خبر رد على العريف بن -هآرتس

الساعة 09:43 ص|02 سبتمبر 2010

رد على العريف بن -هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: رد على مقالة لألوف بن تحدث فيها عن خدمته العسكرية في الشرطة العسكرية في لبنان وبين فيها قبح معاملة  المعتقلين العرب على أيدي جنود الاحتلال - المصدر).

خدم العريف ألوف بن في زمانه في الشرطة العسكرية في لبنان. كشف ها هنا أمس، في شجاعة تستحق الذكر، عن روتين خدمته العسكرية ("عندما كنت عيدن افرجيل"). كبل أيديا كثيرة لا  تحصى وغطى عيونا بالجملة، وقاد الكثير من السجناء الى سجنهم. ورأى معتقلين يأكلون منحنين، أيديهم مربوطة من الخلف، "كالكلاب" كما قال، وشم رائحة عرقهم وبولهم. أراد بن ان يزعم ان الجميع فعلوا هكذا، من عشرات آلاف جنود جيش الاحتلال على اختلاف أجيالهم، ولهذا لم يزعزعه عمل الجندية عيدن افرجيل. اليكم تعليلا اخلاقيا مشوها لكنه بدائي على نحو مخيف: هذا ما يفعله الجميع ولهذا فلا بأس به. "لم أر ذات مرة حالات شاذة"، كتب بن، بعد أن وصف من الفور طعام المعتقلين – الكلاب الفظيع؛ "لم يفسدني الاحتلال"، كتب من غير أن يطرف له جفن بعد ذلك.

يا محرري الممتاز وصديقي الجيد ألوف بن، إن مقالتك هي البرهان الخالد على مبلغ فسادك، وأشد من ذلك أن برهان على مبلغ انك لا تعلم حتى بذلك. لم أعرف ولم أسأل من المعتقلون ولماذا اعتقلوا على هذا النحو، بل إن انحناءهم لتناول الطعام مكبلين قد اعتبرته، أنت الجندي الذي قرأ أوري افنيري في شبيبته أمرا طبيعا، لا شاذا اخلاقيا مخيفا. وماذا يريدون حقا من جندي شاب مغسول الدماغ؟

المشكلة أن هذا لا يعد عندك شاذا حتى اليوم، في نظرة ناضجة الى الوراء. لماذا؟ لأن هذا ما فعله الجميع. "لم يجعلنا الاحتلال جناة مخالفين للقانون"، كتبت بنقاء ضمير. أحقا؟ كبلتم عبثا آلاف الناس بلا محاكمة، في ظروف مهينة، مع احداث آلام جعلتهم يصرخون على حسب شهادتك. أليس هذا فقدانا لصورة الانسان؟

لم أعد الى البيت لأشغب في الشوارع ولا لأنكل بالعجزة، تكتب، وهذا حسن – لكنك سكت. كنت مشاركا كاملا في الجريمة، بل إن ضميرك لا يعذبك. حاول أن تفكر لحظة في آلاف المعتقلين الذين كبلتهم وأذللتهم وعذبتهم. في حياتهم منذ ذلك الحين، والصدمات والندوب التي يحملونها، والكراهية التي غرستها فيهم. فكر الان في نفسك، أيها الجندي الذي نضج، وأصبح صاحب عائلة وصاحب عمود صحفي معتبر، ومحررا ليبراليا من جميع جوانبه، ذا آراء مستقلة مستنيرة. هل يمكن أن تكون مصابا اليوم بعمى أكبر مما كنت مصابا به في شبيبتك؟

هذا ما فعله الجميع اذن. قدمت اسهاما مهما لـ "نكسر الصمت": فها هو ذات الدليل على ما يحدثه الاحتلال في المحتل الذي لا يميز الحمل القبيح الذي يحمله فوق ظهره. إن المحتل كما وصفته ظاهرة خطرة؛ والمحتل الذي يشعر على نحو جيد جدا وهو في آن مع نفسه ومع أفعاله في  الماضي أمر يستحق محاسبة النفس اللاذعة.

"عندما كنت عيدن افرجيل" هي مقالة مهمة. فهي تكشف بنزاهة عما لا يريد أكثرنا الاعتراف بوجوده. لا يمكن أن نقول في المقالة إنها اكذوبة ودعاية، ولن يجرؤوا على أن يعيبوا كاتبها بأنه "كاره لاسرائيل". فقد كان جنديا مخلصا في جيش الاحتلال الذي كانت هذه (وما تزال) افعاله الآثمة.

لكن العبرة التي استخلصها بن من خدمته العسكرية قد تكون الأكثر احداثا للقشعريرة: "يفضل أن تكون الآسر لا الأسير... ويفضل أن تقيِد لا أن تقيَد. ويفضل أن تحرس المعتقل وأن تمضي بعد ذلك الى غرفة الطعام، لا أن تأكل منحنيا مكبل اليدين في قاعة نتنة". هذا هو عالم الجندي الاسرائيلي المتقاعد ذو الصبغة الواحدة: إما قهار وإما ضحيته. وماذا عن الامكان الثالث، أي لا هذا ولا ذاك؟ لانه يوجد في العالم ايضا غير قليل من اولئك الذين لا يعذبون ولا يعذبون، ولا يحتلون ولا يحتلون. وقد محوا تماما من صورة العالم الضيقة المشوهة على نحو مخيف التي تدخلها اسرائيل في أدمغة جنودها.

أراد بن ورفاقه الجنود فقط أن يكونوا في "الجانب القوي" وليمض الجانب المحق الى الجحيم. من يجبر الناس على أن يأكلوا كالبهائم ليس هو الجانب القوي. ان بن لا يدرك حتى بعد سنين ما الشيء المرفوض الذي كان فيه.