خبر البريغادير والمفاوضات المباشرة../ د.عبد الله البياري*

الساعة 12:28 م|25 أغسطس 2010

البريغادير والمفاوضات المباشرة د.عبد الله البياري*

* كاتب فلسطيني من مدينة يافا مقيم في فرنسا 

لم يكن خبر تعيين "بطل حرب غزّة" – كما يسميه الإعلام الإسرائيلي - البرغادير بوآف غلنط رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي خلفا لأشكنازي، بعد أسبوع من إعلان وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة هيلاري كلنتون عودة المفاوض الإسرائيلي والفلسطيني لطاولة المفاوضات المباشرة مطلع الشهر المقبل، مجرد خبر عار عن السياق الزمني والميداني.

 

فهل يمكننا استقراء ذلك الرابط بين الحدثين (التعيين والإعلان عن العودة للمفاوضات) وكأنهما منعزلان إذا علمنا أن قرارا بالتّعيين لرئيس الأركان العشرين جاء قبل موعده المقرّر رسميا بعدة أشهر؟ و أنّ أشكنازي قد سبق له رفض تعيين غلنط سكرتيرا له ؟ وأن ذلك الأخير ليس بريئا مما سمّي بـ"وثيقة" غلنط التي صدرت منذ فترة و التي تنال من سمعة بقية المرشّحين للمنصب في صورة من صور الضّرب تحت الحزام؟

 

إن اعتماد وزير الأمن الإسرائيلي إيهود باراك ومباركة رئيس وزرائه نتنياهو على القوّة العسكرية التي يمثلها البرغادير يوآف غلنط، و الذي كان سكرتيرا عسكريّا لأحد أكبر رجالات الحرب الإسرائيلية وهو أرييل شارون، وهو المنصب الذي بقي فيه غلنط لمدة ثلاث سنوات عين بعدها قائدا للمنطقة الجنوبيّة –بما فيها القطاع- وهو المنصب الذي لا يزال يباشره حتى الآن. جدير بالذّكر أن غلنط هو أحد مهندسي حرب غزّة وهو أحد أهم الدّاعين لمنهجيّة "القبضة الحديديّة" في التعامل مع حماس و المقاومة، ناهيك طبعا عن ارتباط اسم غلنط بغزّة وجنين.

 

إن الاعتماد الإسرائيلي على ذلك "البطل"، لا يمكن أن يتمّ تحليله و استقراؤه بمعزل عن الشروط الإسرائيليّة التي حددها نتنياهو للعودة للمفاوضات المباشرة و التي أسماها باللبنات الأمنيّة التي تستلزم "طرفا فلسطينيا شجاعا" لتحقيق السّلام :

 

*. السّيطرة الكاملة على حدود ما أسماها بالدّولة الفلسطينيّة منزوعة السّلاح والسّيادة وبالذات الحدود الشرقية لمدة لا تقل عن ال15 عاما، هذا من دون الإشارة إلى الأطماع الإسرائيلية في منطقة غور الأردن، وما يمثله ذلك الشرط من حالة توتر لا تقل عن تلك التي سببتها تصريحات وزير الخارجيّة الإسرائيلي السابقة عن فكرة الوطن البديل، وما تكرر أيضا في الحالة اللبنانية بعد إقرار قانون الضمان الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان وما سببه ذلك من ردود أفعال و إن اختلفت درجاتها في البلدين.

 

*. فإذا كان نتنياهو كما يرى المعلّق السياسي ألوف بن من صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية هو بخلاف قادة الليكود السابقين والذين كان همهم الأول هو النشاط الاستيطاني وفعاليّته، فنتنياهو يأخذ الحيّز الأمني لديه الأولويّة الأكبر، إلا أن ألوف قد خفي عليه أن الشرط الذي قدمه نتنياهو على أنه أهم الشروط والمؤسس لها وللمفاوضات ككل وهو "الاعتراف بيهوديّة الدّولة"، يخلق للمفاوض الإسرائيلي نوعا من الأمان الديمغرافي على محورين :

 

- الأول عرب الـ48 وهم الذين ستسقط عنهم المواطنة الإسرائيلية، وتسقط عنهم جميع حقوقهم المدنيّة بدعوى مخالفتهم القانونيّة للمبدأ المؤسّس للمواطنة في تلك الدولة، و هم الذين وصفهم البعض بالطّابور الخامس ووجودهم هو كما القنبلة الموقوتة في جسد الدولة الإسرائيلية.

 

- الثاني: اللاجئين وهم أيضا سيسقط عنهم حقهم في العودة لدولة اعترفت قيادتهم بيهوديّتها، حيث عقب نتنياهو على تلك النقطة قائلا: "حلّ قضيّة عودة اللاجئين يجب أن يتم على تخوم الدّولة الفلسطينية".

 

وهو ما سيخلق سببا وجوديّا لا تنقصه الشرعية لإكمال عمليات التهويد والإستيطان، وهو ما عجزت الكاريزما الأمريكية الملونة عن إيقافه، وكذلك التّهديدات التي أصدرها السيد أبو مازن و التي لم تكن إلا مجموعة من الظذواهر الصوتية ذات التردّدات القصيرة، وكلاهما يعلمان أن الأنشطة الاستيطانية وإن لم تشهد مناقصات أو عطاءات ميدانية جديدة إلا أنها لم تتوقف، بما في ذلك هدم البيوت و تشريد أهلها ونفيهم خارج الخط الأخضر، وهو نوع من فرض الحقائق على الأرض، و التي لم تنقصها الصراحة الإعلامية الإسرائيلية الرسمية التي صرحت أن فكرة التّمديد لتجميد الاستيطان (؟؟؟)و المحدد لنهايتها السادس و العشرين من أيلول 2010 "غير مطروحة".

 

إن موافقة اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينية والمباركة العربية على الدخول لتلك المفاوضات المباشرة على "لبناتها الأمنيّة" المطروحة إسرائيليا والمقبولة أمريكيا ورباعيا، وإن كان قد قوبل برسائل "خطيّة" وصلت لأطراف الرباعية من السيد أبو مازن يؤكد التزام الطرف الفلسطيني بمرجعيّة مدريد وخارطة الطريق والتي منها عودة اللاجئين، والعودة لحدود ال67، والمعابر، والمياه، والقدس، والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين تحت سقف زمني قدره 12 شهرا على الأكثر، ألا يعد في أكثر الأدبيّات السياسيّة رزانة ورصانة نوعا من تضييع الوقت والأمل (كأقلّ الخسائر)؟ وهل وصلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من العمى والجدب أن لا ترى حضور العسكر وجملة قوانين إسرائيلية ليس أقّلها "قانون شاليط" الذي يغتال جميع حقوق المعتقلين الفلسطينيين الآدمية والإنسانية التي أقرّتها لهم جميع الأعراف والقوانين الدوليّة، ومنها إتفاقيّة جنيف وكذلك قانون "أملاك الغائبين" الذي يهب فعليا البيوت المقدسية لإسرائيليين؟ ألا يحمل الدخول في المفاوضات المباشرة على تلك الأسس والمرجعيّات الإسرائيلية شرعنة الإحتلال وسيطرته على الحدود بما في ذلك خنق القطاع الغزّي في أكبر جريمة إنسانية يشهدها التاريخ الإنساني المعاصر، وكذلك سلب اللاجئين حقهم في العودة وهو ما لا يسقط لا بالتقادم ولا بالمفاوضات ولا بالإستفتاءات النيابيّة لأيّ مجالس تنفيذيّة كانت، وأي جزء من الرقم 70,000 هو عدد من نفتهم إسرائيل لقطاع غزّة يصعب تفسيره؟

 

إلى أين تقودنا تلك المفاوضات؟ وألا تتبدّى مظاهرها الأوليّة واضحة؟؟