خبر حاجة إسرائيل للمفاوضات المباشرة والتظاهر بالسلام تخفيفاً لتصاعد المخاطر المحيطة

الساعة 06:23 ص|13 سبتمبر 2010

حاجة إسرائيل للمفاوضات المباشرة والتظاهر بالسلام تخفيفاً لتصاعد المخاطر المحيطة

حلمي موسى 

تبدو إسرائيل هذه الأيام تعيش مفارقة كبيرة لم يسبق لها أن شهدت مثلها أبداً. فاليمين الإسرائيلي الحاكم والرافض بطبيعته لمبدأ التسوية بدا وكأنه يتوق للمفاوضات خصوصا المباشرة منها مع الفلسطينيين. وقد فسر كثيرون هذا التوق على أنه محاولة لكسب الوقت في انتظار تغييرات قد تطرأ على الخريطة الحزبية الأميركية أو على الخريطة الإقليمية.

ومن الجائز أن ذكرى الحادي عشر من أيلول تدفع الكثير من الإسرائيليين للإيمان بأن بالوسع انتظار المعجزات من السماء. فإذا كانت الأسرة الدولية تضغط اليوم من أجل حل يقوم على أساس دولتين فمن الجائز أن ظروفاً, كتلك التي سبق أن توفرت, تبدد مرة أخرى هذا الضغط وتحول دون الإقدام على هذا «التنازل التاريخي». ومع ذلك هناك في إسرائيل من يعتقدون أن نتنياهو, مثل أسلافه, اكتشف قيمة التظاهر بالرغبة بصنع السلام مع الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً.

فالتظاهر بصنع السلام كفيل بدفع العالم, خصوصاً الغربي, ليس فقط لتفهم احتياجات إسرائيل الأمنية وإنما أيضا حروبها ضد العرب. وإذا كان ظاهر هذه الحروب موجهاً إلى قوى عربية مقاومة يمكن وصفها بالتطرف فإن مثل هذه التفهم يمكن أن ينزلق من العالم الغربي إلى العالم العربي, خصوصاً «المعتدل» منه. ويدفع إلى ذلك واقع نشوء ما اصطلح على تسميته بـ«المصالح المشتركة» بين إسرائيل وقوى الاعتدال العربية ضد الراديكالية والتطرف.

والتظاهر بصنع السلام لا يستدعي البتة تقديم تنازلات جوهرية خصوصا في الجانب الإقليمي. وأوضح مثال على ذلك أن شمعون بيريز, بعد توليه رئاسة الحكومة إثر اغتيال اسحق رابين, نال السماح بعدم التزامه بتنفيذ اتفاق الخليل. وتطلب الأمر جولة مفاوضات مطولة إضافية في واي بلانتيشن مع نتنياهو في ولايته الأولى لتنفيذ جزء من ذلك الاتفاق.

ومما لا ريب فيه أن حكومة اليمين الإسرائيلي الحالية التي عتبت كثيراً على الإدارة الأميركية لعدم مساواتها مع الحكومات الإسرائيلية السابقة في كل ما يتعلق بغض الطرف عن الاستيطان أدركت متأخرة أهمية الكلام السلمي. فالكلام السلمي, حتى وإن بدا ثقيلا على اللسان, ليس كالفعل السلمي. فهو لا يتطلب إلا حنكة في التعاطي والتمثيل وربما حفظ بضع كلمات باللغة العربية. ولكن الفعل السلمي شيء أخطر من ذلك وهو يمس صميم الأيديولوجيا اليمينية التي لا تستطيع التفكير بخيار تقاسم «أرض إسرائيل» مع أصحابها.

غير أن مخاطر هامة وإحساساً متزايداً بالقلق من المستقبل هو ما قاد حكومة اليمين الإسرائيلي إلى تغيير ألفاظها وخطابها السياسي. فالمفاوضات المباشرة وسيلة لإسكات الانتقادات الدولية لإسرائيل من ناحية وتجهيل للبطش والحصار القائمين على أرض فلسطين. ولكنها, وهذا هو الأهم, وسيلة لصيانة ما نشأ من تحالف صامت بين مصالح أعداء الأمس ورغبة في المحافظة على مكانة ومصلحة القوة الدولية الراعية. ويتجسد ذلك بشكل أساسي في تظهير إيران النووية وكأنها خطر على إسرائيل والدول العربية بدرجة متساوية. وأن هذا التساوي يستدعي من الطرفين تقديم تنازلات لمواجهة الخطر الأكبر.

ولكن إلى جانب ذلك فإن المفاوضات حاجة إسرائيلية لمواجهة ما باتت تسمّيه خطر عملية نزع الشرعية الدولية عن إسرائيل. وإذا كانت عملية نزع الشرعية هذه قد بدأت مع صعود الإقرار الدولي بالحقوق الوطنية الفلسطينية وقرارات وسم الصهيونية بالعنصرية فإنها ماتت عملياً مع بدء العملية السياسية مع الفلسطينيين وتراجع الأمم المتحدة عنها.

ولكن عملية نزع الشرعية تعود هذه المرة ليس بقرارات في منظمات دولية وإنما بضغط في الرأي العام العالمي بسبب غطرسة إسرائيل وتغوُّلها في المنطقة. وليس صدفة أن هذه العملية تعاظمت إثر حربي إسرائيل على لبنان وغزة وبسبب الحصار المفروض على قطاع غزة. وفي الآونة الأخيرة اتخذت هذه العملية وجهة مقلقة لإسرائيل بتصاعد الحملات الأكاديمية والقانونية والسياسية ضد جرائمها وسياساتها.

وفي مثال على تحولات تجري في العالم يمكن الإشارة إلى مجلة «تايم» الأميركية التي جعلت من إسرائيل موضوع غلاف لها بعنوان «لماذا لا يهتم الإسرائيليون بالسلام؟». وقد أثار هذا الغلاف والموضوع المصاحب له ردود فعل قاسية في إسرائيل وأوساط يهودية في أميركا. فإسرائيل التي تشهد ازدهاراً اقتصادياً والجدار الفاصل الذي أبعد الفلسطينيين «إلى القمر» حسب أحد الإسرائيليين, تدفع إلى الاعتقاد بأن الفلسطينيين لا يشكلون خطراً وجودياً وإنما مجرد حالة إزعاج. ويعيد غلاف مجلة «تايم» إلى الأذهان ولو بشكل موارب واقع أن توجه إسرائيل في عهد حكومة رابين نحو اتفاقيات أوسلو جاء في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي بدت فيها إسرائيل في أبشع صورها كقوة استعمارية وقمعية.

ولهذا السبب فإن التقرير الاستراتيجي السنوي الصادر عن مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب لخص العديد من المخاطر التي ستواجهها إسرائيل مستقبلاً رغم حالة الهدوء الأمني الحالية. وهناك في الولايات المتحدة من يحاول طمأنة إسرائيل عبر ضمانات أمنية ونووية من أجل تسهيل إمكانية إبرام اتفاق مع السلطة الفلسطينية.

المشكلة الأكبر التي تواجه إسرائيل ليس الحديث عن السلام وإنما إمكانية تحقيقه والأثمان المطلوبة. لقد أحسن معلق إسرائيلي القول بأن نتنياهو العاجز عن فرض رأيه على وزير خارجيته بشأن تعيين مبعوث لإسرائيل لدى الأمم المتحدة أعجز من أن يفرض رأيه على حلفائه الأشد يمينية للقبول بتقسيم «أرض إسرائيل».

وهناك من يرى أن إسرائيل ومن دون ضغوط مادية فعلية عليها ليست في وارد تقديم تنازلات. نتنياهو يلعب بورقة اتفاقية الإطار التي يمكن إبرامها بخطوط عامة غداً ولكن شرط تنفيذها بعد «أربعين عاماً».