خبر تشخيص الصحابة ثورة بالدراما العربية

الساعة 08:38 ص|12 سبتمبر 2010

تشخيص الصحابة ثورة بالدراما العربية   

فلسطين اليوم- وكالات

انقضى رمضان وتوارت مسلسلاته التلفزيونية مخلفة وراءها سجالات متعددة، كان أبرزها الخلاف بشأن جواز تشخيص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأعمال الفنية.

وقد أعاد هذا الموضوعَ إلى دائرة السجال مسلسلُ "القعقاع بن عمرو التميمي"، الذي أنتجه تلفزيون قطر، وحظي حسب مراقبين بنسب عالية من المشاهدة، كما وُصف بأنه أضخم مسلسل درامي تاريخي عربي.

وقد أقدم القائمون على المسلسل على ما لم يجرؤ عليه كثيرون ممن سبقوهم إلى تشخيص الصحابة رضوان الله عليهم، حيث شخصوا بعض الخلفاء الراشدين، لكن من غير إظهار الوجوه، وهو ما رأى فيه البعض ثورة في الأعمال الدرامية التاريخية العربية.

ويستند من ينتقدون تجربة تشخيص الصحابة في المسلسلات والأعمال الفنية إلى كون الصحابة رضوان الله عليهم شخصيات لها مكانة معتبرة في الإسلام لا يمكن أن يرقى إليها غيرهم، ويرون أن من شأن تشخيصهم المس بهذه المكانة والإخلال بالاحترام الواجب للصحابة والتطاول على مقامهم.

وسيلة للدعوة

ويرى العالم الليبي الدكتور علي الصلابي –وهو أحد العلماء الذين راجعوا نص المسلسل ودققوا وقائعه التاريخية- أن تشخيص الصحابة وتمثيل أدوارهم "مسألة اجتهادية بين العلماء"، وأنه ليس هناك نص يفيد بمنع ذلك من الناحية الشرعية.

وأضاف الصلابي في حديث للجزيرة نت أن بعض العلماء يرون أن السينما والتلفزيون من الوسائل المهمة وذات التأثير الكبير على الناس، "لذلك فلا مانع من استثمارها في نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة، والثقافة والمبادئ الإسلامية الحقة، وتقديم الصورة الطيبة للصحابة الكرام رضوان الله عليهم".

ويشير إلى أن الأعمال الفنية "وسيلة ناجعة للدعوة إلى الله عز وجل، ولتعريف الأمم الأخرى بالحضارة الإسلامية، وتقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام للآخرين من غير المسلمين".

ويشترط الصلابي في هذا الأمر أن تكون هناك ضوابط شرعية، وأن يتم تشخيص الصحابة بعد المراجعة التاريخية الدقيقة للأحداث والوقائع التي سيتناولها أي مسلسل يبتغي التطرق لحياتهم.

وأكد أن المعايير المعتمدة في تشخيص الصحابة هي أن يكون النص مبنيا على رواية تاريخية صحيحة بعيدة عن المحرمات، وأن يتم فيه حفظ مقام الصحابة وقدرهم ومكانتهم.

وعن مسلسل القعقاع قال الصلابي إن نصه "خضع للمراقبة الدقيقة من الناحية التاريخية والفكرية، وخضع لمعايير واضحة ودقيقة ومضبوطة"، واعتبر أنه "أول مسلسل تاريخي يقع عليه الإجماع من ثلة من علماء الشريعة الإسلامية راجعوا نصه ودققوه".

وقد أشرفت على مراجعة نص المسلسل لجنة تتكون من كل من رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، والخبير الأول في مجمع الفقه الإسلامي العالم المغربي الدكتور أحمد الريسوني، والداعية والعالم السعودي الشيخ سلمان العودة، إضافة إلى العالم الليبي الدكتور علي الصلابي، وأستاذ التاريخ الإسلامي وعلوم الحديث العالم العراقي الدكتور أكرم ضياء العمري.

واعتبر الصلابي أن من تابعوا مسلسل القعقاع –بمن فيهم المعارضون له- "يجمعون على أنه قدم مادة فكرية وحضارية مهمة جدا"، مضيفا أنه "عمل جاد ومليء بالقيم الطيبة، وعالج بعض فترات الفتنة في تاريخ المسلمين بطريقة علمية بعيدة عن الطائفية والتعصب".

مسألة نفسية

أما المشرف العام على المسلسل الشيخ فيصل بن جاسم بن محمد الأحمد آل ثاني فقال بدوره إن تشخيص الصحابة "مسألة اجتهادية ليس فيها نص صريح يحرم هذا الأمر"، وقال إن هناك مسلسلات سابقة تم فيها تشخيص صحابة كرام، مثل سعد بن أبي وقاص وبلال الحبشي وحمزة بن عبد المطلب، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، وتساءل "ما المانع إذن من تشخيص الخلفاء الراشدين؟".

واعتبر في حديث للجزيرة نت أن المسألة "نفسية بالدرجة الأولى ولا تستند إلى أساس شرعي"، وجوابا على سؤال بشأن عدم إظهار المسلسل وجوه الخلفاء الراشدين، قال "اعتبرنا أن تشخيص الخلفاء الراشدين قد يكون صادما كثيرا، وقد يأتي بعدنا آخرون يحققون تقدما آخر في هذا الموضوع".

ويرى الشيخ فيصل بن جاسم أن ما أقدم عليه منتجو المسلسل "جرأة محمودة تستحق أن تتطور إلى ما هو أحسن"، وتوقع أن تكون هناك مسلسلات في المستقبل يتم فيها تشخيص الخلفاء الراشدين بشكل كامل.

مشاعر وتخمينات

الدكتور أحمد الريسوني يرى بدوره أن تمثيل الصحابة والصحابيات والخلفاء الراشدين ونحو هؤلاء من رموز الدين والأمة "موضوع يجب أن نعترف ونسلم منذ البداية بأنه لا يحكمه نص شرعي ولا قياس على نص".

وقال الريسوني في حديث للجزيرة نت إن العلماء والفقهاء الذين يتحدثون في هذه المسألة "إنما يتحدثون بمشاعرهم وتخميناتهم وتقديراتهم، والعواطف لا تقام عليها الأحكام، ولا يستطيع أحد أن يدعي أن هناك دليلا خاصا يتعلق بتحريم هذه المسألة".

وأشار إلى أن بعض الفقهاء يلجؤون في تحريم تشخيص الصحابة إلى الآثار والمآلات والنتائج، و"هذه المآلات والنتائج يجب أن ينظر إليها من خلال الواقع وليس من خلال التوقع".

وأكد أن المعيار الذي يمكن اعتماده للحكم على تشخيص الصحابة هو أنه "بصفة عامة إذا كان المسلسل فيه سلامة شرعية وصدق تاريخي وإتقان فني، فإنه بدون شك سيترك آثارا جيدة، ويكون له تأثير كبير وكاسح أكثر من خطب الخطباء ومواعظ الواعظين ودروس المدرسين".

ويضيف أنه "إذا تضمن المسلسل إساءة أو أمورا لا تليق فهذه مسألة ينبغي النظر إليها بعينها، وينبغي الحرص على ألا يظهر الصحابي في وضع غير لائق، وألا يتم إظهاره في حدث غير صحيح"، مؤكدا ضرورة خضوع مثل هذه المسلسلات لمراجعة قبلية ومراقبة شرعية وتاريخية من بداية العمل إلى نهايته، ومن قراءة النص إلى التصوير وإلى المونتاج والإخراج النهائي.