خبر المفاوضات المباشرة.. أم الطريق المسدود؟! – د. محمد مورو

الساعة 06:01 م|01 سبتمبر 2010

المفاوضات المباشرة.. أم الطريق المسدود؟! – د. محمد مورو

لا يَعتقدُ أي مراقب محايِد أو نصف محايد أن المفاوضات المباشِرة المزمع إجراؤها بين رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو سوف تسفرُ عن شيء، سواء تمَّتْ في واشنطن أو في القدس أو حتى في القاهرة وعمان, وكذا سواء استمرت عامًا أو بعض عام أو عدة أعوام.

 

وبديهي أنه بعد عشرات السنين ومئات الاجتماعات والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة لا بدَّ أن يستخلص الباحث أو المراقب السياسي أن المسألة مجرد عَبَث وطريقة للوقيعة بين العرب والعرب، أو بين العرب والفلسطينيين، أو بين الفلسطينيين والفلسطينيين، وأنه لم يعدْ يليق بكرامة العرب -حكاما أو شعوبًا- الاستمرار في تلك الملهاة التي تسخر أساسًا من آلام الشعب الفلسطيني وتتم بشكل يستفزُّ كل وطني حرّ ومحترم بعد عشرات السنين من السير وراء هذا الوهم، وبعد آلاف الاجتماعات التي سخر فيها الإسرائيليون منا ومن سياسيينا الكبار والصغار سرًّا أو علنًا لا بدَّ أن نكتشف أن الكيان الصهيوني لا يستطيع أصلًا دفْع فاتورة الحد الأدنى من السلام, وإذا كان المطروح التنازل عن 80% من أرض فلسطين التاريخية والتمسُّك فقط بحدود 1967 وهو أمر غير عادل, فإن هذا الأمر غير متاح الآن, ولم يكن متاحًا من قبل، ولن يكون متاحًا بعد الآن, إذن فعلامَ التفاوض أصلا؟! هل لمزيد من الاعتراف بتمدُّد إسرائيل والمزيد من التنازل عن الأرض؟! أم للمزيد من السخرية والاستهانة بالشعوب؟!

 

والغريب أنه في بعض الأحيان تُثار قضايا مضحكة مثل مفاوضات مباشرة بدلًا من غير المباشرة, وكان اختراع المفاوضات المباشرة لم يحدث من قبل, لقد كان الأصل هو هذه المفاوضات المباشرة الملعونة ولم تسفر عن شيء, فلماذا أصبحت فجأة غير مباشرة, ثم عادت تحت الضغط إلى مباشرة؟!

 

ليدلني أحد من فضلكم على أي جديَّة في هذا الكلام!!

 

المسألة ببساطة أنه كلما أرادَ رئيس أمريكي تحقيق نجاح خارجي ليحسن به صورته الداخليَّة, أو كلما حدث ضغط من المقاومة في العراق أو أفغانستان, أو تصاعد ما يسمى بالإرهاب لأي سبب, يسارع الأمريكيون إلى اختراع مؤتمر تحت اسم مؤتمر السلام, أو أنابوليس أو مدريد أو واشنطن لتفريغ الضغط ثم لا شيء جديد!!

 

هل يفيق الساسة العرب أم أنهم أصبحوا بلا إرادة ولا تفكير, بل ينصاعون فورا إلى رغبات السيد الأمريكي وكأنهم كومبارس مدفوع الأجر في مسرحيَّة هزلية أمريكية صهيونية.

 

هذه المرة بالذات فإن فرض السلام المزعوم أو التسوية من أي نوع تحت الصفر بمراحل؛ فالرئيس الأمريكي باراك أوباما ثبت أنه ضعيف جدًّا، ولم يقدِرْ على فرْض أي من آرائه على إسرائيل، وقد اخترع موضوع المفاوضات المباشرة ليس لإرضاء العرب بعد أن ثبت أن كلامه لهم كان بلا رصيد، بل لتحسين أوضاع حزبه الداخلية, وقد انصاع في هذا الصدَد لكل طلبات إسرائيل, فتقرَّر إلغاء أي شروط مسبقة كما كانت تقترحُ الدول العربية، سواء ما يتصل بوجود مرجعية معيَّنة للمفاوضات المباشرة أو وقف الاستيطان أو غيرها, كل ما جاءت به علينا السيدة هيلاري كلينتون -وزيرة الخارجية الأمريكية- في دعوتنا للمؤتمر كان أن التفاوضَ له سقفٌ زمني لمدة عام، والغريب أن وزير الخارجية الصهيوني سفَّه كلامَها في هذا الصدد بعدها مباشرةً، وقال أن تحقيق السلام في عام أمر مستحيل, وبديهي أن بعد العام أعوام، وهكذا بلا نهاية إلى أن يقيض الله للأمة مجاهدين مقاومين يجبرون إسرائيل وأمريكا على احترامنا ومن ثم انتزاع شيء من حقوقنا أو حقوقنا كاملة في تحرير كامل التراب الفلسطيني.

 

ونتنياهو من جانبه مستمر في الاستيطان, ولا يزال يبني الجدار ويقتطع المزيد من الأرض, والمستفيد تركيبة حزبية إسرائيلية هي الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل, يذهب إلى المفاوضات المباشرة لإملاء شروطه هو وليس للتنازل عن شيء، ولأن أول القصيدة كفر فإن الرجل لم يتورعْ عن دعوة الفلسطينيين الذاهبين معه إلى واشنطن إلى الاعتراف بإسرائيل دولة لليهود, أي إلغاء كل الحقوق التاريخيَّة الفلسطينيَّة بالنسبة للقدس واللاجئين, بل وتهديد عرب 1948 الذين لا يزالون يعيشون داخل إسرائيل في أرضهم بترحيلهم أو مضايقتِهم أو إلزامهم بالخدمة في الجيش الصهيوني وتحية العلم الصهيوني وغيرها بدعوى أن الدولة يهوديَّة.

 

نتمنى أن يقتصر العرب في ذهابهم إلى واشنطن ألا يحققوا لنتنياهو ما يريدُه وألا يصلوا إلى حدّ التفريط في الحقوق التاريخيَّة, ونتمنى أن يقتصر مؤتمر واشنطن ومن ثم المفاوضات المباشِرة على أن تصبح مجرد كلمة, وهذا أقلّ الأضرار, ولنتأمل كيف انتهى بنا الحال نحن أصحاب الحقوق إلى أن تصبح المفاوضات في أحسن أحوالها، تثبيتًا للأمر الواقع, وليس المزيد من التردِّي.