خبر إسرائيل تتجسس على جميع الاتصالات الخلوية في جنوب لبنان

الساعة 06:31 ص|28 أغسطس 2010

 إسرائيل تتجسس على جميع الاتصالات الخلوية في جنوب لبنان

فلسطين اليوم-الأخبار اللبنانية

لم تستطع الدولة اللبنانية بعد حصر الأضرار اللاحقة بقطاع الاتصالات، سواء جراء الاختراق الإسرائيلي، أو نتيجة الاهتراء والتسيّب وسوء الإدارة في القطاع، التي تراكمت نتائجها طوال أكثر من عشر سنين.

التردّي في واقع الاتصالات يبدأ من الإهمال، ليصل إلى حقيقة مفادها أن الدولة تركت القطاع مشرّعاً أمام التجسّس التقني الإسرائيلي. فمنذ بدء توقيف المشتبه في تعاملهم مع الاستخبارات الإسرائيلية في شركتي الهاتف الخلوي وهيئة أوجيرو، بدأت وزارة الاتصالات والهيئة المنظمة للقطاع ما يشبه المسح الأولي لشبكات الهاتف. وقد سلّمت الهيئة وزيرَ الاتصالات تقريراً عن الإجراءات الكفيلة بتوفير الحماية الأولية للقطاع، سواء في الاتصالات الهاتفية المحلية والدولية، أو الإنترنت، أو في المعاملات المصرفية التي تعتمد أنظمة مقفلة أو مفتوحة للاتصالات.

وبحسب معنيّين بالقطاع، فإن الدولة اللبنانية، خلال أكثر من عشر سنوات، لم تتّخذ أي إجراءات لحماية سرية التخابر في لبنان، وخاصة عند الحديث عن التعديات الإسرائيلية. ففي الجنوب، ومباشرةً على الحدود اللبنانية الفلسطينية، أقامت الاستخبارات الإسرائيلية مراكز للتجسس على الاتصالات اللبنانية. وهذه المراكز واضحة للعيان، ويمكن مَن يسير على الحدود أن يشاهد الصحون اللاقطة مزروعة في الجانب الفلسطيني من الحدود. وبعض هذه الأجهزة مزروع بعيداً عن مواقع محددة، فيما البعض الآخر يقع داخل مواقع خاصة بالاستخبارات الإسرائيلية. ويقع أبرز هذه المراكز قبالة بلدة الناقورة، وآخر قبالة علما الشعب، إضافةً إلى مركز مهمّ قرب موقع العباد، وصولاً إلى جبل الشيخ. وبحسب مصادر رفيعة في وزارة الاتصالات، فإن مراكز التجسّس الإسرائيلي، تتمكن في الوقت الحالي من التجسس على جميع الاتصالات الخلوية التي تُجرى في الجنوب. وهذا الأمر، بحسب المصادر ذاتها، واضح وجليّ، ولا يحتاج إلى كثير عناء من أجل إثباته. إذ بإمكان أيّ مهندس اتصالات أن يجول على الحدود، ليرى التجهيزات الإسرائيلية، فيعرف مباشرةً ما باستطاعة الهوائيات الكبيرة الموجهة إلى داخل الأراضي اللبنانية فعله. فهي الأذن الإسرائيلية التي تسترق السمع إلى ما تشاء من مكالمات الهواتف الخلوية في الجنوب. ومن المعروف عالمياً، بحسب خبراء لبنانيين، أن الإسرائيليين طوّروا قدرتهم على اعتراض الاتصالات الخلوية، هوائياً. وهذه التقنية باتت متوافرة في العالم، ويمكن تصفّح مواقع الإنترنت التي تعرض للبيع «حقائب» تمكّن حاملها من تسجيل مكالمات عدد محدود من الهواتف الخلوية، وهي الحقائب التي يؤكد مسؤولون أمنيون لبنانيون أنها متوافرة لدى عدد من الأجهزة الأمنية اللبنانية التي تستخدمها في التنصت الأمني والسياسي، لكن على نطاق ضيق، بسبب محدودية قدرة هذه الحقائب، وضرورة بقائها قرب الهاتف المنويّ استخدامه. ويؤكد الخبراء أنفسهم أن القدرة الإسرائيلية على التنصت تفوق بآلاف الأضعاف ما هو متاح للأفراد في السوق السوداء (الحقائب).

إضافةً إلى أجهزة التنصت الواضحة، زرع الإسرائيليون، على الملأ، فوق أعمدة يصل ارتفاع بعضها إلى أكثر من 40 متراً، أجهزة لتحديد اتجاه الاتصالات. فهذه الأجهزة التي تظهر على طول الحدود اللبنانية ـــــ الفلسطينية، تحدد المكان الدقيق لأي اتصال لاسلكي (خلوي، أجهزة لاسلكية، أجهزة هاتف ثابت منزلية محمولة...) عبر رصد هذا الاتصال من ثلاث زوايا مختلفة. وتُعرَف هذه التقنية عالمياً بـ«direction finding».

لكنّ الأخطر من ذلك كلّه، هو توزيع محطات الهاتف الخلوي داخل الأراضي اللبنانية. خُذ على سبيل المثال، خط بثّ الشبكة التي تشغّلها شركة ألفا، من بلدة عبيه إلى صفاريه فدردغيّا، ومن دردغيّا باتجاه منطقة صور. وإلى صور، يصل بثّ ألفا من طريق آخر، ليكوّن حلقة تبدأ من عبيه. هذه الحلقة توصف بـ«الطبيعية» في مجال الاتصالات، لكن ما لفت أنظار المعنيين في وزارة الاتصالات أن عمودَيْ الإرسال الموجودَيْن في كلّ من صفاريه ودردغيّا، يقعان على خط مستقيم مع موقع التنصّت الإسرائيلي في زرعيت، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. علماً بأنّ الرؤية متاحة بين الأعمدة الثلاثة. وبحسب مصادر مطلعة، فإن هذا الواقع يعني أن بإمكان الإسرائيليين التقاط بثّ الأجهزة الخلوية مباشرة، فضلاً عن توافر إمكانية تقنية لأن يكون أحد العملاء قد جهز عمود دردغيا بواسطة جهاز بثّ مايكروويف، ما يسمح للإسرائيليين بالدخول إلى الشبكة اللبنانية، والوصول إلى داخل «عقل» شركة ألفا، من دون أي عوائق تذكر. ويجري الحديث على نطاق واسع، في أوساط وزارة الاتصالات والأجهزة الأمنية، عن دور أدّاه الموقوف طارق ر، المدعى عليه بجرم التجسس لحساب الاستخبارات الإسرائيلية، في توزيع هذه الأعمدة، وخاصةً أنه كان أحد واضعي خطط نشر أعمدة الإرسال في «ألفا».

وحتى أمس، لم يُتحقَّق بدقة من الأجهزة المثبّتة على أعمدة الإرسال في الجنوب، للتمكّن من رسم صورة واضحة لما حقّقه الإسرائيليون هناك. وما يجري بين صفاريه ودردغيّا وزرعيت، يتكرّر على طول الحدود اللبنانية ــــ الفلسطينية، حيث تكثر أعمدة الإرسال المتقابلة على جانبي الحدود، من الناقورة وصولاً إلى جبل الشيخ، من دون أن يستدعي ذلك أي إجراءات من الجانب اللبناني.

 

كذلك فإن وزارة الاتصالات لم تطّلع بعد على التفاصيل التقنية لنتائج التحقيقات التي أجرتها مديرية استخبارات الجيش مع موقوفي قطاع الاتصالات، لمحاولة تحديد الخروق التقنية التي حققها الإسرائيليون في الشبكة الخلوية والثابتة. واقتصرت المعالجة على الجانب الأمني، وعلى الإجراءات التي اتخذتها الوزارة من تلقاء نفسها بعد توقيف موظف ألفا شربل ق، إذ قطعت شركتا الهاتف الخلوي أي إمكان للدخول إلى الشبكة من الخارج، بواسطة شبكة الإنترنت، وهو ما كان متاحاً لعدد من الموظفين، ولبعض المورّدين الأجانب الذين يُسمَح لهم أحياناً بالدخول إلى الشبكة اللبنانية لمساعدة التقنيين اللبنانيين على معالجة بعض المشاكل.

ويؤكد خبراء في الاتصالات أن ثمة إجراءات وقائية بسيطة تمكّن السلطات اللبنانية من توفير الحد الأدنى من الحماية ضد الاختراق الإسرائيلي، وهي إجراءات غير مكلفة، ولا تحتاج إلى أكثر من قرار على المستوى السياسي. لكن المستوى السياسي، على ما يبدو، لا يزال خارج الخدمة حالياً. فمجلس الوزراء لم يكلّف نفسه عناء تخصيص جلسة لدراسة أوضاع القطاع عموماً، وخاصةً في ظل «النقزة» الموجودة لدى فريق رئيس الحكومة سعد الحريري من التطرق إلى هذا الملف، لما يرى فيه من انعكاس سلبي على أدلة قد تستخدمها المحكمة الدولية في قرارها الاتهامي.

والتعامل السياسي مع هذه القضية الحساسة، لا تزيد حرارته عن البرودة التي سيطرت على رد فعل الطبقة السياسية على خبر صادر عن قيادة الجيش أمس، أعلنت فيه أن منطاد تجسس إسرائيلياً حلّق يوم أول من أمس فوق مدينة بعلبك وبلدتي نحلة ويونين وسلسلة جبال لبنان الشرقية.

وعلى المنوال ذاته، تتعامل السلطة السياسية بتجاهل تام مع واقع أن إحدى الشركات المورّدة لأجهزة بثّ الخلوي في لبنان، أي شركة نوكيا ــــ سيمنز، هي الزبون الأول لشركة سيراغون الإسرائيلية. والأخيرة، تصنع أجهزة وشرائح إلكترونية تدخل في تصنيع الأجهزة والمعدّات التي تبيعها نوكيا ـــــ سيمنز. ويملك شركة سيراغون ويتولى إدارتها مجموعة من الأفراد، معظمهم ضباط إسرائيليون متقاعدون من خدمة عسكرية أمضوا الجزء الأكبر منها في وحدات التجسس التقني الخاص، في الاستخبارات العسكرية وهيئة الأركان.

 

تسيّب في أوجيرو

 

هذا بعض ما في الجانب الأمني. أما من ناحية سوء الإدارة، فإن حادثة انقطاع الاتصالات الهاتفية الثابتة بين العاصمة والجنوب يوم 20/7/2010، تعطي صورة واضحة عن الواقع. الكابل البحري الذي يصل بين سنترالَيْ رأس بيروت وصيدا، انقطع من مكانين في آن واحد، تحت سطح البحر. وبحسب مصدر مطّلع في أوجيرو، فقد بيّن التدقيق الذي أجرته شركة فرنسية، أن انقطاع الكابل ناتج من حركة التيارات البحرية التي جعلته يدور حول نفسه، وهو الممتد فوق وادٍ بحري سحيق. كل ذلك لا غبار عليه. لكن انقطاع الكابل البحري أدى إلى عزل الجنوب عن بيروت، هاتفياً، على نحو شبه كلي. فالكابل البري الممتد على طول الطريق الساحلية، لم يعد، منذ عدوان تموز 2006، يُستخدم لاتصالات الهاتف الأرضي. وبيّن انقطاع الكابل البحري غياب أي خطة طوارئ لدى أوجيرو لحالات مماثلة.

وبعد الحادثة، أعدت لجنة تحقيق فني في الهيئة المنظمة للاتصالات، تقريراً عن الحادث، بناءً على طلب الوزير شربل نحاس. وبحسب مطلعين على التقرير، فإنه أظهر الواقع «الكارثي» داخل هيئة أوجيرو، وخاصةً من النواحي الآتية:

ـــــ غياب إجراءات الوقاية الاستباقية، سواء في صيانة بعض المعدات، أو في إصلاح ما يتعطل منها.

ـــــ غياب عقود الإصلاح والصيانة لقطع الغيار التي تحصل عليها الهيئة من عدد كبير من الموردين.

ـــــ نقص التجهيز في مركز التحكم في شبكة الهاتف الثابت، مما يجعله شبه فاقد للفعالية.

ـــــ تضارب الصلاحيات داخل أوجيرو، وعدم وجود نصوص توضح مهمات كل واحدة من قطعات الهيئة.

ـــــ البنية الأساسية لشبكة الاتصالات مترهلة ولا تواكب بعض تجهيزاتها التطور الحاصل في قطاع الاتصالات عالمياً، إذ إن بعض التجهيزات التي تُستخدم في شبكة الهاتف الثابت لم تعد تصنّع في العالم.

ـــــ غياب الرقابة على أعمال الصيانة التي تقوم بها أوجيرو.