهؤلاء يطالبون بالاعتراف بهم على أنهم أقلية علوية لهم هويتهم ومعتقداتهم ومراكز عبادتهم الخاصة بهم، مثلهم مثل أي أقلية مذهبية أخرى. أيضاً ليس سهلاً على أردوغان القبول بذلك، وأن ليس أمامه من حل سوى الاعتراف الكامل بالمطالب العلوية التي نصت عليها التقارير الأوروبية، وهي من الشروط الإلزامية من جانب الاتحاد الأوروبي لقبول تركيا عضواً في الاتحاد.

والمسألة الثالثة، هي إعطاء المسيحيين بعض مطالبهم مثل الاعتراف بمسكونية (عالمية) بطريركية الروم الأرثوذكس في اسطنبول وإعادة فتح مدرسة الرهبان في جزيرة هايبلي قرب اسطنبول.

إلى ذلك فإن نظام الوصاية العسكرية الذي أعلن أردوغان في «خطاب النصر» نهايته بعد صدور النتائج التي أعطت 58 في المئة مع النعم، لا يزال بحاجة إلى اجتثاث ما تبقى منه، ومن أهم الخطوات على هذا الصعيد هو إلغاء المادتين 35 و85 من نظام الخدمات الداخلية للجيش، والتي تحدد مهمة الجيش بالحفاظ على النظام العلماني وحمايته ولو اضطر الأمر لاستخدام السلاح.

وقد أجمعت التحليلات التركية على أن نظام الوصاية العسكرية انكسر وأن أحزاب المعارضة تواجه أزمة كبيرة داخلها. وعلى هذا الصعيد، يبدو أن حزب الحركة القومية بزعامة دولت باهتشلي سيكون الأكثر تضرراً حيث أن قسماً من قاعدته أيد الإصلاحات خلافاً لتعليمات قيادته.

أما الرئيس الجديد لحزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو فقد فشل في أول اختبار له بعد تزعمه الحزب قبل ثلاثة أشهر. بل إن إحدى أكثر الوقائع طرافة أن كيليتشدار اوغلو لم يستطع أن يقول لا للإصلاحات، لأنه لم يستطع أن يقترع في أنقرة، إذ أن اسمه لا يزال مسجلاً في قوائم الشطب في اسطنبول حيث كان يسكن قبل أن ينتقل إلى أنقرة قبل أسابيع، من دون أن يبلغ المعنيين باللوائح انه غيّر مكان إقامته فذهب إلى مركز الاقتراع في أنقرة فلم يجد اسمه في السجلات فلم يستطع الاقتراع، وما كان منه بعد ذلك إلا أن اعتذر من مناصريه.

ويقول الكاتب جنكيز تشاندار في صحيفة «راديكال» إن الشعب التركي أعلن انه لا يريد وصاية عسكرية، ويريد بلداً ديموقراطياً، ويريد الحرية، وهو قال «نعم قوية» للتغيير في تركيا و«لا قوية» لنظام الوصاية العسكرية. واختصر تشاندار بالقول «كمحصلة عامة ربحت تركيا وربحت الديموقراطية».

ويقول طه اقيول في صحيفة «ميللييت» إن النتائج قوّت سلطة أردوغان، لكنها لم تكن سبباً ليكون أكثر تصلباً، بل على العكس فإن النتائج جعلت من رئيس الحكومة أكثر تصالحاً مع الآخرين وهو أعلن احتضانه لكل الفئات من الذين قالوا نعم أو لا. لكن اقيول يقول إن من الدروس التي خرجت بها نتائج الاستفتاء أن سياسة القادة الأكراد في المقاطعة لم تكن ناجحة، كما أن حزبي المعارضة الرئيسيين «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» لن تفيدهما السياسات المتشددة غير الهادفة سوى إلى إسقاط أردوغان، وهذا لم يحصل.

ويرى روشين تشاكير في صحيفة «وطن» انه لا جدال في أن المنتصر الأكبر في هذا الاستفتاء هو أردوغان، وأنها بالفعل كانت بروفة لرئاسة الجمهورية حيث تعزز النتائج إمكانية وصوله إلى الرئاسة عبر حملة شعبية مشابهة، ليكون أول رئيس منتخب من جانب الشعب. واعتبر أن من بين المنتصرين في الاستفتاء رجل الدين فتح الله غولين الذي، وللمرة الأولى، يجازف ويتخذ موقفاً مسبقاً من انتخابات أو استفتاء وهو التأييد للإصلاحات، وهذا يفسر أن أردوغان شكر من بين الذين شكرهم فتح الله غولين شخصياً، وهذه سابقة.

وتحركت جماعات حقوق الإنسان سريعاً في أعقاب التصويت وتقدمت بالتماسات إلى مكتب مدعي عام أنقرة لمحاكمة قادة الانقلاب، وبينهم الرئيس السابق كنعان ايفرين بتهم ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية». وقال رئيس مدعي محكمة الاستئناف العليا عبد الرحمن يالجيناكيا «تصميمنا كقضاة هو حماية استمرار استقلال النظام القضائي حتى في وجه تغيير الدستور والقوانين».

وكان الرئيس الأميركي باراك اوباما أشاد بعد ساعات من صدور النتائج بنسبة المشاركة المرتفعة في الاستفتاء. وأشار البيت الابيض في بيان نشره عقب اتصال اجراه أوباما بأردوغان الى ان الرئيس الأميركي «اقر بحيوية الديموقراطية التركية، التي تعكسها المشاركة في الاستفتاء».

ورحب مفوض التوسيع في الاتحاد الاوروبي ستيفان فولي بموافقة الناخبين الاتراك على الاصلاحات الدستورية بوصفها «خطوة في الاتجاه الصحيح» في جهود تركيا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي، لكنه حث انقرة على تطبيق قوانين تضمن تنفيذ التعديلات الدستورية».