خبر من قبطان الى فريق..يديعوت

الساعة 09:40 ص|26 أغسطس 2010

بقلم: نوحاما دويك، رؤوبين فايس، ليئور إل – حي

بعد لحظة من انهاء المكالمة رن الهاتف مرة أخرى. على الخط رئيس الاركان الفريق غابي اشكنازي. هنأه بحرارة، تمنى له النجاح ووعده بأن يكون التطابق كاملا ومليئا. شكره غالنت هو ايضا، وعندها فقط اتصل بزوجته كلودين وأمه فروما كي يبشرهما. في ختام المكالمات واصل اللقاء كما كان مقررا. هكذا هو، يقول مرؤوسوه رجل عسكري لا يفقد رباطة الجأش، لا في اثناء الازمات ولا في اثناء الفرح.

          اغلاق دائرة

          في 1995 وقعت حادثة تدريب قاسية في الوحدة البحرية 13. ران كمحي، 20، رحمه الله، مقاتل الوحدة البحرية، الذي كان قبل بضعة أسابيع فقط من انهاء مساره في الوحدة، غرق في اثناء تدريب على الغوص الليلي. قائد الوحدة البحرية في حينه كان يوآف غالنت. في شهر شباط الماضي بعد 15 سنة من وفاة كمحي، توفي أمير، والد ران. غالنت، الذي اصبح حاليا قائد المنطقة الجنوبية، غادر لزمن قصير الجبهة حامية الوطيس في الجنوب ووصل الى المقبرة العسكرية في كريات شاؤول كي يقدم الاحترام الاخير لوالد المقاتل الذي فقده. "هذا هو غالنت"، يقول عنه أصدقاؤه. "قلبه لا يسمح له بأن ينسى احدا".

          غالنت، في شهر تشرين الثاني القريب القادم سيبلغ من العمر 52 سنة، يؤدي في السنوات الخمس الاخيرة منصب قائد المنطقة الجنوبية. وكان ولد وتربى في يافا، ابن فروما، الممرضة في مهنتها، الناجية من الكارثة، التي وصلت الى البلاد في سفينة الهاربين اغزودس، وميخائيل رحمه الله الذي قاتل في وحدة ثعالبة شمشون في لواء جفعاد. الاب، الذي في حرب التحرير شارك مع وحدته في حملة تحرير النقب، أسمى ابنه يوآف على اسم الحملة التاريخية. قبل نحو سنة ونصف، في أثناء حملة "رصاص مصبوب" في قطاع غزة، اغلق غالنت دائرة شخصية صغيرة اذ انه بصفته قائد المنطقة دخل الى منطقة القطاع وانضم الى القتال.

          غالنت (معنى اسم العائلة في اللغات الاوروبية: "شجاع"، "فارسي" او "نبيل") قضى سنوات طفولته الاولى في يافا، في شقة صغيرة جدا، لدى جده وجدته. ابوه عمل في التنقيب عن النفط وبعد ذلك كسائق شاحنة، وعندها فتح دكانا لتصليح الاجهزة الكهربائية. عندما كان غالنت ابن 17 توفي أبوه، واضطر الى المبيت على فرشة في الدكان كي يحميها من الكسر والخلع. لمقربيه قال إن هذه كانت سنوات ساحرة.

          خدمته العسكرية بدأها غالنت في الوحدة البحرية 13 وشارك في عدد لا يحصى من العمليات الخطيرة للغاية على أرض العدو. بعد نحو ست سنوات من الخدمة ترك الجيش وسافر الى الاسكا، حيث قضى سنتين كحطاب. عندما عاد الى اسرائيل عاد الى الخدمة في سلاح البحرية، اجتاز دورة قبطان وبعد فترة خدمة على بارجة عاد الى الوحدة البحرية 13 كقائد سرية المقاتلين فيها.

          أحد قادته المباشرين كان قائد سلاح البحرية السابق ومدير عام "رفائيل" حاليا اللواء احتياط يديديا يعاري. "انا احب يوآف"، قال أمس. "سيكون رئيس أركان ممتاز. فهو رجل مع قدرات استثنائية، مع قيادة طيبة وقدرة على ادارة منظومات كبيرة تحت ظروف الضغط. لديه قدرات ثقافية استثنائية. فهو رجل  مبارك في الكفاءات. انا أعرفه من الليالي التي وجدت فيها هذه القدرات تعبيرها، وفي ظروف غير بسيطة. انا مسرور جدا بأن هذا هو الاختيار".

          قائد سلاح البحرية الاسبق اللواء احتياط عامي ايالون، الذي قاد غالنت في الكثير من حملات الوحدة البحرية 13 استدعاه اليه في العام 1992. وبلغه "بعد سنتين ستعين قائدا للوحدة البحرية". في هذه الاثناء عرض عليه أيالون الخروج في فترة تعليم في بوسطن. غالنت رفض الاقتراح السخي. "في هاتين السنتين"، اجاب لايالون "افضل ان اكون قائد لواء. أن اتعرف عن قرب على القوات البرية". في الجيش الاسرائيلي قبلوا الطلب الاستثنائي وعين غالنت قائدا للواء جنين.

          في العام 1994 تسلم غالنت منصب قائد الوحدة البحرية 13، حيث ربى فيها ضمن أمور أخرى ضابطين اصبحا رمز البطولة والجسارة: المقدم يوسي كوركين رحمه الله، الذي قتل في مصيبة الوحدة البحرية في الانصرية، والعميد ايرز تسوكرمان قائد الوحدة البحرية 13 السابق وجار غالنت وصديقه الطيب اليوم.

          بعد ان تسرح الرجلان لفترة معينة من الخدمة العسكرية وسافرا للتجول في العالم، كان غالنت هو الذي حرص على اعادتهما الى البلاد. ونقل رسالة الى تسوكرمان وكوركين من خلال أهاليهما بأنه "اذا اتصلا، بلغوهما بأن الاجازة انتهت". وتلقى الرجلان الرسالة، استوعباها وعادا الى اسرائيل والى الجيش الاسرائيلي. "هو مدفع معظم"، قال أمس تسوكرمان عن قائده السابق.

          في ختام ولاية قيادة من ثلاث سنوات للوحدة البحرية عين غالنت قائدا لفرقة غزة، وفي العام 2002 اصبح السكرتير العسكري لرئيس الوزراء في حينه اريئيل شارون. منذئذ سجل غالنت تاريخا صغيرا عندما اصبح اول جنرال يأتي من سلاح البحرية ويحصل على رتبة لواء بالذات من خارج السلاح. أمس سجل تاريخا اضافيا عندما اصبح الرئيس الاركان الاول من سلاح البحرية.

          الكيمياء بين رئيس الوزراء، المقاتل القديم والمجرب وبين سكرتيره العسكري الجديد كانت رائعة. فقد نسجت بين الرجلين منظومة علاقات قريبة جدا، ورأى الكثيرون بينهما أوجه شبه عديدة. التصميم، عدم الرغبة في التنازل، حس الدعابة، محبة البلاد وغيرها. رئيس الوزراء قدر جدا مقاتل الكوماندو الخبير واعتمد على توصياته بعينين مغمضتين تقريبا.

          في العام 2005، في ختام مهامه كسكرتير عسكري، عين غالنت في منصب قائد المنطقة الجنوبية، في هذا المنصب ادار اثنتين من اكثر الحملات نجاحا للجيش الاسرائيلي حيال مخربي حماس في الجيش الاسرائيلي: حملة شتاء حار في العام 2008 وحملة "رصاص مصبوب" في العام 2009. ومع ذلك، فتحت قيادته للجهبة اختطف جندي الجيش الاسرائيلي جلعاد شاليت.

          من الوحدة البحرية الى القمة

          غالنت نشأ في البحر. في الوحدة البحرية. هذا هو حبه الحقيقي. في صباح يوم السبت، بعد بضع ساعات من انفجار قضية الوثيقة في القناة 2، سافر غالنت الى حقول البحر وعلى مدى ساعات طويلة جدف في قارب. هكذا "فرغ التوتر". ولمقربيه قال مسبقا بأن ليس لديه يد أو قدم في القضية، وأن كل هدفها هو المس بفرصه ليعين رئيسا للاركان.

          رفاقه يروون عن ضابط وجنتلمان. عن رجل حساس حتى الألم، يكرس للعائلات الثكلى ساعات عديدة من جدول اعماله، تبنى المقاتل ايزي اغازي، الجندي الوحيد الذي فقد يده في اثناء "رصاص مصبوب" وبعد أن زاره في المستشفى جعله واحد من ابناء بيته. وروى أغازي "نحن نلتقي في احيان قريبة وهذا يعزز روحي، ولا سيما في ضوء ما اجتزته. هو انسان طيب، لم أر انسان برتبته ومنصبه لديه الوقت للحديث مع أناس مثلي، فهو مكترث حقا".

          علاقة خاصة اقامها غالنت ايضا مع العقيد شلومي دهان، الذي وصل الى قيادة المنطقة الجنوبية من الوحدة البحرية لمنصب قائد القاطع الجنوبي. وكان يفترض بدهان ان يعين قائدا للوحدة البحرية، ولكن لسوء حظه شارك في حادثة طرق قاسية جدا. ولم يعد لنفسه ودرج غالنت على ان يزوره في أحيان كثيرة.

          مرؤوسوه يعرفون بأن باب مكتبه مفتوح وأن بوسعهم ان يتشاورا معه في الأمور الخاصة. الى جانب ذلك فهو رجل عسكري عنيد. يطلب انضباطا حديديا. ينزل الى الميدان ويدخل الى تفاصيل تفاصيل الحملة او المناورة. وهو احد الالوية القلائل الذين يلبسون في اثناء التدريبات اللوائية سترة واقية وينضم الى الجنود. رفاقه الالوية يروون انه في جلسات هيئة الاركان يقول رأيه ويكافح في سبيله حتى لو كان معارضا لرأي الاخرين. "ولكن عندما يتخذ القرار ينفذه حتى النهاية"، قالوا. احد مرؤوسيه السابقين روى يقول: "هو رجل ساحر. عرفته عندما كنت جنديا صغيرا وهو الذي جعلني ضابطا. هو قائد ورجل عسكري بالفعل وبالقول. وهو يعرف كيف يحافظ على علاقة ممتازة مع مرؤوسيه ومع من يخدمون الى جانبه. وهو يتذكر دوما ان يهاتف أحدا ما وأن يهنأه في افراحه".

          ايلان زيلخا، رئيس حركة الكشافة في اسرائيل، كان قائد غالنت في حركة الشبيبة. وقال أمس "توقعت له العظائم دوما. لا يوجد أناس مثله. بسرعة شديدة أصبح مرشدا، رئيس كتيبة ومنسق قبيلة. هو احد الاشخاص الاكثر عنادا الذين عرفتهم، ولكن مع ذلك أحد أرقهم واكثرهم انسانية. وهو بلا شك شخصية ومثالا يحتذى". أم غالنت اغلقت على نفسها امس شقتها في جفعتايم. وعبرت عن مشاعرها بكلمات قليلة. فهي غاضبة لما فعلوه بابنها في الاسابيع الاخيرة. وهي تقول "يكفي أنهم شربوا دمه. كدت أصاب بنوبة قلبية. أنا فرحة جدا. تحدثت معه، تحادثنا وتمنيت له كل خير. أنا فخورة بابني".

          يوم عيد في القرية الزراعية

          زوجته كلودين، ضابطة سابقة في سلاح البحرية اعتزلت وهي في رتبة مقدم، كافحت مرض سرطان الثدي. للزوجين، اللذين يسكنان في بلدة عميكام، ثلاثة ابناء: ابن الضابط الذي يسير في طريق أبيه، ابنة المجندة التي تجندت منذ وقت غير بعيد في منصب مقاتلة وابنة شيخوخة لا تزال تتعلم في الثانوية.

          الى عميكام انتقلوا قبل نحو عقد من الزمن. أمس ارتدت القرية الزراعية الصغيرة (150 نسمة) رداء العيد. في ساعات ما بعد الظهر وصل بعض أعضاء القرية الزراعية وهم يحملون اليافطات. على واحدة منها علقت فوق الطريق المؤدي الى بيت عائلة غالنت، كتب بأحرف زرقاء – بيضاء: "يوآفنا رئيس أركان الجميع". في واجهة مدخل البيت علقت يافطات اخرى. في كل ساعات اليوم وصلت باقات الزهور الكبيرة الى منزل العائلة.

          كلودين كانت منشغلة أساسا بالرد على المهنئين الكثيرين الذين اتصلوا. "لقد اجتازت مرضا صعبا وكافحت ضده ببطولة عندما وقف زوجها الى جانبها كل الوقت ودعمها في فترتها العسيرة"، روى عضو القرية الزراعية ايلان شفارتسبرغ. "يوآف هو صديق حقيقي، وانسان مستقيم وقيمي. في الفترة الاخيرة مرت عليه ايام غير سهلة والاحساس هو انهم حاولوا حياكة ملف له. القرار بتعيينه رئيس الاركان يثبت بأنه على ما يبدو يوجد عدل ويوجد رب".

          عضو آخر في القرية الزراعية غوري روزين، عاد بالجرافة الصغيرة من مرعى البقر وتوقف قرب بيت عائلة غالنت. وقال "انا فرح جدا بالقرار. انا واثق من أن الاصدقاء الطيبين من القرية سيجرون له اليوم استقبالا. منذ بداية القضية قلت لاعضاء القرية إنه من هذا المر سيخرج الحلو".