خبر جالانت.. قائدًا للجيش الإسرائيلي لماذا؟-- صالح النعامي

الساعة 08:37 م|02 سبتمبر 2010

جالانت.. قائدًا للجيش الإسرائيلي لماذا؟-- صالح النعامي

لا خلافَ بين المراقبين في إسرائيل على أن إحدى "مزايا" اختيار يوآف جالانت كرئيس جديد لهيئة أركان جيش الاحتلال بالنسبة للنخبَة السياسية في إسرائيل هو ميلُه لموائمة مخططاته الميدانية مع مواقف النخبة السياسية، مشيرين إلى أن في هذا يكمنُ سرّ العلاقة الخاصة التي ربطت جالانت برئيس الوزراء الأسبق آرئيل شارون عندما عمل جالانت لديه كسكرتير عسكري، وتكتسب هذه "الميزَة" أهمية حاليًا عن الحديث عن مخطَّطات إسرائيل تجاه البرنامج النووي الإيراني، إذ إن الانطباع السائد في إسرائيل أن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الحالي جابي أشكنازي -بخلاف وزير الحرب باراك ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو- يتحفَّظ كثيرًا على أي مخطَّط لضرب المنشآت النووية الإيرانيَّة، متأثرًا بالاتصالات التي يُجريها معه قادة أركان الجيش الأمريكي الذين يرون أن أي هجومٍ إسرائيلي على المنشآت النوويَّة الإيرانيَّة لا يخدمُ بالمطلق المصلحة الأمريكيَّة في المنطقة، بل قد يعملُ على توريط الإدارة الأمريكيَّة بشكلٍ أكثر عُمقًا في الوحل الشرق أوسطي، في الوقت الذي يسعى الرئيس باراك أوباما لتقليص حجْم الأضرار الناجمة عن التورُّط في كلٍّ من العراق وأفغانستان، وفي الوقت الذي تُفتح جبهات أخرى للتوريط في كل من اليمن والصومال وغيرها.

 

الاعتقادُ السائد في تل أبيب أن جالانت سيتحمَّس لأي توجُّه عسكري إسرائيلي تجاه المنشآت النووية الإيرانية، طالما أن الأمر تعلَّق به، مع العلم بأن هناك الكثير من المحاذير الموضوعيَّة التي يفترض أن تعيقَ توجُّه إسرائيل نحو العمل العسكري تجاه إيران، على كل الأحوال فإن كلَّ المؤشرات تدلِّل على أنه في حال اتّخذت القيادة السياسية في إسرائيل قرارًا بضرْب المنشآت النوويَّة الإيرانيَّة فإن جالانت سيكون الشخص الذي تقع على عاتقِه مهمَّة تنفيذ هذا القرار بصفته رئيسًا لهيئة الأركان.

 

صحيح أن الحرب على غزة قد عاظمتْ من أسهم جالانت لدى صنَّاع القرار في إسرائيل وتحديدًا لدى وزير الدفاع وزعيم حزب العمل إيهود باراك، إلا أن نظرة متفحِّصة تدلُّ بسرعة إلى أن اختيار جالانت ينسجم تاريخيًّا مع النمط المفضَّل من رؤساء الأركان لدى النخبة السياسية ولدى الرأي العام الإسرائيلي، فجالانت يصنّف بأنه من المولَعين بتفضيل خيار القوة على غيره من الخيارات، ولديه ميلٌ كبير نحو تفضيل الخيار العسكري والتصعيد الميداني، وهذا الميل تعاظَم خلال سيرة جالانات العسكرية، فكضابط وكقائد لوحدة "الكوماندو البحرية"، أو "القوة 13" التي تتولَّى بشكلٍ عام تنفيذ عمليات خاصة خارج حدود إسرائيل، سواء عمليَّات اغتيال أو جمْع معلومات استخباريَّة أو القيام بعمليات التفتيش في عَرْض البحار والمحيطات بحثًا عن سفن تنقل سلاح لحركات المقاومة أو لأطراف تعتبرُها إسرائيل معادية، تعاظم داخل جالانت الإيمان بأفضليَّة الخيارات العسكرية، وهو ما فطنَ إليه قادتُه، فتمَّ استقدامُه من سلاح البحرية ليتولى قيادة العمليات العسكريَّة ضد الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية، وبعد ذلك تولَّى قيادة سلاح المدرَّعات، وقد أعجب به رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرئيل شارون واختاره ليكون سكرتيرَه العسكري خلال الانتفاضة الثانية، حيث تَمَّت ترقيتُه إلى رتبة لواء، مع العلم بأن هذا المنصب هو أكثر المناصب حساسية في الجيش الإسرائيلي؛ على اعتبار أن السكرتير العسكري لرئيس الوزراء يطلع على أكثر المعلومات سريَّة.

 

وتوجَّه جالانت بعد ذلك لتولي قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، وهو المنصب الذي يكون صاحبه مسئولًا عن مواجهة حركات المقاومة في قطاع غزة، حيث أن جالانت كان وما يزال صاحب مبدأ "جباية ثمن"، أي أن أي فعلٍ من قِبل حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة يجب أن يواجَه بردَّة فعل أكبر بكثير منه، وهذا ما يفسِّر عمليات الدمار الهائل التي قام بها الجيش الإسرائيلي تحت قيادة جالانت بُعَيْد اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وكردّ على عمليات إطلاق القذائف الصاروخيَّة محليَّة الصنع التي كانت تطلقُها المقاومة الفلسطينيَّة، وقد استنفذَ جالانت طاقته في هذا المجال خلال الحرب على غزة، والتي لا خلاف على أنها الحرب الأكثر إجراميَّة التي تعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة، وقد تناول تقرير القاضي جولدستون الكثير من المجازر التي أَمَرَ جالانت بارتكابها خلال الحرب، والتي كان أكثرها بشاعة قصف المنزل الذي أوى إليه العشرات من أفراد عائلة السموني في حي "الزيتون" جنوب غزة فقُتلوا جميعًا، وإصداره التعليمات بقصف مسجد "إبراهيم المقادمة"، في بلدة "بيت لاهيا"، وهي المجزرة التي قُتل وجرح فيها العشرات من المصلِّين.

 

لكن مع كل ذلك فقد سجّل في ملف جالانت عددٌ من العمليات الفاشلة التي مسَّت بسمعته، لعل أبرزها عملية "الأنصاريَّة"، عام 1994؛ فخلال قيادته الكوماندو البحري خطَّط جالانت لعملية تصفية قيادي بارز في حزب الله في قرية "الأنصارية"، جنوب لبنان، وبالفعل توجهت مجموعة من الوحدة إلى القرية لتجدَ نفسها في كمين مسبق نصبه لها عناصر حزب الله، حيث أنه من أصل 15 مقاتلًا شاركوا في العملية قُتل 12 وأُصيب ثلاثة آخرون، نجاح عملية "حزب الله" شكَّلت ضربة نجلاء إلى سمعة جالانت، لكنها لم تقفْ حائلًا أمام تواصل تقدمه في الترقيات العسكرية.

 

فعقد الكثير من الرهانات على أداء جالانت كرئيس لهيئة أركان، استنادًا فقط للعدد الكبير من العمليات التي سجّلت في ملفه العسكري، ليس في مكانه، فقدرة جالانت على القيادة وإدارة العمليات العسكرية الكبرى، واتخاذ القرارات الصعبة في زمن حقيقي وفي ظروف مركَّبة لم تختبر بعدُ، قيادة الجيش الأقوى في المنطقة في حرْب إبادة ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة لا تصلح أساسًا للحُكم على صلاحية هذا القائد العسكري أو ذاك، ومصير جالانت قد لا يكون مختلفًا عن مصير دان حالوتس الذي سجّل في ملفِّه أكبر عدد من عمليات القصف الجوي التي استهدفت الكثير من العواصم العربية، والتي لطالما امتدحها صنَّاع القرار في إسرائيل، لكن حالوتس هذا فشل فشلًا ذريعًا في اختبار حرب لبنان الثانية.