خبر لماذا اخرجت عمان أرشيفها الخاص بالضفة الغربية لأول مرة؟

الساعة 06:39 ص|01 سبتمبر 2010

لماذا اخرجت عمان أرشيفها الخاص بالضفة الغربية لأول مرة؟

 فلسطين اليوم-القدس العربي

بقلم بسام البدارين

جرعة الحماس الاردنية التي يرى البعض انها تنطوي على مبالغة في الرهان السياسي لها ما يبررها بالنسبة لصانع القرار الاردني الذي وضع ثقله هذه المرة خلف عملية واشنطن الجديدة على امل تغيير المعادلات القائمة في المنطقة بحيث تستطيع المملكة الاردنية الهاشمية التخلص اولا من 'صداع' غربي النهر، وثانيا التفرغ لمصالحها وقضاياها المعلقة وهي بالعشرات وعلى رأسها الاصلاح والديمقراطية وقانون الانتخاب والجدل الديمغرافي.

لذلك ارتبطت جرعة الحماس المشار اليها من البداية بعبارة اردنية ثلاثية الافكار وحاسمة كررها الملك عبدالله الثاني على شاشة القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي ومحورها: لا لاي دور اردني في الضفة الغربية في ظل الوضع القائم حاليا، ولا امن لاسرائيل بدون عملية سلام، وعمان تعتبر الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة منجزا مرتبطا بمصالحها العليا.

هذه المعادلة الثلاثية حكمت دوما في السنوات العشر الاخيرة وتحديدا في العهد الجديد الخطاب والادبيات السياسية الاردنية على امل ضرب عدة عصافير بحجر واحد فقط في الوقت نفسه، من بينها تيقن الاسرائيليين بان المملكة ليست بصدد قبول دور بصيغة اسرائيلية او حتى امريكية في الضفة الغربية فذلك اقرب الى عملية 'انتحار' سياسي كما وصفت في اجتماع مهم لاركان الدولة الاردنية.

والرسالة نفسها يمكن بطبيعة الحال توجيهها للداخل الاردني المهووس بقصة الوطن البديل والخيار الاردني، وفي الطريق عملت عمان بحزم وقوة وثبات على تطوير وعي النخبة الفلسطينية بحيث تؤمن هي الاخرى بان مملكة عبدالله الثاني تدعم دولة فلسطينية مستقلة وسيادية.

وللمزيد من التفصيل يصر وزير الخارجية ناصر جودة على عبارة يرددها منذ اسابيع بكل الاجتماعات ويقول فيها: عندما نقول دولة فلسطينية بالنسبة لنا في الاردن نقصد: ذات سيادة.. تملك مقومات الحياة والديمومة.. فيها تواصل جغرافي.. الاهم عاصمتها القدس الشرقية على الاقل.

بهذا المعنى تنشطت المؤسسة الاردنية لتخليص النخبة الفلسطينية وحتى بعض الاردنية من الوهم القائل بان الاردن لا مصلحه له بانشاء دولة فلسطينية مستقلة وان عمان تدعم ذلك لفظيا لكنها تقف ضده واقعيا.

وحتى يقتنع الفلسطينيون تماما بان الدولة الفلسطينية اصبحت استراتيجية سياسية اردنية مصلحية بدأ المسؤولون الاردنيون يربطون الامر بالمصلحة العليا للدولة الاردنية في تثبيت واضح ومباشر حقق الاسترخاء وسط النخبة العاملة مع الرئيس محمود عباس كما قال مباشرة الدكتور صائب عريقات لسياسيين اردنيين بينهم الوزير جودة.

ومن الواضح الان واستنادا الى مصدر مطلع جدا فان الاستراتيجية الاردنية العاملة لصالح تخليص الفلسطينيين من اوهام 'الاطماع الاردنية' بالضفة الغربية وبالارض الفلسطينية تقصدت وضع الارشيف الرسمي الاردني في 'سلة ادوات التفاوض' التي حملها معه الدكتور عريقات عندما سبق الجميع الى واشنطن لكي يرتب مع خبير اردني لانطلاق حفلة المفاوضات الاربعاء.

هذا الارشيف وكما قال رئيس الوزراء والمفاوض الاردني الاسبق معروف البخيت لم يخرج من خزنته الاردنية طوال الاعوام الماضية.. حتى عند مفاوضات توقيع اتفاقية وادي عربة استعمل المفاوض الاردني الوثائق والخرائط المتعلقة بشرقي نهر الاردن فقط وتقصد ابقاء بقية الخرائط العسكرية والمدنية في خزنتها في مؤسسة اردنية سيادية معنية بالاحتفاظ بوثائق الدولة.

ورغم ان مسؤولي السلطة هم الذين كشفوا سر هذا الارشيف الذي تم تسليمه لفريق عباس المفاوض للاستعانة به الا ان عمان الرسمية لم تعترض او تنفي، فالخطوة اصبحت لوجستيا وسياسيا اساسية لان سر الحماس الاردني لرحلة واشنطن الجديدة منطلق من الضمانات التي وفرها الرئيس باراك اوباما وبعده هيلاري كلينتون وجورج ميتشل.

وليس سرا ان هذا الارشيف يتضمن الخرائط والوثائق المتعلقة بمسائل حساسة ومهمة جدا وعلى رأسها ملكيات وعقارات النازحين واللاجئين بكل تفصيلاتها وخرائط الحدود للضفة الغربية الخالية من حدود دولية معترف بها عمليا مما يعني بان الوثائق الوحيدة المعتمدة دوليا هي خرائط الاردن، فيما يخص الضفة الغربية اضافة لكل الملفات الجيوفيزيائية والجغرافية الخاصة بالبنية التحتية في الضفة.

لذلك يؤكد الوزير جودة في حديث جانبي لـ'القدس العربي' انه لا شكوك الان بجدية اهتمام الادارة الامريكية والتزامها، ملمحا الى ان مفاوضات التفاصيل التي مهدت للمشهد الجديد في واشنطن ناقشت الصغير والكبير لكي تنتهي بشيء من النجاح.

ماذا اذا كانت رهاناتكم خائبة ايضا هذه المرة؟.. هذا السؤال يوجه للمسؤولين الاردنيين في كل مكان حاليا داخل الاردن، اما الجواب فيمكن اختياره من الصياغات التي ترد على لسان الدبلوماسية الاردنية وهي تسأل: لن اقول ما هي البدائل عن السلام.. دعونا نفكر ماذا سنخسر؟.

المعنى واضح هنا ويشير الى ان عمان المتحمسة جدا لمفاوضات واشنطن لديها ضمانات وتأكيدات لكن اذا انتهى المشهد بلا شيء ستعود المنطقة الى نفس النقطة التي كانت فيها اصلا قبل انطلاق مشهد الاربعاء الامريكي.. يعني ذلك ان الطرف العربي عموما لا يوجد ما يخسره في النهاية اذا لم يحقق مكاسب من هذه الجولة.