خبر عودة المفاوضات المباشرة: السلطة في خدمة الإمبريالية../ سلامة كيلة*

الساعة 09:41 م|30 أغسطس 2010

عودة المفاوضات المباشرة: السلطة في خدمة الإمبريالية سلامة كيلة*

* كاتب عربي 

30/08/2010  10:27 

 

كما كان واضحاً، عادت السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات المباشرة وفق الشروط التي وضعتها الدولة الصهيونية، أي بلا شروط مسبقة وبلا وقف للاستيطان.

 

ونشأ الوضوح في ذلك من أمرين: الأوّل هو أنّ المفاوضات هي الخيار الوحيد الذي بات يحكم كلّ سياساتها، ومن ثمّ ليس أمامها من خيار حيال التشدّد الصهيوني سوى التراجع والقبول بما هو مطروح. وبالتالي، فقد فقدت كل قدرة على المناورة وكل قدرة على الرفض، وكل التصريحات التي كانت تقول بالعودة إلى خيار الدولة الواحدة، أو التي تشير إلى حل السلطة، أتت في سياق احتجاجي أكثر مما حملت من الجدية التي تجعل الولايات المتحدة أو الدولة الصهيونية تأخذانها في الاعتبار.

 

أمّا الأمر الثاني، فيتعلّق بالمصالح التي نشأت عن وجود السلطة لدى فئة من الذين يمسكون بزمامها، أو المستفيدين منها. فكل ميزانية السلطة هي إما من الضرائب على الفلسطينيين التي تأتي من طريق الدولة الصهيونية، أو مساعدات من «الدول المانحة»، وهما مصدران مسيطر عليهما، فلا يمكن صرف أي قرش منهما إلا بموافقة هؤلاء.

 

لهذا، فإنّ السلطة محكومة برضا المانحين والدولة الصهيونية. لكن الأكثر خطراً هو تشابك المصالح الاقتصادية بين تلك الفئة والرأسمال الصهيوني، وغلبة النشاط الاقتصادي لديهم على مصالح الوطن. إنهم يتحولون إلى كومبرادور فلسطيني، أو تحولوا إلى كومبرادور وانتهى الأمر.

 

ولا شك في أن حصرهم العمل على المفاوضات فقط، نابع من هذا الأساس الذي يجعلهم يتمسكون باستمرار العلاقة مع الدولة الصهيونية، وبالرعاية الأميركية لاستمرار مصالحهم. وهو الوضع الذي يفرض عليهم إطلاق كمّ هائل من الأوهام من جهة، والتخويف من وقف مساعدات المانحين من جهة أخرى، ما أثّر على أكثر من 160 ألف موظف، وذلك للجم المعارضة الممكنة لاستمرار المفاوضات.

 

في هذا الوضع، ستكون حدود المناورة معدومة أصلاً، لأن استمرار السلطة مرهون برضا «العدو» الذي يُتفاوَض معه، وكذلك هو مرهون بمصالح هذه الفئة التي تحكم سيطرتها على السلطة من خلال أجهزة تدرّبت بإشراف أميركي ووفق سياسة تنطلق من «مقاومة الإرهاب»، لا «الدفاع عن استقلال السلطة»، أو الوصول إلى التحصّل على استقلال حقيقي للسلطة.

 

إذن، ستكون العودة إلى المفاوضات المباشرة عودة تستتبع الموافقة على شروط إسرائيلية تالية أساسها القبول بدولة في حدود مؤقتة تشمل لمام الكانتونات التي أصبحت أمراً واقعاً، وأيضاً الموافقة على ضم غور الأردن إلى الدولة الصهيونية، وغض النظر عن التوسع الاستيطاني. أي القبول بالحل النهائي الذي رسمته الدولة الصهيونية، والذي يقوم على أن تبقى السلطة سلطةَ إدارة مدنية ذاتية على هذا الشتات من الأرض. وضمن ذلك تكون الأجهزة التي دربتها الولايات المتحدة هي الضامن للأمن في هذا الشتات، تحت سلطة شكلية للسلطة الفلسطينية وفعلية للدولة الصهيونية.

 

ولقد استدعت هذه الخطوة/ النقلة العودة إلى النظم في البلدان العربية لإعطاء «الشرعية» الضرورية لحماية تلك الفئات وتبرير ممارساتها. لقد استدعت «تعريب» القضية الفلسطينية من جديد بعدما كانت الفئات ذاتها التي تسيطر الآن (أي قيادة حركة فتح تحديداً) هي التي فلَسْطَنَت القضية وقزّمتها، فوضعتها في نفق مظلم لا يوصل إلا إلى هذه النهاية البائسة: القبول بالحل الصهيوني.

 

وإذا كانت الفلسطنة هي مدخل الانهيار لأنها وضعت الشعب الفلسطيني في ظروف لا تسمح بنضال حقيقي، حيث ستظهر النظم العربية كسدّ مانع لـ«نضاله» لكونه ينطلق من «أرضها»، فإنّ هذه «الاستراتيجية» أظهرت أن الشعب الفلسطيني وحده، ليس في مواجهة الدولة الصهيونية فقط، بل في مواجهة مع النظم العربية، وهو الأمر الذي أسس للقبول بالتنازلات المتتالية منذ «النقاط العشر» إلى اتفاق أوسلو. إذا كانت الفلسطنة هي المدخل لكل ذلك، فقد أصبح التقدم أكثر يفرض العودة إلى «العرب» لتحقيق النقلة الأخيرة، تلك المتعلقة بالموافقة على الحل الصهيوني.

 

فالنظم العربية كانت قد تكيفت منذ زمن طويل مع السيطرة الأميركية، وهي تُحكَم من فئات الكومبرادور الذي ينشط في التجارة والمال كوسيط وتابع للرأسمالية الأم المتمركزة إلى الآن في الولايات المتحدة. إنها نظم الكومبرادور الذي يمثّل صيغة الهيمنة الإمبريالية على الوطن العربي. وضمن ذلك، كان ضرورياً أن يتوافق مع الوجود الصهيوني والدولة الصهيونية، حيث إن الرأسمالية الأم تعمل على ترتيب المنطقة انطلاقاً من الدور المهيمن للدولة الصهيونية لكونها جزءاً عضوياً منها، ومرتكَز سيطرتها، وقاعدتها العسكرية الأساس. وبالتالي يجب على هذه النظم أن تكون «تحت الهيمنة» الصهيونية، من خلال إقامة علاقات تبعية معها، وتكريس الانفتاح الاقتصادي، والدور الأمني النشط. والنظم تتكيف مع هذا الوضع ما دامت ملحقة بالرأسمال الإمبريالي، ومصالحها تتحقق فقط عبر هذا الالتحاق. لكن لا بد من موافقة فلسطينية على حل لئلا يكون هناك ما يحرج التقدم على هذا الطريق «الثوري»!

 

هنا تحققت «المساومة»، حيث يكون هناك غطاء عربي لموافقة فلسطينية على الشروط الصهيونية تحت الرعاية الأميركية. وربما كان هذا ما سنشاهده في الأيام المقبلة بعد الفرض الأميركي لعودة المفاوضات «دون شروط مسبقة»، وبمشاركة بعض النظم العربية (مصر والأردن).

 

لكن هذا السياق يفرض علينا أن نتعامل مع السلطة الفلسطينية ممثلةً للكومبرادور الذي انضوى تحت السيطرة الصهيونية الأميركية، وألّا نظلّ نعدّه جزءاً من «حركة التحرر الفلسطينية». فقد بات جزءاً من الكومبرادور العربي الذي هو التمظهر العملي للسيطرة الإمبريالية على الوطن العربي. إنها جزء من البنى الطبقية التي تترابط مع الرأسمال الإمبريالي، وتفرض التكيف العملي مع مصالحه.

 

المؤسف أن منظمة التحرير الفلسطينية مهيمن عليها، ولجنتها التنفيذية تتخذ القرارات التي تريدها السلطة، وأن رهطاً كبيراً ممّن شارك في المقاومة طوال عقود، من فتح ومن كل التنظيمات الأخرى، بات يعتاش من فُتات السلطة، فهم موظّفو الدرجة الأولى فيها، وبالتالي يتكيفون مع سياساتها أو يقبلونها دون تردد. إذاً، ربما لم يعد لدينا حركة تحرر، وعلينا أن نبحث عن أفق جديد لحركة تحرر جديدة. لم تعد منظمة التحرير تعني شيئاً، سوى أنها تعطي «البصمة» لسياسات مضادة للتحرر وتقرر التكيف مع الاحتلال. ولم يعد «البرنامج المرحلي» سوى النقلة التي أوصلت إلى أوسلو، وأوسلو أوصل إلى ما نشير إليه، وبالتالي فقد كان خطيئة من دون شك.

 

الفلسطنة بحاجة إلى «نفض يد» لأنها كانت أصل الخطيئة تلك. والمقاومة المسلحة بحاجة إلى إعادة بناء، لكن على أسس جديدة ووفق رؤية عميقة لطبيعة الصراع مع المشروع الصهيوني، الذي هو مشروع إمبريالي أصلاً وفصلاً، وهو مشروع قام في مواجهة التحرر العربي، والوحدة القومية، وقبل كل ذلك ضد التقدم والتطور في الوطن العربي.

 

في هذا الوضع، هل من فائدة لتكرار المعزوفة عن المصالحة، وعن «تفعيل منظمة التحرير»، والوحدة الوطنية و«الدولة المستقلة وعاصمتها القدس»؟ لقد تحقق الفرز، وبات كل حديث من هذا القبيل تبريراً لكل السياسات التي تتّبعها السلطة، وربما كانت المصالح، لا ضيق الأفق وحده، هي التي تفرض استمرار هذه النغمة، حيث هناك من بات «معتاشاً» من العلاقة مع السلطة، ويمكنه من أجل ذلك أن يسرد كل مبررات استمرار العلاقة، بينما يفرض الوضع الذي وصلنا إليه القطع، والتقدم لإعادة بناء النضال الفلسطيني، لكن هذه المرة في إطاره الشعبي العربي. وكل تلكؤ في هذا السياق هو خدمة لما يجري، ودعم لسلطة باتت في الموقع الآخر.

 

لقد انتهت مرحلة جديدة من النضال الفلسطيني إلى ما هو مأساوي ككل النضالات السابقة، ولا بد من بدء مرحلة جديدة.

"الأخبار"