خبر كتب علي عقلة عرسان؟؟ تأملات وتطلعات عند عتبة العيد

الساعة 05:02 م|10 سبتمبر 2010

كتب علي عقلة عرسان؟؟  تأملات وتطلعات عند عتبة العيد

مبارك عيد الأمة كلها، وكل عام وأنتم بخير.‏

‏ مبارك عيد البشر، عيد افطر بعد جهاد النفس وانتصار الإرادة الخيرة، وتطهير النفس من أدران ونزوات وشهوات. عيد العمل الذي يرفع شأن الإنسان ويقربه من ربه زلفى بالعمل الصالح والرحمة الإلهية .‏

مبارك عيدنا نحن المسلمين ولو كان منقوصاً، متجدد الانتقاص، تداخله الغصة التي تعشش في الحلوق؛ ذلك لأنه بينما الناس يقبلون على الفرحة مستبشرين، تخيم على النفوس ظلال ما يعاني منه أخوة لنا في الله يقاسون الأمرَّين من الأخطار والفيضانات والاحتلال والحصار. ومن العدوان والقهر وظلم ومن اضطهاد وقتل وتهديد مقدسات وتهويدها، وهدم بيوت وترويع نفوس وذراري، وجنون متعصبين يتهمون الإسلام بجهل، ويسيئون إلى القرآن ورسالة الإسلام بعنصرية وكراهية. ‏

ـ ففي فلسطين المحتلة يواصل الصهاينة وعملاؤهم إرهابهم ضد العرب المسلمين، وهاهم يغتالون المجاهدين  ويسجنونهم في معتقلات تفوق المعتقلات النازية سوءاً ، ويدبرون المكائد للإيقاع بين سلطة فلسطينية محكومة باتفاقيات ومصالح تملي عليها أن تشن حرباً على شعبها الذي يرفض الاستسلام، ومقاومة شعبية متمسكة بالحق والأرض والمقدسات والعقيدة، تدرك جيداً أبعاد المشروع الصهيوني وخطره على العروبة والإسلام، وترفض الاستسلام له والتسليم بما تقود إليه اتفاقيات المنهزمين والمستسلمين ومفاوضاتهم العقيمة الذين اختاروا طريق التنازل وذله وتركوا ملايين الفلسطينيين بلا أمل بالعودة والوطن المستقل ، كما تركوا من هو داخل جغرافية فلسطين المحتلة أسيراً أو مقهوراً أو مهدداً في رعب الملاحقة من جيش الجنرال دايتون والمتعاملين مع العدو يقتاتون بأثدائهم يبع ويشترون في سوق " الواقعية السياسية الذليلة البائسة " المرتمية على أعتاب العدو؛ كما تركوا العنصريين الصهاينة أكثر أمناً وغطرسة، يهدمون البيوت ويتركون الأطفال والنساء محاصرين في العراء، فريسة للبرد والحر والقهر والغربة في أيام العيد، وكأنهم لا يمتون لأمة العرب والمسلمين بأية صلة ؛ ويسكت على ذلك من يسكت من العرب والمسلمين بحجة أن صاحب البيت موجود فيه ؟!!.‏

ـ وفي باكستان يتعرض الأبرياء من أبناء أمتنا للمعاناة الشديدة، ويحمل السلاح هناك مسلم ضد المسلم بتحريض من الأميركي عدو الأمة الذي يفتك بالطرفين ويسخرهما ليقتل بعضهم بعضاً.. في فعل ضد الأمن والإنسان والوطن وحتى الأمة والقيم والأديان بمفهومه النقي السمح الأصيل الشامل: معارضة مسلحة وسلطة مسلحة ومؤامرة خارجية مسلحة، وكل منها يطعن الوطن والأمتين الباكستانية والإسلامية في القلب، ويبيح الدم البشري أو يستبيحه في خضم كارثة بيئية لا مثيل لها يراد لها أن تصبح فتنة طائفية ومذهبية أيضاً.. وكأنما الخالق سبحانه لم يفتد إسماعيل بذِبح عظيم صوناً للدم البشري البريء وتأكيداً لقداسة الحياة البشرية وأهميتها، وحمة دم المسلم على المسلم، وكأنه سبحانه وتعالى لم يقل في كتابه العزيز  "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً "وكأنه لم يدع إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وأنه لن يحاسب على الإثم والقتل وإثارة الفتن.؟!‏

ـ وفي أفغانستان تستمر أعيادنا ملطخة بألداء البشرية، وفي أنحاء أخرى من إفريقيا وآسيا الوسطى والعالم.‏

في العيد نتذكر أخوتنا ومسؤولياتنا وواجباتنا الدينية والاجتماعية والقومية والإنسانية ، ونذِّكر بتا ؛ ونتذكر أيضاً أن من حق هذه الأمة أن تفرح، ومن حق أبنائها وصيامها على الخصوص أن يستمتعوا بعيدهم ، وأنه لن تصاب أمة العرب والإسلام أبداً بالقنوط، فلا يقنط من رحمة الله سبحانه إلا المبلسون، ولن يتنازل عن حقوقه المشروعة ومنها الفرح في الحياة إنسان يتعلق بإنسانيته وحقوقه ويدرك حدود الحرية والعدل والحق والواجب، ويمارس وجوده التام على أرضية ثابتة من الوعي والحرية والمسؤولية والإيمان .‏

مبارك عيد المسلمين جميعاً ، ومباركة ومقبولة طاعة الطائعين المقبلين على الحق والهداية، ولكن فليذكر كل منا معاناة أخوته في المواطنة والإسلام والإنسانية، وليدخل الفرح إلى قلوبهم إن استطاع أو يعمل من أجل ذلك ما استطاع، لكي يدخل الفرح إلى قلبه وروحه وأسرته وعشيرته الأقربين من باب مشروع وبراحة ضمير؛ ولنذكر دائماً شراكتنا في الشرط الإنساني ومسؤوليتنا عن المصير الإنساني، فنحن في الحياة مسؤولون عن الحياة.‏

2 ‏

ندخل عيد الفطر هذا العام محاطين بالمخاوف، مكبلين بالبلادة أو بما يمكن أن يجمِّله البعض منا ويقول: إنه الحكمة، حتى لو كانت مستثقلَة وشديدة الوطأة والتكاليف. هناك زمن يكون فيه العيد ابتسامة وضحكة رضا وفسحة أمل وزمن يكون فيه العيد شحنة قهر وتيار أسى ورصاصة تخترم جسداً فتنهي عمراً، وتورث البؤس والأسى لأناس، ونحن بين لحظة يكون فيها العيد صيحة من أعلى: "أين أنتم، الأطفال يقتلون وليس لهم أمن من جوع وخوف ولا طعام حتى من غسلين.. أين أنتم وقد طفح الكيل وطمّ السيل وزاد الهم عن قدرة أيوب على الاحتمال.. ولحظة أخرى يكون فيها اجتياح وتدمير وتسفير وقهر من كل لون وتصريحات بائسة هنا وهناك وأخرى تنذر بعظائم الأمور.

العيد بعض وجوه الزمن المشرقة عند من يحصرهم الزمن في دائرة التعب والبؤس والمعاناة، ويفتَرَض أن يكون في العيد فرح وأن يتهادى الناس الابتسامة والأمل، وأن يشمل الاطمئنان النفوس والقلوب وتخلو الأرواح من الرَّهَق الذي يلاحقها في أيام كثيرة، إن لم يكن في معظم الأيام. العيد فسحة بوح بشري عام بين الناس على أرضية من الصفاء والمودة.. ولكن هل يتاح لكثيرين منا، نحن العرب والمسلمين يوم، عيد من هذا النوع أو ذاك مما نرتاح فيه، لا سيما في أرض يجثم فوقها الاحتلال بعنصريته ودمويته وإرهابه المقيت، وأخرى يتهدد أهلها العدوان والتدمير وتفترسهم الكوارث والمآسي؟!. 

المال والبنون زينة الحياة الدنيا، ولكن الحياة الدنيا من دون زينة في أرضنا منذ زمن بعيد لمن لهم قلوب يبصرون بها, أما أصحاب العيون الواسعة والبصر الحديد فهم ينظرون إلى زهو الأيام وزبَدِها ويسهرون حتى السَّحَر ويرقصون حتى الفجر في ليالي رمضان، ولا يعنيهم أن تكون أرضهم محتلة منذ عقود، وأن يموت أشقاء لهم كل يوم، أو أن تستمر معاناتهم القاسية في المعتقلات والسجون كل سنوات العمر أو معظمها، إذ يبدو من وجوه أن أولئك بشر من نوع خاص، ومن يعنيه عيش من نوع خاص لا يعنيه بشر من نوع خاص، يتعلقون بقضايا ونضال ومقدسات وكرامة وحريات، فهو يتعلق بأمور لا تعني هؤلاء من قريب أو بعيد، ولكل حي شأن، ولله في خلقه شؤون.

يوم العيد سيحاول كل أب مسلم أن يدخل إلى بيته وعلى شفته ابتسامة أو بيده هدية يقدمها لطفله أو لحفيده أو لعزيز عليه، عدا آباء في فلسطين المحتلة وباكستان ولصومال وأفغانستان..إلخ  ومن هم على شاكلتهم في الهم والاهتمام والمصاب، فكثير من أولئك، إن لم نقل كل أولئك، سيدخلون إلى بيوتهم بدمعة وغصة أو تتزحلق قلوبهم وهم يدخلون بيوتهم في مجرى من دمع طفل أو أمٍّ أو أخت أو أخ، دمع يفيض على عزيز قضى وآخر في المعتقل وثالث ملاحق في كل زاوية من الوطن، ورابع لا يجد الطعام وكسوة العيد.. وعلى بيت تهدم وشجر اقتلع وأمن شريد في الوعَر، يستأثر بكل فرح العيد ويحبسه هناك في فضاء لم تنطلق فيه الحرية، ويجمده الاحتلال العنصري والاحتلال الهمجي في ذاكرة الزمن، ويسرقه الغزاة، قطاع طرق العصر الحديث، الذين يمارسون القرصنة بثياب جنود وأسلحة جيوش.

صباح العيد لحظة لا تجمعنا نحن المسلمين اليوم على فرح تام وألفة شاملة في بيت الأمة الأوسع وروحها الأرحب، بل لحظة تظهر التمايز والتمييز والتنابذ بين قلوب لا تعبأ بقلوب، وأخرى تذوب حسرة وألماً وتتمنى لو يكون لها من اهتمام أخوتها نصيب، وثالثة تلوب من أسى على ما يكون من شأن الناس هنا وهناك، وتتمنى لو تكون في موقع فعال، يخفف الشدة أو يكون قوة على العدو.

وفي هذا المناخ أستشعر الألم مشوباً بالعجز وقد داهمني صبح العيد، وأرى إلى أخوتي في خضم معاناة قاسية، لا يصل صريخهم إلى آذان صاغية، وقلوب مبصرة، وأمة حية، ومسلمين على قلب واحد.

فأقول يا قلب كن حمامة.. كن طائر السنونو في غير موسمه واغتنم ربيع الروح في مواسم الأعياد واذهب بعيداً في ذلك الفضاء الرحب لترى كيف يكون العيد في عيون مذعورة وأخرى يغمرها دمع الفقد والقهر، وفي بيوت فارقتها القلوب لأنها تسكن مع أحبائها في مواقع المواجهة، أوفي وحشة المقابر، أو في عتمة الزنازين.. خذني إلى هناك لأكون عيناً ترى وأذناً تسمع، وهيكلاً عظمياً يخشع عند عتبات نفوس كبيرة، تجاهد بإيمان وتصبر بلا حدود، وبيوت بلا أمن ولا اطمئنان توفره للأطفال حتى في صبح العيد، وأخرى مهدمة بلا سكان وكل ذنب أصحابها أنهم رفضوا الظلم وطلبوا الحرية وقالوا ربنا الله.

من قال إننا في العيد أمة واحدة وقلوب مطمئنة متقاربة ومتحابة وأجسام متراصة يسهر فيها العضو لسقم العضو الآخر وشكواه!؟ نحن قلوب شتى وأهواء شتى وإيمان شتيت، وإلا لما أكل الوحش رأس أخينا ونحن ننظر ولا نحرك ساكناً، وكأنما المأكول لا يمت إلينا بصله، وكأن ما يجري لـه اليوم لا ينتظرنا غداً؟! عالم من وحشة أو وحوش يلفه ضوء الشمس في صباح العيد، وكل يزدهي ويزهو تحت وهج الشمس بما يشاء: بعض يزدهي ويزهو بملابسه، وبعض بسلاحه، وبعض بجرائمه، وبعض بجبنه، وبعض بما ملك، وبعض بمن أهلك وقد هلك، وبعض بجراح لم يغطها التراب ودم يسيِّج البيوت والمقدسات، وبعض بما ينتظر من جراح ورحمة من الله وجنة رضوان عرضها السماوات والأرض؟! فهل نحن أمة واحدة صامت شهراً واحداً وتعبد إلهاً واحداً؟!

إن ذلك في رأيي موضع سؤال عريض، حتى لا نقول موضع شك كبير.