خبر تزايد التساؤلات حول مقومات الأمن القومي الإسرائيلي الثلاثة الإنذار والردع والحسم

الساعة 06:55 ص|06 سبتمبر 2010

تزايد التساؤلات حول مقومات الأمن القومي الإسرائيلي الثلاثة الإنذار والردع والحسم

 

كتب : حلمي موسى

 

 

ثمة مفارقة عجيبة تعيشها إسرائيل وبشكل متزايد: كلما امتلكت المزيد من القوة والقدرات استشعرت أن المخاطر حولك تزداد. وهناك في إسرائيل من يلحظ هذه المفارقة ويدعو إلى تغيير أسلوب التعامل مع الواقع في المنطقة ولكن أيضا هناك من لا يرى إلا جانبا من جوانب المفارقة وهو تعاظم القوة الإسرائيلية.

ومن بين أشد القضايا إثارة في إسرائيل السجال الذي ينشب بين الحين والآخر حول مقوم الردع في الاستراتيجية الإسرائيلية. ومعلوم أن الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية تقوم على ثلاثة أسس مركزية هي التنبه الاستخباري للمخاطر وردع العدو عن الهجوم وحسم المعركة بسرعة إذا وقعت الحرب. ومن الجلي أن عناصر هذا المثلث تتآكل في أكثر من جانب. فقد دفعت الحربان الأخيرتان على لبنان وغزة إلى تكوين مفهوم جديد عن الحروب في إسرائيل يخلو من عنصر الحسم. وقد يرى البعض في تجنب القيادة الإسرائيلية التركيز على هذا العنصر نوعاً من التوافق مع نتائج حربين استمرتا طويلا ولم ينتج عنهما اقتناع بأن إسرائيل حققت نصراً حاسماً وواضحاً. ولكن آخرين يرون أن المشكلة لا تكمن في القناعة وإنما في تغيير حقيقي في الواقع أساسه أن الحرب لم تعد تشن ضد دول وإنما ضد كيانات أدنى من الدولة.

ولكن العنصر الثاني المتمثل بالردع طرأت عليه هو الآخر تطورات كبيرة لا يستهان بها. فالردع وإن تحقق لمنع الحرب على مستوى الدول, وهي حرب لم تجر في المنطقة منذ حرب تشرين, إلا أنه لم يمنع وقوع حروب مع منظمات المقاومة. ولكن حتى قبل التعمق في مدى وجود أو عدم وجود الردع على صعيد المنظمات من المهم ملاحظة أنه فيما يتعلق بالدول ليس الأمر مسلماً به. فالردع الإسرائيلي لم يحل مثلاً دون سوريا ومواصلة الفعل الحربي سواء بتعزيز قدراتها أو بمساعدة أطراف المقاومة في فلسطين ولبنان على تعزيز قدراتها وتوفير الغطاء السياسي لها.

وإذا كان لذلك من معنى فهو أن الردع الإسرائيلي للدول أفلح في منع وقوع الحرب معها، لكنه لم يفلح في منع هذه الدول من مواصلة الحرب بأشكال متباينة وعلى جبهات أخرى.

وهنا يصل السجال الداخلي الإسرائيلي إلى ذروته في كل ما يخص الردع لقوى المقاومة أو لما تسمّيه الدراسات الإسرائيلية بالحرب مع الكيانات دون الدولة مثل حزب الله وحماس. وترى الدراسة المنشورة في العدد الأخير من مجلة «تحديث استراتيجي» الصادرة عن مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن هناك مبالغة لدى كبار المسؤولين الإسرائيليين في تحديد مكانة الردع في كل ما يتعلق بقوى المقاومة. ويساجل الباحث يونتان شختر محاججات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال عاموس يادلين حول أهمية الردع في منع عمليات المقاومة في فلسطين.

ومن الجائز أن عملية الخليل الأخيرة والتي أدّت إلى مقتل أربعة من المستوطنين في الخليل هي مشاركة جادة في السجال الدائر حول الردع في إسرائيل. صحيح أن عدداً من القادة العسكريين الإسرائيليين حاول ادعاء أن الأوامر بتنفيذ العملية صدرت عن قيادة حركة حماس في قطاع غزة. ولكن حتى لو صحّ ذلك فإن هذا دليل على أن الحرب التي شنتها إسرائيل قبل أقل من عامين على قطاع غزة لم تشكل رادعاً يمنع اتخاذ قرارات بتنفيذ عمليات. وحتى لو صحّ أن الحرب شكلت رادعاً فإن صلاحية هذا الردع لم تدم طويلاً خصوصا وأن هدف الردع هو الحيلولة دون نشوب حرب أو تنفيذ عمليات أو على الأقل إطالة زمن الهدوء بين حربين.

وفي كل الأحوال من المؤكد أن السجالات سوف تتواصل في إسرائيل حول جدوى هذا الشكل من العمل العسكري والسياسي أو ذاك. وهو ما يبين أن ما يبدو من اطمئنان سياسي وأيديولوجي جراء النجاح في تحقيق الأهداف أو مواجهة التحديات يبقى اطمئناناً هشاً. فما تفلح إسرائيل في إظهاره من قدرات عسكرية وتحالفية يعجز عن إقناع الإسرائيليين بأن المستقبل مضمون. ولا ريب في أن التساؤلات حول المقومات الأساسية لنظرية الأمن القومي الإسرائيلية تخفي قلقا حول مستقبل المقومات الأخرى للوجود الإسرائيلي. وهنا يدخل العسكري مع السياسي في الصراع الدائر حالياً حول العملية السياسية وما إذا كانت حاجة لإسرائيل أم أنها مجرد لعبة لتضييع الوقت بانتظار تغير الظروف لمصلحة إسرائيل كما حدث مراراً.

وتكفي هنا الإشارة إلى ما جاء في التقرير الاستراتيجي السنوي الأخير الصادر عن مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب. إذ أوضح أن «إسرائيل تعيش مرحلة تتميز بتفاقم متسارع للمخاطر الأمنية والسياسية. وقد تدهور الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في الآونة الأخيرة جزئياً جراء تطورات وقعت في الحلبتين الدولية والشرق أوسطية, والتي ليس لإسرائيل سوى سيطرة محدودة على حجمها وعواقبها عليها, وجزئياً جراء الافتقار للرد المناسب من جانب الحلبة السياسية في إسرائيل على هذه التطورات. فحكومة إسرائيل المكونة من جهات سياسية ذات رؤية قطبية بشأن قسم من القضايا المركزية على جدول أعمالها, تتجنب بلورة سياسة دؤوبة ذات أهداف واضحة بشأن هذه القضايا, وبدلاً من ذلك اختارت تأجيل القرارات أو تشتيت الضغط الدولي عن طريق خطوات جزئية».