خبر بشرط أن تخسر نفسك ..فهمي هويدي

الساعة 06:40 ص|06 سبتمبر 2010

بشرط أن تخسر نفسك ..فهمي هويدي

فشلت فى العثور على تفسير برىء للعبارة التالية:

محورية الدور المصرى فى استراتيجية واشنطن بالمنطقة.

ذلك أنها تتحدث عن استراتيجية واحدة هى الأمريكية. وهو أمر مفهوم ولا غضاضة فيه. إذ طالما أن واشنطن تدعى أن لها مصالح فى الشرق الأوسط وأنها تعتبر أمن إسرائيل من أمنها القومى، فمن الطبيعى أن تكون لها استراتيجية تخدم تلك المصالح والأهداف.

 

ويفترض فى هذه الحالة أن تكون لمصر استراتيجيتها الخاصة التى تؤمن مصالحها العليا، بحسبانها بلدا كبيرا ومحوريا فى العالمين العربى والإسلامى، لكن العبارة السابقة الذكر لم تتحدث عن تلاقٍ أو تقاطع بين الاستراتيجيتين الأمريكية والمصرية، لكنها ركزت على الأولى وتجاهلت الثانية.

 

ليس ذلك فحسب ولكنها فاجأتنا بما هو أبعد بكثير، إذ اعتبرت أن الجهد المصرى يؤدى دورا محوريا فى الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة. دون تبيان لطبيعة ذلك الدور، ومدى اتفاقه أو اختلافه مع المصالح المصرية العليا.

 

وهو كلام لا يحتمل قراءات متعددة، ولم أجد له ــ للأسف ــ تفسيرا سوى تفسير واحد هو أنه يعنى أن واشنطن تخطط وأن القاهرة تنفذ. وإذا بدا ذلك نوعا من إساءة الظن، فإننى أرجو ممن لديه قراءة أخرى تساعد على إحسان الظن أن يدلنى عليها.

 

العبارة المحيرة وردت فى ثنايا تصريح لمصدر مصرى مسئول. كان قريبا من المحادثات التى أجراها الرئيس مبارك فى واشنطن خلال الأسبوع الماضى. وقد استوقفتنى صياغتها، خصوصا أنها أبرزت ضمن عناوين الصفحة الأولى فى جريدة «الشروق» (عدد 1/9).

 

وتحت العنوان نشرت الصحيفة تقريرا لمراسلها فى واشنطن حول أجواء الزيارة المذكورة.

 

ولا أعرف إلى أى مدى كان الكلام الذى نقل على لسان المسئول المصرى دقيقا، ولذلك فإننى تمنيت أن أقرأ مراجعة أو تصويبا له طوال الأيام الأربعة الأخيرة، لكنى لم أجد أثرا لذلك.

 

الأمر الذى دعانى إلى افتراض صحته حتى إشعار آخر على الأقل.

 

لم يكن العنوان وحده الذى استوقفنى (استفزنى إن شئت الدقة)، وانما كان مضمون التقرير مثيرا للانتباه أيضا. ذلك أنه تحدث عن أن ما قامت به حكومة حزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بالسياسة التركية فى الشرق الأوسط ساهم فى تأكيد أهمية ودور مصر المحورى بالنسبة لواشنطن فيما يتعلق بقضايا المنطقة.

 

ذلك أن تصويت تركيا فى مجلس الأمن ضد فرض المزيد من العقوبات على إيران، ومن قبله رفض الحكومة التركية التحذيرات الأمريكية والإسرائيلية من السماح لسفن أسطول الحرية بالإبحار نحو قطاع غزة وما ترتب على ذلك من آثار، زادا من التشكك الأمريكى فى النوايا التركية.

 

وهو ما دعا كثيرين فى واشنطن إلى المناداة بضرورة التركيز على الحليف المصرى المستقر، «الهادف لاستقرار صراع الشرق الأوسط والمعارض لطموحات إيران النووية والمعادى لحماس».

 

نقل التقرير عن مسئول مصرى ــ لم يذكر اسمه ــ قوله إننا استفدنا كثيرا من حادثة أسطول الحرية، التى أكدت أهمية الدور المصرى المحورى، الذى يمكن الاعتماد عليه من قبل الولايات المتحدة.

 

وذكر على لسان أحد خبراء معهد الشرق الأوسط (مايكل وان) قوله إن مصر تلعب دورا فى الاستراتيجية الأمريكية. وهو ذات المعنى الذى عبر عنه خبير آخر من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، (ديفيد بولاك) حين قال إن سلام مصر مع إسرائيل مازال حجر الأساس للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، كما أن معارضة مصر للطموح الإيرانى وعنف المتطرفين (يقصد المقاومة الفلسطينية) ذات قيمة كبيرة لأهداف أمريكا.

 

ما معنى هذا الكلام؟..

 

معناه أن واشنطن غضبت على تركيا لأنها تبنت سياسة مستقلة دافعت فيها عن مصالحها العليا. وعبرت عن تعاطفها مع الفلسطينيين المحاصرين فى غزة.

 

ووجدت فى مصر بديلا طيعا مستعدا للاستجابة لما تريده واشنطن، من العداء لإيران إلى العداء لحماس.

 

وهذا هو «الدور المحورى» الذى أصبحت تؤديه مصر الآن. الأمر الذى يضعنا أمام حقيقة مخزية، تجيب عن تساؤلات الذين يفتقدون دور مصر ويتحسرون على غيابها.

 

ذلك أنهم يتساءلون عن مصر التى كانت بلدا محوريا فى العالم العربى يرمز إلى عزته وكبريائه، ولا يريدون أن يصدقوا أن الزمن تغير،

 

وأن الدور المحورى الآن أصبح يتم فى إطار تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، فى درس خلاصته أنك لكى تكسب الرضا الأمريكى لابد أن تخسر نفسك.