خبر الدكتور شلّح : « عباس » عاد بالعصا الأمريكية لبيت الطاعة لتصفية قضية فلسطين ونطالب « حماس » بمراجعة سياستها الحالية

الساعة 03:32 م|30 أغسطس 2010

الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، الدكتور رمضان عبد الله شلّح لـ "الشروق":

عباس عاد بالعصا الأمريكية لبيت الطاعة لتصفية قضية فلسطين

مقاومتنا مستمرة.. ونطالب حماس بمراجعة سياستها الحالية

فلسطين اليوم- دمشق

اعتبر الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان شلح أن المفاوضات هي مبرر وجود السلطة التي تمارس دور قمعي ضد المقاومة في الضفة الغربية، وطالب الدكتور شلح المقيم بدمشق في حوار خاص وشامل مع "الشروق اليومي" حليفته حركة حماس بمراجعة سياستها الحالية، فيما أكد رفضه لورقة المصالحة المصرية التي وصفها بالمجحفة، كما تأسف المطلوب الأول للولايات المتحدة الأمريكية لعدم وجود علاقة رسمية مع الجزائر التي حضر قمة غزة في قطر بجوار رئيسها..

السلطة اتخذت قراراً بالعودة إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وأنتم رفضتم هذا القرار لماذا عادوا ولماذا رفضتم؟

قيادة السلطة عادت إلى المفاوضات لأن كل همّها وجود السلطة، وبدون المفاوضات واستمرار لعبة التسوية فإن وجود السلطة يصبح مهدداً لصالح خيارات أخرى لاسيما خيار المقاومة.. أما لماذا نحن وغيرنا من الفصائل رفضنا ذلك لأننا من حيث المبدأ لا نؤمن بجدوى المفاوضات مع هذا العدو، ثم على ماذا يتفاوضون؟ على ما تبقى من مساحة الضفة الغربية التي هي كل ما تبقى من فلسطين مع شريط قطاع غزة وكله لا يصل إلى عشرة بالمائة من مساحة فلسطين الانتدابية، ثم على أية أسس وبأية شروط ومرجعيات سيجري التفاوض؟ للأسف السلطة لحست كل عنترياتها وقبلت بالعودة للمفاوضات دون أية شروط، ودون وقف للاستيطان، وبيان وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون كان واضحاً، حيث أكدت عودة الطرفين للتفاوض دون أية شروط مسبقة ودون أية إشارة من قريب أو بعيد إلى ما سمي بيان الرباعية الدولية الذي هو في حد ذاته فضيحة وليس له أي قيمة..

لذلك، نحن نعتقد أن هذه المفاوضات هي نوع من العبث وتعبير عن الاستمرار في سياسة الرضوخ للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية من قبل السلطة.

السلطة تقول إنها تتعرض لضغوط أمريكية إسرائيلية شديدة، وهناك موافقة عربية وتفويض من الجامعة العربية للذهاب للمفاوضات، لماذا هذا التغير في الموقف الأمريكي وهذا التساهل في الموقف العربي من هذه المسألة؟

الموقف الأمريكي في جوهره لم يتغير، التغير الذي ظهر مع مجيء أوباما كان تغيراً في لهجة الخطاب التي أشاعت أجواء من التفاؤل، أما الآن وقد "ذاب الثلج بان المرج" كما يقول المثل الشعبي فالأمور بدت واضحة والالتزام الأمريكي بكل ما تريده إسرائيل هو فوق كل اعتبار.. ما يقرب من عشرين سنة مفاوضات منذ مدريد ولا شيء من السلام الموعود والمزعوم تحقق، وأكثر من سبعة عشرة رحلة مكوكية للمبعوث الأمريكي للمنطقة، وكل ما نتج عنها هو إجبار السلطة الفلسطينية أن تعود بالعصا الأمريكية لبيت الطاعة من أجل فرض الحل الإسرائيلي للصراع وهو تصفية قضية فلسطين.

وإذا أردنا أن نكون أكثر وضوحاً وصراحة نقول، إن هذه المفاوضات تتم من أجل تحسين المناخ الاستراتيجي للسياستين الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، استعداداً لتصفية حسابات أمريكية إسرائيلية مع قوى المقاومة، سواء في فلسطين أو لبنان أو إيران أو سوريا، والموقف العربي الرسمي للأسف مخيب للآمال، فالنظام العربي في معظمه نفض يده من قضية فلسطين، ويقترب أكثر وأكثر إلى القبول بإسرائيل ككيان طبيعي ودولة أساسية بل مركزية في المنطقة، وبعض العرب للأسف انتقلوا من موقع القبول بإسرائيل إلى موقع التحالف معها، ضد من؟ ضد عرب ومسلمين! .

 تظهر بوضوح حروب التهويد في القدس والاستيطان في الضفة والحصار على قطاع غزة والمقاومة متوقفة، لماذا، وهل حسم الصراع من القدس لصالح إسرائيل؟

 المقاومة متوقفة في الضفة الغربية لأنها ملاحقة من سلطة أوسلو.. معظم جيل الشباب الذين قادوا المقاومة خلال انتفاضة الأقصى كان مصيرهم القتل أو الاعتقال أو المطاردة، وكل هذا جرى بتنسيق أمني كامل مع سلطة عباس وبإشراف أمريكي للجنرال دايتون. أبناء حماس والجهاد الإسلامي في الضفة لم يعدوا مستهدفين بتهمة إعداد أو تنفيذ عمليات عسكرية فقط، بل هم ممنوعون من القيام بنشاطات اجتماعية أو خيرية أو ثقافية. القبضة الأمنية للسلطة ضد المقاومة في الضفة هي التي تحكم سيطرة القبضة الإسرائيلية في القدس، وفي كل شبر من الأرض الفلسطينية.. لكن المعركة على القدس لم تحسم ولن تحسم بهذه السهولة.. نعم القدس في خطر وخطر كبير، لكن الصراع لن ينتهي بهذه الطريقة.

أما وضع المقاومة في قطاع غزة، فالمعروف أن العدو خرج من داخل القطاع، لكن يمكن استهدافه على الحدود وطالما أنه يحاصر قطاع غزة فيجب أن يقاوم، وهذا يتطلب مراجعة للسياسة الحالية التي تعتمدها قوى المقاومة في غزة وتحديداً حركة حماس لأنها هي المسؤولة عن إدارة شؤون القطاع.

لكنكم اعتبرتم في السابق أن الانتخابات "فخ" نصب لحماس، وبعد ذلك قلتم إن السلطة "مفسدة" ما تقييمكم لتجربة حماس التي جمعت بين السلطة والمقاومة؟

لن نخوض في تقويم هذه التجربة، فهناك الكثير من التعقيدات، ولكن نكتفي بالسؤال عن العنوان وهو "الجمع بين السلطة والمقاومة" أين هي المقاومة اليوم؟ في الضفة، حماس ملاحقة بشدة من سلطة رام الله، وبطريقة تبدو كأنها رد على ما جرى في غزة. وفي قطاع غزة المقاومة مجمدة بقرار ذاتي حفاظاً على استقرار سلطة حماس.. إذن، ليس هناك جمع بين السلطة والمقاومة، هناك تغييب للمقاومة وسلطتان في غزة والضفة. هذه هي نتيجة المشاركة في الانتخابات، وهذا هو الفخ الذي نصب لمشروع المقاومة وحماس ركن أساسي فيه.. نحن كحركات مقاومة لم ننطلق من أجل التنافس على سلطة وهمية صممت خصيصاً لتصفية قضية فلسطين، نحن وجدنا لنعبر عن خيارات الشعوب بعيداً عن حسابات الأنظمة وقضايا الحكم، وخيار كل الشعوب في مواجهة الاحتلال الأجنبي هو المقاومة وأي انحراف في البوصلة عن هذا الاتجاه سيدخلنا في متاهة ودوامة كبيرة كما هو الحال الآن.

في نظر الغالبية حركة الجهاد تعتبر حركة مقاتلة، هل لديكم رغبة للخروج من هذا التوصيف لصالح دور أوسع؟

في البداية أود أن أوضح من أين جاء هذا التوصيف؟ هناك عدة أسباب أسهمت في رسم هذه الصورة: الأول، معنى الجهاد في الموروث الثقافي للأمة، بأن الجهاد يعني القتال في سبيل الله.. وهرباً من هذا الاستحقاق نجد البعض يختار أو يفضل كلمة "المقاومة" لأن وقعها أخف خاصة في الثقافة العالمية والغربية المعادية للإسلام.. السبب الثاني، الدور الفاعل للحركة في الجهاد والمقاومة والأثر الذي أحدثته عملياتها الجهادية، وهو دور يعتبره البعض أكبر من إمكانات الحركة وانتشارها، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى.. السبب الثالث، أن هناك أطرافاً مختلفة حريصة على إلصاق هذا التوصيف بنا والهدف منه عزل الحركة جماهيرياً وتخويف الناس منها.. وأكثر من قام بذلك هو العدو الصهيوني وأبواقه، والسبب أنهم يخشون من الطرح والنهج الذي تمثله الحركة.. فالمشكلة ليست أننا لا نؤمن بالسياسة أو لا نشتغل بالثقافة أو لا نهتم بالقضايا الاجتماعية.. نحن حركة مجاهدة تأخذ بالمفهوم الشمولي للجهاد، نعم القتال هو لب وذروة العمل الجهادي، لكن هناك أبعادا أخرى للعمل الجهادي منها الثقافي والاجتماعي والسياسي وغيره وكلها نهتم بها ونمارسها في حدود إمكاناتنا. فنحن حركة جهادية تمارس السياسة أيضاً، لكن السياسة التي نطرحها هي غير السياسة التي تنتجها الدوائر الغربية وأطراف لعبة التسوية في المنطقة.. وتمسكنا بالثوابت وما كان عليه إجماع الأمة بشأن فلسطين منذ بداية الصراع لا يروق للآخرين.

باختصار، وحتى نجمل هذا الموضوع أقول نحن حركة مقاومة تمارس السياسة ولسنا حركة سياسية تمارس المقاومة، لأن هذا التوصيف الأخير يجعل من المقاومة ورقة تكتيكية الهدف منها تحسين شروط اللعبة السياسية المصممة في مراكز القرار المعادية.

 ماذا عن المصالحة الفلسطينية، قلتم في حوار سابق لو وقعت حماس على ورقة المصالحة لن نوقع عليها لماذا؟

 لأن ورقة المصالحة المطروحة مجحفة بحق المقاومة وتضع كل شيء في يد السلطة ورئيس السلطة، وأيضاً لأننا لسنا طرفاً في الانقسام الحاصل على السلطة.

 والحصار هل سيستمر وإلى متى؟

الحصار قرار أمريكي إسرائيلي عربي للأسف، وهو مفروض لأسباب سياسية، وما لم تحدث تغيرات مهمة في التوازنات السياسة في المنطقة والساحة الفلسطينية، فالحصار برأينا مستمر وشعبنا المظلوم يدفع الفاتورة.

 يبدو أن حادثة سفينة مرمرة سلطت الأضواء على دخول تركيا على خط الصراع بقوة هل سيحل الدور التركي محل الدور الإيراني؟

 نحن نرحب بدخول تركيا في المعادلة، لكن يجب أن نكون واقعيين فلا نبالغ في التوقعات.. حكومة أردوغان تحمل نوايا طيبة تجاه قضية وشعب فلسطين ولها مواقف مشرفة، لكنها مكبلة بميراث وتركة ثقيلة من تاريخ العلاقة للدولة التركية مع إسرائيل والغرب.. لذلك المقارنة بين الدور التركي والإيراني لا تستقيم وفيها ظلم للجانب التركي برأينا.. والسبب أن دخول إيران في الصراع يتم على قاعدة رفض الاعتراف بإسرائيل بل زوال إسرائيل، أما تركيا الدولة والحكومة فدخولها يتم على أساس الاعتراف بإسرائيل بل والصداقة والعلاقات المتينة معها، وتأييد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة في حدود 1967 عبر التسوية والمفاوضات تماماً كما هو منطق النظام العربي والسلطة الفلسطينية.. وهذه المقارنة من وجهة النظر الإستراتيجية، ومنطق الحق والباطل في الصراع، ليست في صالح تركيا بل فيها ظلم للشعب التركي المسلم.

من جانبنا، نحن نثمن أي دور عربي أو إسلامي لدعم قضيتنا العادلة بأي قدر وبأية طريقة، وما يهمنا هو يقظة الشعوب ودعم الشعوب، لذلك موقف الشعب التركي وحرارة إيمانه وشجاعته لنصرة فلسطين هو الأهم بالنسبة لنا، وهو الرصيد الذي يحمي القضية في ضمير الشعوب وذاكرتها من متاهات وانزلاقات السياسة.

شاركتم في قمة غزة بقطر التي حضرتها الجزائر أيضاً.. ما هو حال علاقتكم بالجزائر الرسمية وماذا تنتظرون من الجزائر؟

الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد له مكانة خاصة في نفوسنا وذاكرتنا التاريخية، أما عن علاقتنا بالأوساط الرسمية في الجزائر، للأسف ليس هناك قنوات اتصال رسمية بيننا وبين الإخوة في الجزائر، وكل ما نتمناه على الجزائر الرسمية أن تظل على نصرة الحق العربي والإسلامي للأمة في فلسطين، وأن تظل فلسطين حاضرة في ضمير الشعب وثقافته وهمومه، وأن يأخذ الشعب الجزائري حريته ودوره في دعم ونصرة الشعب الفلسطيني لأن فلسطين جرح في قلب الأمة وكرامتها كما كانت الجزائر يوماً جرحاً لم يبرأ إلا بالتحرير والتخلص من الاستعمار.

 كيف تقرأون تجربة جزائر الثورة والجزائر المعاصرة؟

 جزائر الثورة لها موقع خاص في عقلنا وتفكيرنا. جهاد الشعب الجزائري وانتصاره بعد 130 سنة من الاستعمار يفتح لنا نافذة كبيرة من الأمل، بل يخرجنا من يأس المرحلة إلى تفاؤل التاريخ المفتوح على الغيب، حيث الثقة بالله والثقة بالأمة..

من خصوصيات الثورة الجزائرية في وعينا التشابه إلى حد ما في الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية للاستعمار الفرنسي والاستعمار الصهيوني.. قد يكون هناك فارق نسبي في ذلك، لكن المستعمر الفرنسي كان يعتبر الجزائر أرضاً فرنسية، كما يعتبر المستعمر الصهيوني فلسطين "أرض إسرائيل" وهناك درس كبير نستلهمه من الثورة الجزائرية أن التحرير لم يتم إلا بالجهاد الذي كان تحت راية الإسلام وبقيادة شرفاء أحرار من علماء المسلمين ورجالات الحركة الوطنية، واليوم في فلسطين الذي يمثل عصب الجهاد والمقاومة ويحافظ على ثوابت القضية هي الحركة الإسلامية بشقيها حماس والجهاد الإسلامي..

هذا بإيجاز عن جزائر الثورة، أما الجزائر المعاصرة بدءاً من جزائر بن بلة وهواري بومدين وصولاً إلى الرئيس بوتفليقة فهي كسائر بلداننا في ظل ما يسمى دولة الاستقلال الحديثة مرت بتجارب ومخاضات وتحديات ومحن كثيرة لا مجال للحديث عنها الآن، لكن ما يهمنا أن لا يقع الانفصام بين جزائر الثورة والجزائر المعاصرة أن لا يتم قطع الجذور أو الانسلاخ سواء في مسألة الهوية أو مسألة النهضة.