خبر كيف نشكر الله علي صيام رمضان؟

الساعة 05:51 ص|10 سبتمبر 2010

 كيف نشكر الله علي صيام رمضان؟

فلسطين اليوم-الأهرام المصرية

من نعم الله علينا أن أطال في أعمارنا‏ ومد في أنفاسنا وجعلنا ندرك رمضان‏..‏ شهر الخيرات والبركات‏..‏ السعيد من أغتنم هذا الشهر الكريم فكان من الفائزين‏.

 ‏ فكان في نهاره من الصائمين‏,‏ وفي صلاته من الخاشعين‏,‏ وعن اللغو من المعرضين‏,‏ وفي عمله من المتقنين‏,‏ ولفعل الخيرات من المتسابقين‏,‏ وللأرحام من الواصلين‏,‏ وللصدقات من المخرجين‏,‏ وللصائمين من المطعمين‏,‏ وللفقراء والأيتام من العاطفين‏..‏ ولكل أفعال الخير من المؤدين‏..‏ وبالأسحار من المسبحين المستغفرين‏,‏ وبالليل من الساجدين‏,‏ ومن الله تجده من الخائفين الوجلين لا يدري هل قبل عمله أم لم يقبل‏..‏ وهذا الخير العظيم والثواب الجزيل يستحق من الإنسان أن يشكر الله عليه‏..‏ فكيف يشكر الإنسان ربه أن وفقه لصيام هذا الشهر الكريم‏..‏ هذا ما سنتعرف عليه في هذا التحقيق‏.‏

المحافظة علي الطاعة

من أعظم النعم التي امتن الله بها علي الإنسان أن وفقه لصيام شهر رمضان وأعانه علي قراءة القرآن والقيام وإخراج الصدقات وكل أنواع الطاعات‏..‏ فإن وفق المؤمن لاغتنام هذه الأجواء الإيمانية في شهر رمضان‏..‏ فاتقي الله وعاش التقوي‏,‏ فتخلي عن السيئات وتحلي بالإيمان وتجلي لله بالخشوع في شهر فإن هذه النعم تستوجب من الإنسان أن يشكر الله أن وفقه الله لها‏..‏ ولكن للأسف قليل من الناس الذي يؤدي شكر نعم الله تعالي‏..‏ قال تعالي‏:(‏ وقليل من عبادي الشكور‏).‏ فالبعض يعتقد أن شكر الله لا يكون إلا علي نعم الدنيا وهذا فهم خاطئ لمفهوم الشكر‏..‏ فنعمة الهداية أعظم وأجل النعم التي تستوجب الشكر‏..‏ يقول الشيخ أحمد ترك إمام وخطيب مسجد النور بالعباسية‏:‏ المسلم يفرح يوم فطره ويحمد الله ويشكره علي إتمام الصيام ويكون ذلك باللسان والقلب والجوارح‏..‏ فلسان المرء يعرب عما في قلبه‏,‏ فإذا امتلأ القلب بشكر الله لهج اللسان بحمد ربه والثناء عليه وجعل الإنسان لسانه رطبا بذكر الله من تسبيح واستغفار وقراءة القرآن‏..‏ وبالقلب بالرضا بما قسمه الله له‏..‏ وبالجوارح بالمداومة علي بعض الأعمال الصالحة التي هي من جنس الأعمال التي كان يعيشها في رمضان وإن كانت قليلة‏..‏ والنبي صلي الله عليه وسلم يقول‏:(‏ أحب الأعمال إلي الله أدومها وإن قل‏)..‏ فإذا كان صيام رمضان انتهي فهناك صيام الست من شوال‏..‏ فمن صامهما فكأنما صام الدهر‏,‏ وهناك صيام الاثنين والخميس‏,‏ والأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر الهجري‏,‏ وهناك يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم وصيامه سبب لتكفير ذنوب السنة الماضية‏,‏ وصيام يوم عرفة وهو يوم التاسع من ذي الحجة وصيامه يكفر سنتين‏,‏ ماضيه ومستقبله‏,‏ وهناك صوم شهر الله المحرم وشعبان‏..‏ وإذا كانت صلاة التراويح انتهت فهناك قيام الليل‏,‏ وإذا كانت زكاة الفطر انتهت فهناك الصدقات‏,‏ والفقراء الآن كثيرون ويحتاجون إلي من يعطف عليهم ويساعدهم‏..‏ فالفقراء موجودون طوال العام وليس في رمضان فقط‏,‏ وإذا كان الإنسان يحرص علي مساعدة الناس ويكف الأذي عنهم في الشهر الكريم فيجب أن يكون علي هذه الحالة طوال العام وليس في رمضان فقط‏..‏ فرب رمضان هو رب باقي الأيام‏..‏ كما يجب علي الإنسان المؤمن أن يصنع مناخا للعبادة والتقوي في بيته كأن يقود أهله وأولاده إلي الخير كأن يحافظ علي الصلاة ومدارسة القرآن والمواظبة علي سماع بعض دروس العلم‏..‏ أما الذين ينساقون وراء شهواتهم وغرائزهم وينساقون وراء شياطين الأنس والجن‏..‏ فهؤلاء ما أدوا حق الله وما شكروا نعمة الله عز وجل أن وفقهم لصيام هذا الشهر الكريم‏..‏ وهذا عين الكفران بالنعمة‏.‏

وأوضح أن النبي صلي الله عليه وسلم كان أكثر الناس شكرا لله عز وجل فكان يقيم الليل حتي تتفطر رجلاه فقالت له عائشة رضي الله عنها يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال‏:‏ يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا‏,‏ وكان النبي صلي الله عليه وسلم يوصي معاذ بأن يدعو الله أن يعينه علي شكره فقال صلي الله عليه وسلم له‏:‏ يا معاذا أوصيك أن لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول‏:‏ اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‏..‏ فالشكر أعظم عطاء يعطي الإنسان وكانوا يسمون الشكر‏(‏الحافظ‏)‏ لأنه يحفظ النعم الموجودة و‏(‏ الجالب‏)‏ لأنه يجلب النعم المفقودة‏..‏ فمن سنن الله أن الشكر يزيد النعمة قال تعالي‏:(‏ لئن شكرتم لأزيدنكم‏)..‏ ومن أركان الشكر الاعتراف بأن الله هو صاحب الفضل فيما وصلنا إليه من طاعة وعبادة قال تعالي‏:(‏ ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك‏)..‏ فالإنسان عندما يوفق لشكر الله فهذه نعمة تحتاج إلي شكر آخر لأن الإنسان لا يشكر الله إلا بتوفيق من الله عز وجل‏..‏ وعندما يوفق الإنسان للشكر فإن الله يفتح له أبواب الخير من حيث لا يحتسب‏.‏

صون الجوارح

‏..‏ ومن شكر الله علي صيام شهر رمضان أن نصون جوارحنا‏..‏ فنصون اللسان عن معصية الله‏..‏ فنصونه فنبتعد عن الغيبة والنميمة واللغو والرفث والوقوع في أعراض الناس ونكف الأذي عن الآخرين‏..‏ أما الذي يعصي ربه فما شكر الله وما أناب إليه‏..‏ وما عرف حق هذا الشهر العظيم‏..‏ هذا ما أكده الشيخ عماد مالك إمام وخطيب بالأوقاف الذي قال‏:‏ شهر رمضان يعلمنا التقوي ويعلمنا الامتثال لأمر الله وذلك بترك الطعام والشراب والشهوة‏..‏ فإذا كان المرء يجاهد نفسه طوال الشهر الكريم ليمتثل أمر الله‏..‏ فهل يليق به أن يعصيه بعد نهاية هذه الطاعة‏..‏ فلقد خرج المؤمن بزاد من هذا الشهر ألا وهو التقوي‏..‏ قال تعالي‏:(‏ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون‏)..‏ فلابد للمرء المسلم أن يحافظ علي هذه التقوي بشكر ربه وباجتناب معاصيه‏..‏ فالمؤمن حقا يخرج من شهر رمضان وقد تعود لسانه علي الذكر والتسبيح والطاعة وقراءة القرآن‏..‏ ويجب أن يستمر اللسان علي هذه الحالة بعد رمضان فيكون لسانه دائما رطبا بذكر الله وبقراءة القرآن فلا يتكلم إلا بخير‏..‏ أما أن يخوض بلسانه في أعراض الناس فما نفعه صيامه في شيء‏..‏ وما تعلم من صيامه شيئا وما أدي شكر نعمة أن وفقه الله لصيام هذا الشهر الفضيل‏..‏ ولعل هذا المعني في قول النبي صلي الله عليه وسلم‏:(‏ رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش‏,‏ ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب‏).‏ لأنه يصوم عادة فإذا أنقضي الشهر خاض بلسانه كما يخوض الخائضون ولقد كان شهر رمضان مربيا ومعلما للمرء علي صون اللسان‏..‏ فمن ذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم‏:(‏ إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم‏)..‏ فشكر هذه الطاعة أن يعود المرء نفسه أن يحفظ لسانه‏..‏ فرب كلمة قالها الإنسان جلبت له سخط الله‏.‏

وأوضح أن من صون الجوارح صون النفس عن أكل الحرام‏..‏ فشهر رمضان علمنا أن نترك الحلال من الطعام والشهوة لكي يسهل علينا ترك الحرام‏..‏ وإذا كنا قد تعبدنا لربنا بترك الحلال في رمضان‏..‏ فهل نقترف الحرام بعد رمضان‏..‏ فمن شكر النعمة أن يصون المرء نفسه عن معصية الله وأن يتجنب أكل الحرام‏..‏ ويتقي مواطن الشبهات في مطعمه وملبسه وفي حياته كلها‏..‏ فرب لقمة من حرام باعدت بينه وبين ربه وردت عليه أعماله فلا يقبل منه صيام ولا قيام لأن مطعمه حرام ومشربه حرام‏,‏ ومنها حفظ العين بأن يغض الطرف عما حرم الله عليه‏..‏ فالنظرة سهم مسموم من سهام الشيطان كما علمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم‏..‏ فهذا السهم يمحو بشاشة الطاعة ويذهب حلاوة العبادة التي كانت في شهر رمضان‏..‏ فمن شكر النعمة أن يغض المرء بصره ابتغاء رضا الله عز وجل عليه ومن صون الجوارح أيضا‏..‏ كف الأذي عن الناس‏..‏ فالبعض ممن صام رمضان لا يكف أذاه عن خلق الله ويؤذي جيرانه فيضيع عمله ويحبط أجره‏..‏ ولو كان شاكرا لربه علي هذه الطاعة لخرج من رمضان ذليلا منكسرا وتخلق بأخلاق النبي صلي الله عليه وسلم فيعامل الناس بالحسني ويتجاوز عن زلاتهم ويتحمل أذاهم ويعطف علي الفقراء والمساكين ويساعد المحتاجين ويمشي في مصالح الناس‏..‏ فلقد ذكر عند النبي صلي الله عليه وسلم امرآة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال‏:‏ هي في النار‏),..‏ فما نفعها الصيام بشيء لأنها كانت تؤذي عباد الله‏,‏ فالمرء المسلم يحافظ علي هذه العبادة نقية طاهرة خالصة لربه بأن يجتنب معصية الله وبأن يصون جوارحه ولسانه عما حرم الله حتي يقبل الله عز وجل منه هذه الطاعة ويجعله من عباده المقبولين‏.‏

الصدق في العبادات

الصادق في طاعة الله لا يتغير ولا تتبدل طاعته‏..‏ فمن دخل رمضان وهو عازم النية علي التوبة وعدم العودة إلي المعاصي والذنوب فإن الله سيعينه‏..‏ والصدق في طاعة الله دليل تعلق قلب الإنسان بربه ودليل علي شكر الله علي نعمه الكثيرة الي لا تعد ولا تحصي‏..‏ ونحن لا نطالب الإنسان أن نكون بعد رمضان كما كنا في رمضان فهذا شيء صعب‏!!‏ فأيام رمضان لها ميزة وطاقة خاصة‏,‏ ولكن نريد أن نأخذ من هذه الطاقة والقدرة الرمضانية ما يعيننا علي الثبات بعد رمضان هذا ما أكده الدكتور مصطفي مراد الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر الذي قال‏:‏ من الطبيعي أن يأتي علي الإنسان فترات يفتر فيها‏..‏ فلا يمكن لإنسان أن يظل في درجة واحدة من الاجتهاد فالنفس تنشط وتكسل‏,‏ والقلوب لها إقبال وإدبار‏,‏ فأحيانا تجد النفس مقبلة علي الله حتي يود الإنسان ألا ينقطع عن العبادة وأحيانا تثقل عليه الفرائض‏.‏ في حالة فتوره يجب ألا يترك واجبا ولا يعمل محرما‏..‏ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ لكل عمل شرة‏(‏ قوة ونشاط‏),‏ ولكل شرة فترة‏,‏ فمن كانت فترته إلي سنتي فقد أفلح‏,‏ ومن كانت إلي غير ذلك فقد هلك‏..‏ أي من كان في حال فتوره علي غير سنة النبي صلي الله عليه وسلم فقد هلك‏.‏ ولقد شبه الله تعالي من أقلع عن ذنب ثم عمل صالحا ثم عاد إلي الذنب مرة ثانية كامرأة غزلت غزلا وصنعت منه ثوبا‏,‏ فلما اكتملت أطرافه وأعجبها‏,‏ جعلت تقطع الخيوط وتفتلها خيطا خيطا بلا سبب فقال سبحانه‏(‏ ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا‏).‏

وأوضح أن الإنسان حتي يكون صادقا في طاعة الله فيجب عليه أن يحاسب نفسه‏..‏ فالإنسان إذا حاسب نفسه كل يوم علي تقصيره في حق الله ولام نفسه علي معصيته لله فإنه حري به أن يستمر علي الطاعة ويبتعد عن المعاصي‏..‏ وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وهو من هوـ يحاسب نفسه كل يوم وكان يقول حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ومحاسبة النفس مهمة في تجديد الإيمان قال تعالي‏:(‏ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد‏).‏

وأشار إلي أن البيئة المحيطة من أهم الأسباب التي تجعل الإنسان لا يحافظ علي الطاعة بعد رمضان‏..‏ فالإنسان ابن بيئته فمن رأي إقبال الناس في رمضان وحرصهم علي الطاعة ومسارعتهم إليها فإنه ينشط ويقبل علي العبادة ثم إذا رأي ضعفهم وفتورهم بعد رمضان فإنه يعود لارتكاب المعاصي‏..‏ لذلك يجب علي الإنسان أن يحرص علي صحبة الأخيار‏..‏ فمجالسة الصالحين تربية وبناء ومجالسة الطالحين إفساد وهدم وكم من صبي أو شاب ساء خلقه وارتكب المعاصي والذنوب بسبب صاحبه ورفيقه‏.‏

وأكد أن نسيان الموت سبب لعدم الاستمرار علي الطاعة وعدم الصدق مع الله‏..‏ فالغفلة عن الموت تؤدي إلي تعلق الإنسان بالدنيا وزينتها وتسويف التوبة والتكاسل عن الطاعات‏..‏ ورسولنا الكريم صلوات الله عليه يقول‏:(‏ أكثروا من ذكر هادم اللذات يعني الموت‏).‏ وتذكر الموت يردع الإنسان عن ارتكاب المعاصي ويلين القلب القاسي ويذكر بالآخرة ويعين علي القيام بالطاعات ويساعد علي سرعة التوبة‏.‏