خبر دراسة : هل تهاجم ايران – تقديرات القائد*

الساعة 08:23 م|06 سبتمبر 2010

دراسة : هل تهاجم ايران – تقديرات القائد*

بقلم: رون تيرا**

* تقدير استراتيجي – المجلد 13 – العدد 1 – حزيران 2010.

** يخدم الخدمة الاحتياطية في قسم تخطيط المعركة في سلاح الجو

خاص : فلسطين اليوم

قد تبتُ قيادة اسرائيل القومية في الأشهر القريبة  في سؤال هل تهاجم المنشآت الذرية في ايران. سيكون هذا أحد القرارات الأشد  تعقيدا مما اتخذ منذ انشاء الدولة. هدف هذه المقالة توضيح وترتيب النقاش لعدد من تقديرات القائد عندما يأتي لاتخاذ هذا القرار. ليس هدف المقالة التوصل الى استنتاج ما، بل الاشارة الى الاسئلة الرئيسة التي ينبغي الفحص عنها والبدء في رسم التقديرات التي تؤثر في نقاشها. والاسئلة في الجملة كالآتي:

·  مواقف اللاعبات: ما هي اللاعبات ذات الصلة وما هي مصالحها؟ وما هي الغاية الاستراتيجية التي تريد اسرائيل احرازها؟

·  فهم الخيارات: ما هي تأثيرات حصول ايران على القدرة الذرية في اسرائيل وما هي تأثيرات مهاجمتها؟ وأين تكمن الأخطار الأكبر – في حصول ايران على القدرة الذرية أم في مهاجمتها؟

·  الزمن – أمد قصير بازاء أمد بعيد: في أي نقطة زمنية ينبغي الفحص عن الخيارين؟ وأي التأثيرات مؤقتة فقط و "انقشاع غبار"، وأي الاتجاهات الاستمرارية ستزيد مع مرور السنين؟

·  الانجاز الممكن: هل يستطيع الهجوم عامة وقف سعي ايران الى القدرة الذرية؟ هل سيقف الهجوم هذا السعي الذري مباشرة أم اتجاهات غير عسكرية تتبع ذلك يحدثها الهجوم هي التي قد تقف ذلك؟

·  التأثير في الاتجاهات التي تلي: اذا كانت الاتجاهات التي تلي حيوية لاحراز الهدف المطلوب، فكيف تستطيع اسرائيل التأثير فيها؟ وأي الوسائل قادرة على التعجيل بالاتجاهات المطلوبة التي تلي وصد اتجاهات خطرة؟

·  ضرورية الهجوم: اذا كانت الاتجاهات الدولية التي تلي هي التي ستحرز الهدف الاستراتيجي فقط، فهل الهجوم ضروري من أجل تحريك هذه الاتجاهات؟ وهل يمكن تحريكها بغير هجوم أيضا؟

·  مقاييس النجاح: كيف يقاس نجاح مهاجمة ايران؟ هل المقياس عملياتي (المهمة العسكرية) أو مادي (اصابة المنشآت الذرية) أو انه يوجد مقياس مختلف تماما؟ ما هو الأجل الذي يمكن أن نقيس فيه هل نجح الهجوم؟

·  المتغير الأمريكي: هل يمكن أن نتوقع من الولايات المتحدة "ضوءا أخضر"؟ وما هو معنى الهجوم بغير "ضوء أخضر"؟ وهل توجد أبدال من تأييد الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بتوجيه الاتجاهات التي تلي الهجوم؟

يضيق المقام عن أن نقدم في هذه المقالة أجوبة كاملة عن أسئلة مركبة جدا. ترمي المقالة فقط الى تحريك النقاش، وستنحصر في الجوانب التي تقتضي التأكيد لأنها ما زالت لم تحصل على وزن مناسب في الخطاب العام. لن يتم الفحص عن الاسئلة بالضرورة بحسب الترتيب المذكور أعلاه، ولن يتم الفحص عن تقديرات سياسية اسرائيلية داخلية. يوجد عدد من الموضوعات التي تتناولها المقالة في قلب مملكة عدم اليقين، لكن يجب أن تتخذ القرارات في هذه المملكة.

من أجل توضيح النقاش سنفترض عدة افتراضات عمل (ويمكن الاعتراض عليها بيقين). الافتراض الاول هو أن هدف اسرائيل الاستراتيجي هو منع ايران احراز سلاح ذري لمدة طويلة. وافتراض العمل الثاني الذي سيعتمد عليه التحليل في بدئه هو ان الهجوم سيتم بشرط "ضوء أحمر" من قبل الولايات المتحدة. وفيما يلي من المقالة سنفحص عن التقديرات أيضا مع "الضوء الأصفر" و "الضوء الأخضر".

هل هجوم اسرائيل قادر على وقف البرنامج الذري

السؤال الابتدائي الذي سنحتاج الى توضيحه هو هل قد يثمر هجوم على منشآت ايران الذرية الهدف الاستراتيجي المطلوب، أم أن ايران ستعيد بناء قدرتها وتستكمل مسيرة احراز القدرة الذرية بعد تأخير. للفحص عن هذا السؤال سنفترض أن اسرائيل قادرة على احداث اصابة  مادية واسعة للبنى التحتية الذرية. لكن سنفترض أيضا أن ايران مع افتراض الارادة والوقت الكافيين عندها ستكون قادرة على اعادة بناء برنامجها والتقدم فيه. على حسب هذه الفروض، سيمنع الهجوم ايران احرازها السلاح الذري – مدة طويلة تزيد على المدة المطلوبة لاعادة البناء المادي للبنية الذرية التحتية. مع افتراض واحد من عدة امكانات فقط.

   الامكان الاول هو أن لا يثمر الهجوم مسا فقط بالقدرات بل بارادة ايران الحصول على القدرة الذرية (كما حدث جزئيا في العراق في 1981 وفي الهجوم المنسوب الى اسرائيل على سورية في 2007). لكن كما سنرى فيما يلي من المقالة، الحصول على القدرة الذرية هو مصلحة عليا لايران، وقد برهنت على انها مستعدة للمخاطرة الكبيرة من أجل ذلك. التزام ايران بالبرنامج الذري عال، وقد خصصت موارد قومية كثيرة لتقديمه. لهذا يصعب اعتقاد أن هجوما لمرة واحدة سيفضي الى المس بارادة الحصول على القدرة الذرية. والامكان الثاني هو هجمات مكرورة من اسرائيل كلما بلغ البرنامج الذري الايراني مرحلة حاسمة. هذه سياسة تقتضي قدرات صمود قومية عالية جدا وقوة سياسية دولية عظيمة ولهذا قابلية تنفيذها مشكوك فيها. إن اسرائيل جيدة في الجري لمسافات قصيرة، لكن سيصعب عليها عدو الماراثون، ولا سيما والأمر يتم بخلاف ارادة الجماعة الدولية.

     الامكان الثالث هو ان يثمر الهجوم مسارات متابعة غير عسكرية؛ وأن الاجراءات الاقتصادية، أو السياسية – الداخلية أو الدولية  هي التي تثمر رجوع ايران الفعلي عن برنامجه. على سبيل المثال قد يقوض الهجوم استقرار النظام أو يوجه أيضا الى بنى تحتية اقتصادية في ايران، وأن تبعث الضربة الاقتصادية على اجراءات مرغوب فيها داخل ايران. هذا امكان احتمالات نجاحه غير واضحة، في أحسن الحالات، لأن لمحاولة التأثير في مسارات داخلية داخل الدول سجل فشل قويا (حرب لبنان الأولى وعملية كديش، وروابط القرى، وافغانستان والعراق وكوبا وغيرها). لهذا محاولة احداث مسارات داخلية في ايران غير متوقعة وصادقة على نحو كاف لكي تكون أساسا للخطة.

   قد يثمر هجوم اسرائيل مسار متابعة دوليا يثمر الغاية المطلوبة. قد تأخذ الجماعة الدولية بخطوات فعالة نحو ايران، اقتصاديا وعسكريا، وتفرض عليها التخلي عن البرنامج الذري وأن تستعمل نظام رقابة  ناجعا. قد يكون هذا البديل عمليا، لكن يجب ان يقتنع متخذ القرارات بنقطتين: الأولى – أن يثمر الهجوم حقا مسارات دولية كهذه، والثانية – أن الهجوم حيوي من أجل تحريك المسار الدولي المطلوب، وأنه لا يمكن تحريكه بغير هجوم وبجداول زمنية سريعة ذات صلة (سنتوسع في الحديث في النقطة الثانية بعد ذلك).

   إن الهجوم على المنشآت الذرية الايرانية سيثبت للجماعة الدولية وللولايات المتحدة أن اسرائيل صادقة مصممة على زعمها أنها لن تقبل ايران ذرية، وأنها مستعدة لمخاطرة جدية ولدفع أثمان باهظة لمنع ايران الحصول على القدرة الذرية. اذا اثبتت اسرائيل أنها ترى الذرة الايرانية تهديدا لوجودها حقا، وأن ذلك ليس قولا لا يجاوز اللسان، وأنها تلتزم منع حصول ايران على القدرة الذرية حتى بثمن اسقاط ثلوج على نحو عظيم فستضطر الجماعة الدولية الى أخذ ذلك في الحساب. بسبب شكوك طبيعية في صدق اسرائيل وتصميمها على ذلك، سيكون الهجوم معطى جديدا يجب التفكير فيه، وقد يثمر هذا المعطى المسار الدولي المطلوب. بالمناسبة قد تكون هنالك حاجة من اجل اثبات التصميم والعزم والمثابرة للجماعة الدولية الى اكثر من هجمات عينية بل الى عملية متصلة تتم برغم ضغوط دولية للكف عنها.

   اذا كان الأمر كذلك، فان أساس قيمة الهجوم ليس  الضرر المادي المباشر بالبرنامج الذري، بل مسارات المتابعة السياسية الضرورية لتحقيق الهدف الاستراتيجي. يجب على المجلس الوزاري المصغر ان يحصر عنايته في هذه النقطة وأن يتحقق من أنه قادر على رسم سيناريو صادق جدي لكيفية اثمار الهجوم مسار المتابعة السياسي المطلوب. إن توجيه مسارات دولية هو في الأصل موضوع مركب صعب التحقيق، بل إنه لا يعد في قوة اسرائيل النسبية. وأشد من ذلك أن الهجوم في ظرف "الضوء الاحمر" من الولايات المتحدة قد يرى غير شرعي. لهذا يجب على المجلس الوزاري المصغر ايضا ان يقتنع بأنه يعلم كيف يدفع عن نفسه مسارات متابعة خطرة مثل طلب تجريد الشرق الاوسط كله من السلاح الذري.

   مصر والعربية السعودية على أنهما مفتاحان للتأثير في مسارات المتابعة

   ليس احداث مسارات متابعة مطلوبة غير ممكن، وهو يشبه على قدر ما هجوم مصر على اسرائيل في حرب يوم الغفران. فالهجوم هناك أيضا لم يرم الى تحقيق هدف مصر الاستراتيجي مباشرة بل الى احداث شروط ان تحث  الولايات المتحدة اسرائيل على الانسحاب من سيناء باثبات مصر للولايات المتحدة ان استمرار وجود اسرائيل في سينار باهظ الثمن للولايات المتحدة وينشىء لها اخطارا كبيرة وباثبات مصر للجماعة الدولية ان الوضع الذي نشأ في 1967 لا يدع لمصر اي خيار سوى الخروج للحرب. استعمل هجوم مصر باعثا وأنشأ سياق تحريك مسيرة دولية. اذا كان الأمر كذلك فالسؤال هو هل تعلم عناصر القيادة في اسرائيل تدبير وتحريك مسارات دولية بهذه الطريقة وكيف ستؤثر بالضبط في مسارات المتابعة السياسية. بخلاف ما كان في 1973، تقف مصر هذه المرة مع اسرائيل في الجانب نفسه من المتراس الاستراتيجي، ومعهما أيضا العربية السعودية والامارات. هذا أحد الكنوز الاستراتيجية المهمة لاسرائيل اليوم. من المفهوم أن مصر والسعودية يريحهما ان تعمل اسرائيل في مواجهة ايران، لان اسرائيل ستدفع الثمن في حين تراقبان جانبا ولأن مصر والعربية السعودية ستعارضان الهجوم بادي الرأي لكن في ظرف "الضوء الاحمر" من الولايات المتحدة وبسبب ضعف اسرائيل السياسي، قد لا تهاجم ايضا. قد تستمر الولايات المتحدة وايران على اللعب بالوقت؛ هذا الوقت سيمكن ايران من الحصول على القدرة الذرية. ومن المحقق أن هذا ليس مصلحة مصر والعربية السعودية، ويجب على اسرائيل ان تعلم كيف تستغل هذه الحقيقة. والسؤال هو كيف يمكن أن تقرن مصر والعربية السعودية من أجل توجيه مسارات متابعة الهجوم على ايران.

   اخراج استراتيجية ايران عن الاتزان

   وطريق آخر قد يثمر فيه الهجوم على ايران نتيجة مطلوبة هو اذا فرض الهجوم على ايران الخروج عن استراتيجيتها (الناجحة) لكسب القدرة الذرية. سأوسع الحديث من أجل البيان: تطمح ايران الى تعزيز مكانتها على أنها مهيمنة اقليمية وعلى أنها دولة ذات زعامة عالمية والى اضعاف اعدائها التقليديين (العرب وأهل السنة والروس والغرب) والى استنزاف جيوشهم في ساحات ثانوية، والى نقض عرى أحلاف محتملة عليها والى ان تحيط نفسها بحزام دفاعي استراتيجي من دول ضعيفة او فاشلة ورعايا من غير الدول تكبح جماح الدول (العراق واليمن ولبنان وما أشبه). تأخذ ايران باستراتيجية عامة لدولة قوية – ضعيفة (تشبه قليلا حال الصين): فهي ترى نفسها لاعبة قوية، وتنصب اهدافا طموحا، لكنها تعرف ايضا نقط ضعفها العميقة، ولهذا تمتنع عن مواجهات مباشرة وتفضل استنزاف اعدائها بواسطة رعايا وأن تعمل بطرق غير مباشرة، وان تحثها المخاوف. لا تكتفي ايران ببقاء نظام الحكم فقط بل ترى نفسها عضوا محترما في الجماعة الدولية. وفي هذا السياق يصبح البرنامج الذري ذا اهمية عليا لتعزيز مكانتها على أنها دولة قوية رائدة، وعلى أنه ورقة لعب دفاعية في مواجهة جبهة عربية – سنية (وقد هوجمت ايران في الماضي بسلاح كيماوي) او في مواجهة القوى العظمى (سيناريو العراق 2003 او كوسوفو 1999)، وعلى أنه مظلة تمكنها في حالات ما من التحول عن توجه غير مباشر الى توجه عسكري مباشر. تقوم استراتيجية ايران لتحقيق برنامجها الذري على عدة عناصر: أولا صورة ردعية تتفوق على قدراتها العسكرية الحقيقية. لايران جيش قديم ذو قدرات عمل مباشرة محدودة وقدرات صاروخية وبحرية متوسطة، ولا تتفوق قدراتها غير المباشرة على تلك التي جسدها رعاياها في العراق وفي لبنان، لكن ايران توحي بصورة ردعية تكاد تكون من رؤيا آخر الزمان، كما يظهر مثلا من اقتباس من كلام رئيس روسيا الذي قال ان الهجوم على ايران سيفضي الى حرب عالمية تشتمل على استعمال السلاح الذري، او الخوف من التشويش على التزويد العالمي بالنفط لمدة طويلة. وثانيا، تفضل ايران اليوم توسيع البنى التحتية وأفضلية البرنامج الذري على الجري المباشر لبناء سلاح. وهكذا تنشىء ايضا تصورا يقول أنه بسبب التفوق الكبير لا داعي البتة الى الهجوم عليها، وتمتنع ايضا من مخاطرة تحولها الى أمة محاصرة. وثالثا تدبر ايران سياسة سقف ترمي الى احداث تعود وسحق للخطوط الحمراء وكسب للوقت. إنها تتبنى موقفا متحديا، وتفحص عنه من جديد وترجع عنه وتعود اليه في رد على اجراء للغرب وما أشبه. وهكذا فان موقف ايران غير واضح (على عمد)، وأخذت اجزاء من الجماعة الدولية تتعود بالتدريج مواقفها الطموح، وتحافظ ايران في الوقت نفسه على قدرة الانسحاب التكتيكي، ويمر الوقت.

   لكن الهجوم قد يقوض استراتيجية ايران لتحقيق برنامجها الذري: فهو أولا قد يقوض الدرع الردعية ويكشف عن حدود الرد الايراني. وكما نفصل فيما يلي من كلامنا سيكون رد ايران شديدا لكنه مؤقت بيقين ولا يفضي الى كارثة. وكما سنبحث فيما يلي من كلامنا ايضا لايران نقط ضعف مثل مكررات النفط، ولهذا فانها قابلة لان تتعرض لضغوط وكوابح مواجهة، وطول نفسها محدود في مواجهات مباشرة قوية او متوسطة.

   وثانيا، إن الهجوم سيقف ايران امام خيارين مشكلين من جهتها. فمن جهة اذا استمرت ايران على الاستراتيجية الحالية لتوسيع البنى التحتية بغير جري لبناء سلاح – لكن مع قدرات أقل بعقب الهجوم – سينكشف للجميع انه يمكن ارجاع البرنامج الذري الى الوراء. سيقوض الهجوم محاولة ايران ان توحي برسالة تقول انه لا بقاء بسبب التفوق لمهاجمة المنشآت وأنه لا يمكن وقفها بسبب تصميمها وأن هذا سيستدعي ضغوطا دولية ومن جهة أخرى، اذا ارادت ايران تغيير استراتيجيتها والتعجيل ببناء السلاح مع القدرات التي تبقى عندها بعد الهجوم، فستضطر الى التخلي عن سياسة السقف وان تلتزم موقفا واضحا، وستعجل بذلك العمل الدولي عليها. قد لا يفني الهجوم البنية التحتية الايرانية الذرية، لكن القائد الاسرائيلي قد يقدر أنه يخرج استراتيجية ايران الناجحة عن اتزانها.

 أيهما أسوأ – الهجوم أم الامتناع عن الهجوم

لنفترض من أجل توضيح النقاش انه يجب على القائد ان يختار بين امكانين فقط: هجوم اسرائيل في الاشهر القريبة او حصول ايران على القدرة الذرية مع انقضاء هذه المدة. الواقع بطبيعة الأمر اكثر تعقيدا، ويوجد طيف من الاوضاع في الوسط والامكانات الاخرى، لكن عرض السؤال بهذه الطريقة يشحذ المعضلة. لنفرض في هذا الجزء من النقاش ايضا ان الهجوم يمنع ايران الحصول على قدرة ذرية مدة طويلة (لاننا لن نخرج للهجوم اذا لم نقدر الامر كذلك)، وكما قلنا آنفا ان يكون الهجوم في ظرف "الضوء الاحمر" من قبل الولايات المتحدة. وفرض آخر هو أن حساب الابدال نمتحنه بمنظار سنة 2016 – أي بعد الهجوم بخمس سنين وبعد أن تمر أمواج الصدمة المباشرة للهجوم (العسكرية والسياسية والاقتصادية). مع ذلك ثم حاجة الى تحليل أي آثار الهجوم عابرة ينقشع غبارها، وأي اتجاهات المتابعة ستزداد شدة على السنين. إن سنة 2016 هي ايضا سنة مريحة لامتحان النتائج لأنه في هذه السنة ستتبدل الادارة في الولايات المتحدة إن لم يحدث ذلك في 2012 وسيكون لاسرائيل فرصة صفحة جديدة مع البيت الابيض.

   كما يبين التحليل الآتي، لا يتمتع القائد بالاختيار بين بديل جيد وبديل سيء، بل يختار واحدا من بديلين سيئين. وقد يمكن الى ذلك رسم خطوط للمسارات الاولى التي ستحدث بعد الهجوم على ايران او بعد حصولها على القدرة الذرية، لكن يصعب تمييز الاتجاهات الاستراتيجية البعيدة الأمد التي سيبعث عليها كل بديل. يجب  على القائد ان يختار أي واحد من صندوقي الأعاجيب يفتح، ومضمون الصندوقين وحجمهما يصعب تقديرهما.

   يضيق المجال عن محاولة أن نواجه في هذه المقالة تحليلا عميقا لنتيجة كل بديل، لكننا سنصف باختصار عددا من الخطوط الهيكلية. اذا هاجمت اسرائيل ايران فسيثمر ذلك نتائج في عدة مجالات. أولا هناك رد عسكري من ايران على اسرائيل مباشرة او غير مباشرة بواسطة حزب الله وغيره (الى درجة حرب اخرى في لبنان). الرد الايراني المباشر ممكن على اسرائيل نفسها وعلى مصالح في العالم (من السفارات الى مسارات الابحار والطيران). قد يتميز الرد العسكري بقوة كبيرة لزمن قصير أو بمحاولة استنزاف اسرائيل بجهد متصل بقوة متغيرة. وثانيا قد ترد ايران عسكريا على عناصر أخرى مثل دول الخليج وجيش الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وبارهاب عالمي. إن توسيع رد ايران عن اسرائيل وحدها الى جهات ثالثة ليس مفهوما من تلقاء نفسه ولا سيما اذا عملت اسرائيل في ظرف "الضوء الاحمر". ثم تعليلات لمحاولة ايران توجيه عامل المتابعة السياسية لمصلحتها بواسطة عزل الرد على اسرائيل، وتوجد اعتبارات مضادة لماذا توسع دائرة المستهدفين للرد. وثالثا اذا اختارت ايران ردا واسعا فقد يشمل أيضا المس بموارد النفط وبالمسارات الجوية والبحرية، وسيجبي ذلك ثمنا اقتصاديا باهظا من العالم ومن اسرائيل. ورابعا، في ظرف "الضوء الاحمر" يجب ان تفكر اسرائيل في خطوات عقوبة شديدة من الولايات المتحدة والغرب (من وقف ارسال السلاح وقطع الغيار حتى العقوبة الاقتصادية والدبلوماسية كما حدث بعد الهجوم على المفاعل العراقي في 1981 على الاقل). وكلما ردت ايران أكثر على جهات ثالثة، يكبر احتمال ان تتدخل الولايات المتحدة في الحرب مباشرة، لكن قد تزداد في الوقت نفسه خطوات معاقبة الولايات المتحدة لاسرائيل. وهذا الامر يحدث معضلة عند القائد الايراني.

   ماذا سيبقى من كل هذا في 2016؟

   يمكن ان نفرض ان القتال بقوة كبيرة ومتوسطة سيخفت حتى لو بقيت حسابات مفتوحة ولم يختف الارهاب. ولما كانت ايران نفسها ستفلس ويقف اقتصادها اذا اغلقت مسارات الابحار مدة طويلة، فان هذا سيناريو غير محتمل. يمكن ان نفرض ان خطوات عقاب  الغرب لاسرائيل ستضعف ولا سيما بعد تبدل الادارات. لكن لا يعني هذا أن الاخطار البعيدة المدى على اسرائيل قليلة: فان اسرائيل قد تجد نفسها جزءا من تسوية اقليمية مفروضة تأتي بعد الهجوم وقد تواجه اتجاهات متابعة مثل محاولة تجريد الشرق الاوسط كله من السلاح الذري او تقييد قدرة اسرائيل الاستراتيجية على أن يكون ذلك جزءا من معادلة اقليمية جديدة. وقد يرى الرأي العام الامريكي اسرائيل أنها ورطت الولايات المتحدة في الحرب ويضعف ذلك التأييد العام لها. قبل ان يستقر رأي القائد على مهاجمة ايران يجب ان يفكر في خطوات عقاب قصيرة الأمد على اسرائيل، ويجب عليه ايضا ان يخطط كيف يمتنع من اجراءات متابعة قد تفضي الى مس استراتيجي بعيد الأمد بقوتها وقدراتها.

ما هو معنى احراز ايران للقدرة الذرية وهل تستطيع اسرائيل أن تعايش سيناريو كهذا؟ التهديد النهائي هو استعمال السلاح الذري بطبيعة الأمر ويجب الفحص على حدة كيف يواجه هذا التهديد. بيد ان الواقع الاقليمي والعالمي حتى بغير استعمال السلاح الذري قد يجري عليه زعزعات استراتيجية جديدة. فالتقنية والمواد قد تنتقل الى أطراف ثالثة، وفيها منظمات من غير الدول. سينشأ سباق تسلح ذري اقليمي، ويشتمل ايضا على دول ليس استقرار نظم حكمها واضحا؛ واتساع النادي الذري ليصبح متعدد الأطراف وشمل لاعبات من غير الدول او لاعبات غير مستقرة يحدث خطرا لا يكون من الممكن معه انشاء ردع متبادل كما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. إن الفروض الاساسية لنظرية الالعاب الذرية في شأن الدمار المحقق المتبادل غير قائمة ببساطة.

   قد تصبح ايران الجهة المهيمنة والتي تعطي صبغة الشرق الادنى. ستصبح ايران وهي قوية عسكريا وسياسيا وشبه منيعة من تهديد عسكري مباشر جهة مهيمنة تمد أصابعها من العراق الى البحرين والى مضيق هرمز وباب المندب واليمن والقرن الافريقي والسودان وغزة ولبنان حتى افغانستان ووسط آسيا. ستكون ايران الذرية أكثر جرأة في مواجهات ليست ذرية، وقد تعرض مظلة ذرية على حليفات لها مثل سورية وحزب الله. إن ايران القوية المصممة قد تسعى الى تقويض نظم حكم معتدلة، ونقض اتفاقات سلام قائم لاسرائيل واحباط مسيرات سلمية في المستقبل. إن احراز ايران للقدرة الذرية برغم معارضة الولايات المتحدة واسرائيل الشديدة سيضر بالصدق الاستراتيجي للدولتين ويضعف قدرتهما الردعية وايحاءهما بالقوة، ويعجل بخمود تأثير الولايات المتحدة في المنطقة والاخلال بالنظام الذي عرفناه منذ 1991.

   وماذا عن 2016؟ بخلاف حالة الهجوم على ايران، حيث ستدفع اسرائيل أثمانا يكون بعضها على الاقل قصير الأمد، وقد ينقشع بعض الغبار، قد تزداد اتجاهات المتابعة التي ستنبع من حصول ايران على القدرة الذرية خاصة مع مرور السنين. إن ايران المحرزة للقدرة الذرية ستصبح غير قابلة للمس بها، وتتردد لاعبات أخر عن مقاومتها وتطلب بالتدريج القرب منها، وتزداد ويزداد احياؤها بالقوة القومية، وتحشد تأثيرا يأخذ في الازدياد، سيأخذ الاستقرار الاقليمي في التدهور وتكون احتمالات السلام في 2016 أقل كثيرا اذا حصلت ايران على القدرة الذرية. والى ذلك ليس من المحقق أن يكون الخوف من رد ايران على مهاجمتها دعوى عقلانية لان من يخاف رد ايران غير الذرية يجب أن يخاف أكثر من ذلك بأضعاف مضاعفة من سلوك ايران بعد أن تتسلح بسلاح ذري.

   أيوجد بديل فعال من الهجوم

   يستطيع القائد أن يزن خيارات غير عسكرية اذا أجابت عن معيارين: الأول أن يتوقع أن تؤتي ثمرات في غضون عدة أشهر. في شأن التقديرات الاستخبارية المتشددة ومع ابقاء زمن كاف للخيال العسكري اذا فشل الخيار غير العسكري، لا يستطيع القائد أن يعطي الخيار غير العسكري أكثر من بضعة أشهر تجربة؛ والثاني. أن يكون الخيار غير العسكري محددا، متميزا بعلاقة السبب بالنتيجة على نحو واضح وان يكون صادقا بقدر كاف ليكون أساسا للخطة (اعمال ترمي الى زعزعة النظام في طهران مثلا لا تثبت للمعيار الثاني ولا للاول ايضا).

   اذا كان الامر كذلك فاننا نبحث عن أدوات ضغط ذات طبيعة مادية مباشر، ويبدو أن أداة الضغط الرئيسة التي تجيب عن المعايير هي حظر مفروض على مكررات النفط. يجب ان يكون هذا الحظر مشتركا بين الجماعة الدولية كلها او مصحوبا بحصار بحري، لانه لا داعي الى حظر من الغرب في حين تظل دول أخر تزود بمكررات النفط.

   كي ينجح حظر مكررات النفط يجب ان يبدأ من الفور وأن يطبق على صناعة المكررات العالمية كلها. يجب على القائد أن يقرر هل هذا سيناريو معقول يمكن الاعتماد عليه في الخطة. وليست الدلائل مشجعة فاكثر الجماعة الدولية، بخلاف اسرائيل التي ترى ان التهديد هو تهديد مباشر لوجودها، ليس حصول ايران على القدرة الذرية في نظرها مرادا لكن يمكن معايشته واحتواؤه. وسواء أكان ذلك عن وجهة نظر مختلفة أو مصالح مختلفة أو عن كبت، فان الثمن والاخطار المباشرة التي تكون الجماعة الدولية مستعدة لاحتمالها في هذا السياق محدودة. يوجد فرق بين حساب اسرائيل المتعلق بالخطر والثمن المجدي لازالته وبين حساب الولايات المتحدة وروسيا والصين ايضا.

   من المفارقة وجود مصلحة مشتركة بين ايران وأكثر العالم (ما عدا اسرائيل ومصر والعربية السعودية) في اللعب على الوقت: الأمريكيون – للتهرب من الحاجة الى قرارات حاسمة صعبة، والايرانيون – كي يتقدموا في البرنامج الذري، لكن الزمن شرك عسل: فالمسيرة الدبلوماسية متصلة، وجولة محادثات تتبع أخرى، والدول العظمى تبحث عن قاسم مشترك (منخفض جدا، وليس بيقين حظرا على مكررات النفط من الفور)، وتصوغ ايران رويدا رويدا أجوبتها المعوجة، وتمضي الشهور. يجب على القائد أن يثبت لاغراء هذه الاجراءات المستهكلة للزمن التي ترى على أنها تقدم ما، لأن الوقت يمكن ايران من اجتياز سقوف أكثر فأكثر.

   ومن المفارقة أن ما قد يعجل بالمسار الدبلوماسي هو استعدادات محددة من قبل اسرائيل لعمل عسكري. من يريد السلام يستعد للحرب، ومن يستعد للحرب قد يحصل على السلام. هل تسمية يوم "س" للهجوم هو الذي سيفضي الى الحظر على مكررات النفط على غير عمد؟

موقف الولايات المتحدة

إن موافقة الولايات المتحدة على الهجوم صراحة أو تعريضا، ستسهل جدا قرار الهجوم. فهي ستسهل أولا توجيه مسار المتابعة السياسي للهجوم من أجل وقف مفروض للبرنامج الذري واستعمال نظام فرض بعيد الأمد. وثانيا ستضائل الثمن الذي ستدفعه اسرائيل. ايران مع ذلك سترد على اسرائيل عسكريا، مباشرة أو غير مباشرة، واذا أغلق مضيق هرمز، فستشارك اسرائيل العالم في الثمن الاقتصادي، لكن الشرعية التي ستهبها الولايات المتحدة ستوفر على اسرائيل خطوات عقاب من الغرب ومحاولات اشراكها في فرض تسوية اقليمية جديدة او تحديد قوتها الاستراتيجية.

   على القائد أن يبذل كل جهد لتنسيق خطواته مع الولايات المتحدة، لكن يجب عليه ايضا بسبب تكتكة الساعة أن يقدر المدة المخصصة لذلك واحتمالات النجاح. لاسرائيل والولايات المتحدة مصالح أساسية مشتركة، وتصورهما العام متشابه على نحو عام. من السهل على الولايات المتحدة في سيناريوات ما أن تكون اسرائيل هي التي تهاجم، عن موافقة صامتة او معارضة رمزية من الولايات المتحدة.

   مع ذلك، اذا استثنينا حقيقة أن الولايات المتحدة أصبحت متورطة في حربين اقليميتين وأن شهوتها الى اجراءات قد تورطها في حرب ثالثة معدومة، واذا استثنينا أن نتصور الرئيس الحالي يختلف عن تصور أكثر اسلافه، فان تقديرين قد يشوشان على سيناريو "الضوء الاخضر" أو "الضوء الاصفر": الأول الجدول الزمني لاتخاذ القرار. فرؤية واشنطن للساعة الرملية اكثر تحررا من رؤية اسرائيل، والادارة تدع السنين تمر في واقع الأمر، وهكذا تجاوزت ايران عددا من الآجال التي سمتها الولايات المتحدة، وتسلم الولايات المتحدة لذلك بصمت. يصعب أن نرى اتفاق اسرائيل والولايات المتحدة حتى على الاجل الذي يجب ان يتخذ فيه قرار "الضوء الاخضر" أو "الضوء الاصفر"، ومع عدم وجود اتفاق على أجل قرار فانه لن يعطى "ضوء أخضر".

   والثاني أنه يوجد طيف محدود من الأوضاع يكون من العقلانية عند الولايات المتحدة أن تشارك فيها مع احتمال دفع ثمن الهجوم بغير تمتع بمزايا أن تنفذ الهجوم بنفسها. للولايات المتحدة قدرات أكبر على العمل لا في مواجهة البرنامج الذري فحسب بل في المس بقدرات ايران النظامية على الرد (كالاسطول الايراني)، واحداث ضرر كبير بالادارة الايرانية واجراء عدة هجمات زمنا طويلا، ولهذا ستكون معركة واسعة من قبل الولايات المتحدة أجدى من هجمات محددة من قبل اسرائيل. في الظروف التي تعتقد فيها الولايات المتحدة أنه لا يجب عليها هي نفسها أن تعمل وتتحمل النتائج، يصعب أن نرى كيف ستوافق على هجوم أقل جدوى مع مخاطرتها بالاشتراك في دفع الثمن والمخاطرة. مع ذلك، يعمل تقديران آخران في الاتجاه المعاكس. أولا قد يكون حساب الولايات المتحدة في اليوم الذي يلي الهجوم مختلفا عنه في اليوم الذي يسبقه (وبخاصة اذا رأت ان الهجوم ناجحا). تميل الدول في قلب العاصفة الى العودة الى مصلحتها الأساسية والتمسك بحليفاتها الطبيعية. تحول العاصفة ألوان الطيف عن اللون الرمادي الى اللونين الأسود والأبيض؛ وهكذا، وبرغم العلاقات المتوترة أحيانا بين روزفلت وتشرتشل بسبب محاولة بريطانيا جر الولايات المتحدة الى الحرب في السنين 1939 – 1941، منذ اللحظة التي انضم فيها الامريكيون الى الحرب تغلبت المصلحة الاستراتيجية الاساسية على عدم الارتياح لسلوك بريطانيا الاحتيالي. إن مصلحة الولايات المتحدة الأساسية هي تعزيز اسرائيل ومصر والعربية السعودية، وحماية الأردن ولبنان ودول الخليج، واضعاف ايران في مقابلة ذلك ومنع سقوط العراق تحت هيمنة ايران، وابعاد يد ايران عن أنبوب النفط العالمي – هرمز. ومصلحة الولايات المتحدة الأساسية هي منع دول آبقة مؤيدة للإرهاب تتحداها احراز القدرة الذرية. أما ما سوى ذلك فهو الصعوبات اليومية، وتعب المؤسسة الأمنية الأمريكية من الاستنزاف في العراق وافغانستان وضرورات الدبلوماسية المعلنة. (بالمناسبة اذا اتخذت الولايات المتحدة خطوات عقوبة لاسرائيل، فان ذلك لا يبعد امكان أن تستغل الهجوم لتثبيط المشروع الذري الايراني).

   وثانيا، يجب على اسرائيل ان تقنع المؤسسة الامنية الامريكية بأن مهاجمة ايران واضعافها يخدمان استراتيجية خروج الولايات المتحدة من العراق وربما من افغانستان ايضا. إن انسحاب الولايات المتحدة من العراق في الظروف الحالية لا مسؤولية فيه وقد ينتهي الى كارثة استراتيجية: فستكون ايران في اليوم الذي يلي ذلك القوة الاجنبية الاكثر  تأثيرا في العراق. وسيكون ذلك الامر ايضا بمنزلة تهديد مباشر للعربية السعودية والبحرين ودول الخليج والاردن. بعد زمن قصير من انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام سقط الجنوب، لكن سقوط العراق ومضيق هرمز في يد ايران ليسا امكانين يخطران بالبال. في مقابلة ذلك، الهجوم على ايران واخضاعها لنظام ارغام ذري سيفضي الى المس بقدرتها الاستراتيجية، والى المس بصورتها الغالبة والى المس بالايحاء الايراني بالقوة القومية وبتأثيرها الاقليمي. وسيساعد ذلك في إعادة بناء ايحاء الولايات المتحدة بالقوة واعادة بناء تأثيرها في المنطقة. وهكذا ستنشأ ظروف حيوية لانسحاب اكثر مسؤولية من العراق. إن عملية فعالة على ايران، وهي الدولة التي تقود الاسلام المتطرف والارهاب العالمي قد تقدم ايضا الانسحاب من افغانستان.

إن ضرب الأسد الكبير ينشىء السياق والظروف للخروج من المواجهة مع الثعلب الصغير.

 

 

الهجوم على أنه مستحث لاجراءات دولية

ليست مسؤولية رئيس الحكومة ووزير الدفاع عن العملية العسكرية وزارية فقط بل جوهرية ايضا. فهما فقط قادران على صوغ وادارة استراتيجية عامة متعددة المذاهب، واحراز تأليف حيوي بين العسكري والسري والدبلوماسي والسياسي والاقتصادي. اذا قرر القادة مهاجمة ايران، فسيكون هذا اجراء سياسيا تستهدف له الجماعة الدولية اكثر من أن يكون اجراء عملياتيا موجها الى أهداف في ايران. وعندما تلامس عجلات الطائرات مسارات الهبوط قد تنتهي عملية أولى لكن المعركة الرئيسة ستبدأ. ليست أهمية الهجوم في النتيجة العملياتية – المادية بل بالاثبات للجماعة الدولية أن هذه مشكلة عظيمة ساخنة لا يمكن التهرب منها، تقتضي علاجا مباشرا فعالا صادقا فوريا. يجب على القائد أن يحصر عنايته في سؤال كيف يزيد ضغط الهجوم كي يستحث اجراءات المتابعة الدولية التي تقف سعي ايران الى القدرة الذرية، وأن يستعمل جميع الأملاك الممكنة وفيها استغلال مصلحة العربية السعودية ومصر. وفي مقابلة ذلك تلقى على القائد مسؤولية أن يضائل المس الاستراتيجي البعيد الأمد باسرائيل وأن يصد اتجاهات متابعة خطرة مثل محاولة اخضاع اسرائيل لوثيقة منع نشر السلاح الذري. هذه سلعة لا يستطيع الجيش الاسرائيلي وحده التزويد بها بل المستوى السياسي فقط.

   إن صد ايران عن احراز القدرة الذرية هو القضية الأهم في برنامج عمل اسرائيل، ومن هنا يجب أن تكون جميع آفاق السياسة الاخرى خاضعة له أو مساوقة إياه على الأقل. يجب على المستوى السياسي أن يصوغ اليوم، قبل الهجوم، الواقع السياسي الذي يخدمه أفضل خدمة بعد الهجوم. فعليه مثلا ان يسأل نفسه في أي وضع يصح أن تكون المحادثات مع الفلسطينيين عندما تهاجم اسرائيل ايران او كيف يجب ان تكون علاقاتها بالبيت الابيض. في الآن نفسه يجب الفحص عن رد اسرائيل على أحداث مختلفة، مثل القافلة التركية الى غزة، بحسب معيار صوغ الواقع السياسي الاجدى لليوم الذي يلي الهجوم على ايران.

   من المفارقة أنه كلما ازدادت علاقات المستوى السياسي بالبيت الابيض سوءا قد يزيد دافع المستوى السياسي الى مهاجمة ايران. اولا لانه مع عدم وجود تأييد استراتيجي من الولايات المتحدة لاسرائيل يكون قدر أقل من الخسارة؛ وثانيا لان تقويض مكانة رئيس الحكومة في الداخل الاسرائيلي قد تحدث وضعا يكون عنده قدر أقل مما يخسر؛ وثالثا لتغيير برنامج العمل والتهرب من تفاوض مع الفلسطينيين في اطار يبدو فيه ان جميع الضغوط موجهة الى اسرائيل؛ ورابعا لانه اذا حدث انطباع ان تأييد الولايات المتحدة لاسرائيل قد ضعف،  فسيقل احجام العرب عن اسرائيل ويزداد احتمال الحرب. إذا صح اذن الاقتباس المنسوب لرئيس الحكومة نتنياهو – "السنة هي 1938 وايران هي المانيا"، فان جواب سؤال هل تهاجم – او جواب نتنياهو على الاقل – هو سؤال ملح. لو كانت اسرائيل موجودة في 1938 ولو استطاعت أن تهاجم برلين، لصح أن تهاجم حتى لو كان ثمن ذلك مواجهة جديدة مع روزفلت وتشامبرلن ودلاديه. لكن قرار الهجوم كما تبين هذه المقالة مركب، ويجب على القائد أن يقتنع بأنه استعرض طائفة التقديرات ذات الصلة، ونظر في الدعاوى الى هنا والى هناك، ووجد جوابا جديا معززا بالأدلة عن الاسئلة التي استعرضتها هذه المقالة.