خبر مادة متفجرة لفظية: لماذا يتجاهلون التحريض..إسرائيل اليوم

الساعة 08:49 ص|22 أغسطس 2010

بقلم: دوري غولد

ريتشارد هولبروك هو أغلب الظن الدبلوماسي المجرب وذو الانجازات الكثيرة جدا الذي خدم في السنوات الاخيرة في وزارة الخارجية الامريكية. بعض من النجاحات الكبرى لادارة كلينتون في مجال السياسة الخارجية، مثل اتفاق دايتون الذي أدى الى انتهاء الحرب في البوسنة، مسجلة على اسمه. قبل ذلك شغل هولبروك منصب السفير في المانيا، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاقصى ومساعد وزير الخارجية لشؤون اوروبا. كما شغل ايضا منصب السفير في الامم المتحدة واعتبر كمرشح ابرز في منصب وزير الخارجية لو كانت هيلاري كلينتون فازت بالرئاسة في 2008.

في كتابه، الذي يصف الدول الذي أداه في تحقيق اتفاقات دايتون، بحث هولبروك في مسألة ما الذي ادى الى اندلاع الحرب. ودحض النظرية التي كانت سائدة في الدوائر الثقافية في التسعينيات والتي كانت تقول ان الحرب في البلقان كانت نتيجة "عداء قديم" بين الصرب، الكيروات والمسلمين، وادعى بان العداء الذي غذى النزاع اشعل بنية مقصودة. ويدعي هولبروك بانه كان للقيادة الصربية سياسة مقصودة للتحريض استعانت بالتلفزيون في بلغراد الذي بث الكراهية كـ "الوباء". بمعنى، ان التحريض لم يكن عرضا من  اعراض الحرب في البلقان بل سبب اندلاعها

في سياق النزاع الاسرائيلي – العربي، فان موضوع التحريض بالذات لم يؤخذ بذات الجدية. بشكل رسمي تتضمن اتفاقات اوسلو بنودا عديدة تتناول التحريض، ولا سيما الاتفاق الانتقالي من العام 1995. الاطراف ملتزمة ظاهرا بالامتناع عن التحريض والدعاية المعادية ويفترض بهما ان يدفعا الى الامام "التفاهم المتبادل والتسامح". المرحلة الاولا من خريطة الطريق من العام 2003 تدعو "كل المؤسسات الفلسطينية الى الكف عن التحريض ضد اسرائيل". اما عمليا، فالكثير من البنود لم يتم تفعيلها. حكومات اسرائيل فضلت التشديد على البنود الاكثر تفجرا من ناحية سياسية، مثل الامن ومسألة الحدود.

المحافل الاعلى في مكتب رئيس الوزراء كانت دوما اعضاء في هذه اللجان، وليس في اللجنة التي عنيت بالتحريض. وكان هناك من اعتقد بانه اذا اشتكت اسرائيل من التحريض فانها ستتخذ صورة من يبحث عن الذريعة وفتحة الفرار من المسيرة السلمية من اجل الامتناع عن تقديم التنازلات.

"تحريض منهاجي"

في كتابه "The Missing Peace" يحلل دنيس روس، على مدى 800 صفحة اسباب فشل اتفاقات اوسلو. وينتقد روس التجاهل الامريكي لموضوع التحريض: "التحريض المنهاجي للفلسطينيين في وسائل الاعلام وجهاز التعليم الذي غذى الكراهية وشدد على الاستخدام للعنف ادى بالاسرائيليين الى الشعور بان الهدف الحقيقي للفلسطينيين ليس السلام".

ويصف روس بانفتاح كبير الاسباب التي منعت الولايات المتحدة عن الانشغال بموضوع التحريض. فقد خشيت واشنطن دوما من تأخيرات في المسيرة السلمية. ولم ترغب في أن تصطدم مع عرفات واخطأت في انها قبلت ادعاءاته بالضعف.

ومع ذلك، يحذر روس بانه لا تحتمل محادثات سلام ناجحة عندما تكون حول طاولة المفاوضات اجواء ما فيما تسود في الشارع اجواء اخرى. ويطلب روس بان تقوم كل مبادرة سياسية في المستقبل على اساس مدونة اخلاقية تحظر الاعمال التي تتناقض وعملية المصالحة بين الطرفين.

الحالة الاكثر تطرفا للتحريض والتي وصلت الى جدول الاعمال الدولي في السنوات الاخيرة كانت التحريض على قتل الشعب والذي يشكل جريمة حرب حسب المادة 3 من ميثاق قتل الشعب في العام 1948. محكمة الامم المتحدة عن رواندا ادانت ثلاثة زعماء من قبيلة هوتو بالتحريض على قتل الشعب في كانون الاول 2003. وحكم على الثلاثة عشرات السنين في السجن وثبت بذلك كم هو الجهاز القضائي الدولي يتعامل بجدية مع هذا الموضوع. هذه الزاوية هي ذات اهمية ايضا بالنسبة لبعض التصريحات الفلسطينية. عندما دعا عضو البرلمان في غزة وهو من قيادة حماس، يونس الاسطل، في العام 2008 الى محرقة اليهود، لا يوجد ما يجعل اسرائيل لا تتعاطى مع الميثاق، ولا سيما في الوقت الذي يستخدم القانون الدولي ضدها في موضوع غزة. وينبغي التشديد بان في العربية كلمة محرقة لها معنى آخر وهو الكارثة، بمعنى ان في ذلك دعوة وتبريرا لقتل الشعب.

التحريض لا ينبغي أن يكون مباشرا وفظا مع دعوات لابادة الشعب مثلما في رواندا او التصريحات للناطقين بلسان حماس، كي يستجيب لتعريف التحريض.

"اليهود اعداء الله"

        هناك حالات واضحة من التحريض على العنف العام مصدرها في السلطة الفلسطينية وهي في غاية الخطورة. مثلا، "منظمة نظرة الى وسائل الاعلام الفلسطينية" افادت بان التلفزيون الرسمي للسلطة الفلسطينية بث تقريرا في 8 تموز وفي 15 تموز يقول فيه طفل فلسطيني ان المؤتمر السادس لفتح كان ذا اهمية لانه "دفعنا الى الوعي... بان نكون مقاتلين وان نعمل على مقاومة اسرائيل".

        أحد العناصر الاقوى في كل ميل لدفع العنف هو خلق صورة شيطانية. بروح هذه الامور وصف الزعيم الديني الاكبر للسلطة الفلسطينية اليهود بانهم "اعداء الله". لا يمكن ان نعمل على دفع السلام بجدية عندما تدفع المؤسسات الفلسطينية ووسائل الاعلام الرسمية الحرب الى الامام.

        في السنة الاخيرة قررت حكومة اسرائيل اخذ موضوع التحريض الفلسطيني بجدية وعينت جهات رسمية لمتابعة تصريحات القيادة الفلسطينية.

        في مؤتمر صحفي مشترك، مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، اعرب الرئيس اوباما عن قلقه من موضوع التحريض: "اعتقد ان من المهم جدا الا يبحث الفلسطينيون عن المعاذير لغرض التحريض". لاسرائيل يوجد اليوم بنية تحتية قوية كي تطالب في اثناء المفاوضات بصفر تسامح تجاه استمرار التحريض من جانب أي ذراع كان في السلطة الفلسطينية. لا يدور الحديث عن موضوع هامشي يمكن غض النظر عنه بل عن موضوع أساسي وشديد الاهمية في كل مسيرة سلمية.